• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لن تقتصر انعكاسات وتداعيات نتائج الانتخابات النيابية الأردنية التي جرت في العشرين من أيلول/ سبتمبر 2016 على الداخل الأردني بل ستتعداه حتما إلى المحيط الإقليمي الذي يتشابه كثيرا مع الحالة الأردنية، والذي أصبح أكثر حساسية لأي تغييرات بعد رياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة، ومنحت بعض شعوبها حرية مؤقتة قبل أن تئدها الثورات المضادة.

كان إجراء الانتخابات بحد ذاته -وبحد أدنى من ضمانات النزاهة- هو سباحة ضد التيار الاستئصالي العام الذي اجتاح المنطقة بفعل الثورات المضادة في مصر وليبيا واليمن وسوريا، والذي جعل عدوه الأول هو الإسلام السياسي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين التي صنفت إرهابية في بعض دول المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات ( هي مصنفة كذلك في سوريا منذ مطلع الثمانيات وفقا للقانون 49)، وقد سعى هذا التيار الاستئصالي لإنهاء وجود حركة الإخوان المسلمين تماما من الساحة السياسية بل وحتى الساحتين الاجتماعية والدعوية، وقتل أو زج بقادتها ونشطائها في السجون والمنافي.

وقد سعت بعض أطراف السلطة الأردنية لجر المملكة لهذا الطريق، وسارت فيه بالفعل خطوات مؤثرة، تمثلت في إطلاق حملة تشويه إعلامية قوية بحق الجماعة، واعتقال عدد من قيادييها ومنهم زكي بني أرشيد نائب المراقب العام في 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، وحرمانه من الترشح للانتخابات وهو ما تكرر مع زميله البرلماني المعروف علي أبو السكر، وتلا ذلك إحداث انشقاق داخل الجماعة، اعترفت بموجبه السلطة بالفريق الأصغر بقيادة المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات ومكنته من ممتلكات وعقارات الجماعة، ومنحته ترخيصا قانونيا في آذار/ مارس 2015، وهذا يعني سحب الشرعية من الجماعة الأصلية، التي أصبحت بموجب هذا الإجراء جماعة غير قانونية. 

لكن الجماعة لم تستسلم لهذه الإجراءات، وواصلت تحركاتها وضغوطها من خلال ذراعها السياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي)، وهو ما شجع أطرافا معتدلة في السلطة لتعديل مسلكها حفاظا على الأمن والاستقرار في المملكة، وتجنبا لتمدد تنظيمات مسلحة يمكن أن تهدد المملكة، ومحاولة لاستيعاب هذا التيار الإسلامي الذي ظل محافظا على علاقة معقولة وإن كانت حذرة مع العرش الهاشمي منذ تأسيس الجماعة على يد عبد اللطيف أبو قورة (1945).

وقد ظلت الجماعة منذ تأسيسها في الأردن جماعة قانونية لها مكاتبها وفروعها في كل محافظات المملكة في الوقت الذي كانت مطاردة ومحظورة في كل الدول المجاورة، وقد رحبت ملكة الأردن رانيا العبدالله في حوار لها مع شبكة سي إن إن (22 سبتمبر أيلول)، بمشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات النيابية،؛ لأن على جميع الأطراف أن تشارك، وأن تحصل على حصتها العادلة"، وبررت موقفها بالقول: "لأننا نريد للأردن أن يشكل مثالا في المنطقة لبلد يحاول التصرف بالشكل الصحيح، سواء مع شعبه، أو بمحاربته للتطرف وتمسكه بالاعتدال".

