الزوجة الصالحة بهجة النفس، وسعادة الدنيا وخير متاعها، ومعين الإنسان على الآخرة، هى نور البيت، وزهرة العائلة، ونسيم الصباح، وفاكهة المواسم الحاضرة دوما، وعطر الحياة، ودواء القلب، وراحة البال، وملتقى الأسرار، وهى الأنيس والرفيق، وهى الحبيب والصديق.
فزوجة المرء عون يستعين بها .. على الحياة ونور في دياجيها
مسلاة فكرته إن بات في كدر .. مدت له لتواسيه أياديها
في الحزن فرحته تحنو فتجعله .. ينسى بذلك آلاما يعانيها
إن عاد للبيت يلقى ثغر زوجته .. يفتر عما يسر النفس يحييها
وفقدان الزوجة هو غياب للسند وافتقار للناصح الأمين، وغياب للصندوق الأبيض فى حياة الرجل، حتى إن رواة السيرة أطلقوا على العام الذى ماتت فيه السيدة خديجة زوجة النبى صلى الله عليه وسلم عام الحزن.
والحب يورث فى قلب المحب إكراما لكل من يمت للمحبوب بصلة، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم صاحبات خديجة وفاء لها ولعشرتها، جاءته عجوز يوما فأكرمها وأدناها وقال لعائشة: "إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد، أو حفظ العهد من الإيمان".
وإن يرى الحبيب فى محبوبه عيبا فهو العيب الذى يقال فيه: إنه لا عيب فيه سوى أننى أفتقده بعد موته.
ولما ماتت سيدة نساء أهل الجنة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة زوجة علي بن أبي طالب؛ صلى عليها زوجها وقال بعد وفاتها رضي الله عنها:
أرى علل الدنيا عليّ كثيرة ... وصاحبها حتى الممات عليل
لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ... وإنّ الذى دون الممات قليل
وإنّ افتقادى فاطما بعد أحمد ... دليل على ألا يدوم خليل
والحب يجعل الحبيب يرى محبوبه خير الناس وأجملهم وأفضلهم، وإن لم يكن فى الحقيقة هكذا، وبدا ذلك جليا فيما روى عن السيدة أم سلمة حين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها))، قالت: فلما مات أبوسلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحب بين المحبين تحيطه الرحمة، وترعاه العاطفة، ويرفعه التقدير، ويعززه الاحترام، ويملأ عين كل منهما رضا عن الآخر، حتى إن أحد الشعراء خاطب محبوبته معظما تحت سلطان الحب، وهي الضعيفة التى ليس لها سلطة عليه، قائلا:
أهابك إجلالا وما بك قدرة ** علي ولكن ملء عين حبيبها
وببعد المحبوب أو فقدانه تتغير ألوان الحياة ومطاعمها ومشاربها أو كما عبر ابن زيدون الأندلسى فى حديثه عن تنائى الولادة بنت المستكفى:
بنتم وبنا وما ابتلت جوانجنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
حالت لفقدكمو أيامنا فغدت ... سودا، وكانت بكم بيضا ليالينا
بعض الدعاة بعد أن ماتت زوجته امتنع عن شرب عصير المانجو حين قدم له، وكان ذلك منه وفاء لزوجته التى كانت قد اعتادت فى حياتها أن تعده ويشرباه سويا.
تلكم خواطر سريعة ومعانٍ جالت ببالى استدعتها كلمات الداعية الشيخ الدكتور سلمان العودة فى وداع ورثاء زوجته، قال: حين رحلت أدركت أنى لا أستحقك، اللهم فى ضيافتك وجوارك.
أعظم الله له الأجر فى وفاة زوجته، وبنى له بيت الحمد فى وفاة ابنه، وشفا الله جرحاه، وجعل الجنة هى الملتقى.
********
(من وحى وداع الشيخ سلمان العودة لزوجته)
أضف تعليقك