بعد رجل الأعمال، أحد الممولين الأساسيين للانقلاب على السلطة المنتخبة، بعد ثورة يناير 2011 ثم إبراهيم عيسى، أحد الروافع الإعلامية المهمة لتسويق عبد الفتاح السيسي، وتسويغ انقلابه، السؤال الآن: الدور على من؟
ما جرى مع نجيب ساويرس هو نهاية فاشية، نموذجية، لفاشيّ عتيد، لم يدخر وسعاً في تموين آلة الإقصاء ودفعها إلى الأمام، منذ التخطيط المبكر لإطاحة الرئيس محمد مرسي، ولطالما فاخر ساويرس ورجال حزبه بأنهم أكبر الداعمين لعملية القرصنة التي بدأت في الثلاثين من يونيو 2013.
الآن، يتم شلح نجيب ساويرس، سياسياً، وتجريده من حزبه الذي أشار عليه به عمر سليمان، ووضع ابن أخيه في أمانته العامة، للسيطرة على مساحةٍ من الملعب السياسي، بعد خلع حسني مبارك، ليجد ساويرس نفسه في العراء، على إثر عملية خاطفة، تشبه التي أسهم في تمويلها، ذلك الصيف البائس من 2013.
أذكّر، مرّة أخرى، بمباهاة رجال حزب ساويرس بالإنفاق على انقلاب السيسي، ففي يوم 27 يوليو 2014، سألت صحيفة الوطن المصرية أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار الذي أنشأه رجل الأعمال، نجيب ساويرس، عن إمكانات حزبه المالية والسياسية، فقال نصاً (هناك فرق بين أن تفتح خزانتك فتجد داخلها "فلوس"، وأن تكون أكبر حزب جمع أموالاً في 30 يونيو ليس من الممولين الرئيسيين، وإنما من رجال أعمالٍ كانوا واثقين في "المصريين الأحرار"، وأعطوه أموالهم للإنفاق على 30 يونيو، وكانوا يعتقدون أن تلك الفترة ستطول، فلم نكن نتخيل سيناريو 3 يوليو).
كان نجيب ساويرس أول المبكرين بالتعبير عن البهجة بفاشية 30 يونيو، حين غرّد ذلك الصباح، قائلاً "صباح الحرية والوئام صباح النصر على الاحتلال"، ثم عاد بعد عام، في الذكرى الأولى للانقلاب الممول يكتب "سأحتفل في هذا اليوم بذكرى تخلصنا من حكم فاشي إرهابي".
لم يكن أكثر جمهور الانقلاب تشاؤماً يتوقع أن يتحول نجيب ساويرس، في لحظةٍ، إلى مجرد رأس ذئب انقلابي طائر، فالرجل كان من المجاهدين بالمال والكلمة لإعلاء راية الفصل العنصري في مصر، بل كان أكثر شراسةً في افتراس خصوم السيسي من السيسي نفسه، وشكّل، ومعه إبراهيم عيسى، منصةً مهمة لقصف كل من يرفع رأسه، معترضاً على المكارثية المزدهرة في مصر الجديدة، كما زرعها عبد الفتاح السيسي.
غير أن التاريخ ينبئنا أن الفاشية لا تشبع أبداً، وشهية الفاشي مفتوحةٌ، طوال الوقت، لالتهام المزيد، ونظرة على السجل الطويل لضحايا السيسي، ممن كانوا جنوداً مخلصين له، تؤكد أن المقصلة مستمرة، وتزداد شراسةً مع استقبال يناير من كل عام، حيث تطارده أشباح الثورة التي أطاحت حكم عسكره، ولو مؤقتاً.
وكما قلت مراراً، فإن عبد الفتاح السيسي يعرف أنه مستولٍ على سلطةٍ مسروقة، انتزعها بالقتل والكذب، ويجري بها وحيداً، هارباً إلى الأمام، كلما اعترضه أحدٌ صرعه. وكلما اشتَمَّ رائحة الخطر من أحد رجاله، تخلّص منه. فالطاغية، عموماً، لا يثق في أحد، وهو، في سبيل الاحتفاظ بالسلطة المطلقة، لن يمانع في إفناء الجميع، من شركائه المقرّبين. وواقع الأمر أنه يركض هارباً بها بسرعةٍ مجنونة، حتى أوشك أن تنقطع أنفاسه، ولا يعلم أحدٌ متى تسقط منه، أو سيسقط بها هو، أيهما أقرب، غير أن المؤكد أن قصص التاريخ تنبئنا أن الطغاة يبيدون كل من يستشعرون من وجودهم خطراً، يتخلّصون منهم واحداً تلو الآخر، حتى تضيق الدائرة، فلا يبقى للطاغية إلا ظله، فيقوده جنونه إلى إطلاق الرصاص عليه.
والأمر نفسه ينسحب على جمهور ولاية السيسي، الإقصائية الإحلالية، ستظل تفعل كل شيء لإفناء ما دونها من السكان، حتى يصل بها الأمر لكي تقتل بعضها بعضاً، وتأكل نفسها، حين لا تجد مزيداً من الضحايا، تمارس فيهم وحشيتها.
منتشياً باستعادة دفء الأرز، ومطمئناً إلى أن تسليم الجزيرتين ثمن يكفي لتثبيت حكمه المهتز، سيواصل الجنرال "مذبحة القلعة" الجديدة، وفي الطريق رؤوس أخرى سوف تطير، ومعها سيظهر "ساويريسيون" آخرون، يصفقون ويطبلون، ويغنون "صباح الحرية والوئام".
أضف تعليقك