انتخابات في بيئة مضطربة

في كل الأحوال كان مجرد إجراء الانتخابات في وسط إقليم يموج بالتحولات المعادية للمسار الديمقراطي هو أمر جيد، وهو ما دفع الملك عبد الله الثاني للإشادة به واعتباره انتصارا حقيقيا للأردن الذي يواجه ظروفا أمنية واقتصادية صعبة فرضها النزاعان المتواصلان في سورية والعراق المجاورين ( كلمة الملك عبد الله في الأمم المتحدة)، ثم جاءت النتائج التي وضعت تحالف الإخوان المسلمين (التحالف الوطني للإصلاح) في مقدمة القوى السياسية بل هو القوة السياسية الوحيدة التي تمكنت من الفوز في الانتخابات بـ15 مقعدا من اصل 130 مقعد أي بنسبة 12.5%، وهي نسبة وإن كانت أقل مما حصلت عليه الجماعة في انتخابات سابقة (22 مقعدا في انتخابات 1989 من بين 80 مقعد)، إلا أنها جاءت ملبية لطموح الجماعة في هذه المرحلة التي لا تريد الجماعة فيها تشكيل حكومة ولكنها تريد مجرد إثبات الوجود، والتأكيد للنظام أنها لا تزال التنظيم السياسي الأقوى في البلاد رغم كل الملاحقات التي تعرضت لها، وقد تلقت الجماعة دعما إضافية لوجهة نظرها بخسارة جميع المرشحين المنافسين لها من المنشقين عليها (قائمة زمزم)، باستثناء بعض المرشحين الذين فازوا على قوائم لم تترشح باسم زمزم.

بهذه النتيجة أكدت جماعة الإخوان المسلمين شرعيتها الواقعية في المملكة، وفرضت على السلطة ضرورة إعادة النظر في قراراتها التعسفية بحقها، وقد تشهد الأيام المقبلة حوارات مباشرة بين الطرفين قد يسفر عن منح الشرعية القانونية مجددا للجماعة ورد ممتلكاتها، وإقناع المنشقين عليها بالعدول عن ذلك، وكل ذلك سيتوقف على طبيعة الأداء السياسي لنواب الجماعة داخل البرلمان وتعاملهم مع الملفات الحساسة للمملكة من جهة، وعلى حجم الضغوطات والتحديات الداخلية والخارجية التي تحدق بالسلطة من جهة أخرى.

تأثيرات إقليمية محتملة 

ليس في الجوار العربي الآسيوي من دول تعرف الانتخابات البرلمانية النزيهة نسبيا سوى الكويت ولبنان والعراق رغم الحالة الطائفية البغيضة التي تعيشها الأخيرتان، أما باقي دول المنطقة فهي إما مملكات أو مشيخات لا تعرف المنافسات الانتخابية وإما دول تعاني الحروب الداخلية مثل سوريا واليمن.

في لبنان لا تواجه الجماعة الإسلامية ( التي تمثل الإخوان المسلمين) مشاكل حقيقية مع الدولة اللبنانية، وقد انتخبت الجماعة في شباط/ فبراير الماضي قيادة شبابية جديدة على رأسها الأمين العام الجديد عزام الأيوبي (49 عاما) ومعه مجلس تنفيذي من 15 عضو جميعهم تحت الستين باستثناء عضوين، وتسعى الجماعة لتحسين حضورها السياسي الذي تقلص كثيرا خلال السنوات الماضية لأسباب داخلية وطائفية، وقد نجحت الجماعة بالفعل في تعزيز حضورها في الانتخابات المحلية التي جرت في حزيران/ يونيو الماضي، وهي تسعى الآن لصناعة وازن سني جديد في لبنان عبر تشكيل تيار أو تحالف إسلامي وطني واسع استعدادا لخوض أي استحقاقات مقبلة. 

أما في الكويت فقد سارت الحركة الدستورية (إخوان الكويت) على المسار ذاته الذي قطعه إخوان الأردن وذلك بالعدول عن موقف سابق للحركة بمقاطعة انتخابات مجلس الأمة عامي 2012 و2013، وقررت الحركة في ختام مؤتمرها المنعقد في نهاية نيسان/ إبريل 2016 المشاركة مجددا في أي استحقاقات مقبلة، وقد جاء هذا القرار بعد مخاوف الحركة من مساعي تهميشها أو ربما محاولات استئصالها تساوقا مع الحالة العامة المعادية لها بين الأنظمة الخليجية، ومن المتوقع أن يكون لنتائج الانتخابات الأردنية انعكاس ما على تمثيل الإخوان في الانتخابات الكويتية التي ستجري العام المقبل.

في منطقة المغرب العربي وهي الأكثر سخونة انتخابية، يخوض حزب العدالة والتنمية ( يمثل إخوان المغرب) الانتخابات التي ستجري يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر الجاري مستهدفا الحفاظ على صدارته التي مكنته من تشكيل الحكومة الحالية برئاسة عبد الإله بن كيران رئيس الحزب، وسط تحركات -مدعومة من أطراف في السلطة- لتهميش الحزب وتشويه صورته أمام الناخبين، علما أن هناك توجها للمعارضة بمقاطعة الانتخابات، ولو حدث ذلك فستنحسر المنافسة بين العدالة والتنمية من جهة وحزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي القريب من الملك وبقية المكونات القبائلية والجهوية من جهة أخرى. وكما هو الحال في الأردن فإن الانتخابات المغربية يحكمها قانون معقد لا يسمح بحصول أي حزب على الأغلبية المطلقة. 

أما موريتانيا فرغم عدم وجود انتخابات برلمانية قريبة إلا أن الأزمة تتصاعد بين السلطة الحاكمة وحزب التجمع الوطني للإصلاح (تواصل) الذي يمثل الإخوان في موريتانيا، وبينما لوح مسئول بالقصر الرئاسي (عبد الله ولد أحمد دامو المكلف بمهمة استقبال الشكاوى ورسائل الاحتجاجات في الرئاسة) بحل الحزب بدعوى تجاوزه للخطوط الحمراء وزعزعة البلاد وأمنها واستقرارها، فإن رئيس الحزب محمد جميل منصور رد في مؤتمر صحافي (22 أيار/ مايو 2016)، إن "التهديد بالاعتقال أو الحل لن يكون أداة للتغطية على الأزمات المختلفة التي تعيشها البلاد"، موضحا أن الحزب "لا يمكن حله عمليا، كونه فكرة، أما حله تعسفيا فلن يؤثر على أدائنا ونضالنا، ونحن كنا هنا قبل الترخيص وسنبقى به أو بدونه".

دفعة لتيار الاعتدال

حتما ستتعرض الحالة الأردنية لاختبارات قاسية بهدف محو آثار نتائج الانتخابات التي أعادت الإخوان لصدارة المشهد، ولن يكون آخرها حادث اغتيال الكاتب اليساري ناهض حتر يوم 25 سبتمبر أيلول الماضي أي عقب ظهور النتائج مباشرة، وفي حال صمدت الحالة الأردنية في مواجهة هذه الاختبارات، وإذا أضفنا إليها احتمال مرور الانتخابات المغربية بسلام مع فوز نسبي للإسلاميين، فإن هذا سيعطي مؤشرا على رجحان كفة تيار الاعتدال والاستيعاب للتيار الإسلامي في مواجهة تيار الاستئصال الذي عززته الثورات المضادة.

وفي حال تمكن الإسلاميين عموما بمن فيهم الإخوان من تحقيق نجاحات ولو نسبية في الاستحقاقات الانتخابية التي ستجري خلال الشهور المقبلة فإن ذلك سيمثل لجما لصعود تيارات التطرف والعنف والاستئصال من ناحية، كما سيمثل دعما معنويا كبيرا لبقية الحركات السياسية الإسلامية في دول الثورات مثل مصر واليمن وسوريا، لأن وجود ظهير إسلامي في الحكم أو في البرلمان سيحافظ أو سيعزز الدعم الشعبي لثورات الربيع العربي في مواجهة الثورات المضادة، كما أن نتائج الانتخابات الأردنية مع الانتخابات المغربية المرتقبة قد تشجع دولا أخرى لإجراء انتخابات تنافسية تقيها من انفجارات داخلية، أو تدخلات خارجية.

أضف تعليقك