• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

حين تطالع عزيزي القارئ هذه السطور، تذكر أن مئات المصريين يفترشون شاطئ رشيد على البحر الأبيض المتوسط في انتظار أن يظفروا بجثة ابنهم أو أبيهم أو أخيهم الغريق على متن المركب "الرسول 1" التي غرقت يوم الأربعاء الماضي. ما إن يصل قارب صغير إلى الميناء يتزاحم الناس حوله يفرزون جثث الغرقى المعبئين في أكياس بلاستيكية علهم يجدون ذويهم. تحول الميناء إلى مشرحة كبرى تختلط فيها جثث الموتى بأجساد الناجين. هرج ومرج، صراخ وعويل، إغماءات وإسعافات، هذا هو الحال وذاك هو المآل، ومع ذلك لاتزال أبواق السلطة تردد مقولة "أحسن من سوريا والعراق"!!!

المركب التي كانت تقل ما بين 500-600 شخص، غاصت في عمق المياه، لم ينج من ركابها سوى 164 تمكنت قوات حرس الحدود والصيادين المحليين من إنقاذهم بعد صراع مع أمواج البحر على مدى يومين أو أكثر، أما الجثث التي تم انتشالها فهي تزيد عن 150 جثة حتى كتابة هذه السطور، ومن المتوقع أن تتضاعف بنهاية عمليات البحث.

هذا الحادث المروع ليس الأول من نوعه، وغالبا لن يكون الأخير، فالمصريون الذين يعانون أوضاعا اقتصادية صعبة تحت سلطة الانقلاب العسكري عرفوا طريقهم إلى البحر هربا من هذه الحالة وبحثا عن لقمة عيش كريمة في مكان آخر، وقد سبقت هذا الحادث حوادث كثيرة وإن كانت أقل في عدد الضحايا، ففي 31 آذار/ مارس الماضي ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن 9 مهاجرين غير شرعيين لقوا حتفهم وألقت قوات حرس الحدود المصرية القبض على نحو 105 آخرين أثناء إحباط محاولة هجرة غير شرعية بمركز البرلس بمحافظة كفر الشيخ المطلة على البحر المتوسط، وفي 7 نيسان/ أبريل الماضي قال المتحدث باسم القوات المسلحة إن وحدات من القوات البحرية أحبطت محاولة هجرة غير شرعية لأربعة عشر مصريا قبالة ساحل البحر المتوسط عند مدينة رشيد، وفي اليوم ذاته (7 نيسان/ أبريل) نقلت وكالة رويترز للأنباء عن قوات خفر السواحل الإيطالية إنها أنقذت أكثر من 300 مهاجر من قارب مكتظ قطعوا فيه مئات الكيلومترات من مصر إلى مضيق صقلية، وفي 18 أبريل قالت مروة هاشم، المسؤول الإعلامي في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تصريح لموقع "أصوات مصرية" إنه جاري التواصل مع وزارة الخارجية المصرية والمكاتب التابعة للمفوضية في إيطاليا لمعرفة تفاصيل والتأكد من ما نشر عن واقعة غرق مركب يحمل مهاجرين في المياه الإقليمية المصرية، وأفادت وكالة رويترز للأنباء في اليوم ذاته أن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني أكد في تصريحات للصحفيين ورود تقارير عن وفاة الكثير من المهاجرين في المياه الإقليمية المصرية، وأضاف أنه في انتظار المزيد من التفاصيل.

وفي 22 نيسان/ أبريل الماضي قال مصدر أمني مصري إن قوات حرس الحدود أحبطت محاولة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا لأربعة وأربعين شخصا من مصر وجنسيات مختلفة، قبالة ساحل البحر المتوسط بالميناء الشرقي بالإسكندرية.

هذه أمثلة لتعدد حالات الهجرة غير الشرعية من مصر بحثا عن لقمة العيش، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، وهو ما سجلته تقارير رسمية، ففي 26 تموز/ يوليو الماضي أعلن اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدلات الفقر في مصر إلى 27.8% من السكان المصريين، وهم الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، كاشفا أن 57% من سكان ريف الوجه القبلي فقراء، مقابل 19.7% بريف الوجه البحري، كما أن معدلات البطالة تتجاوز 25% وفقا لتقديرات المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي خالد إكرام، بينما تظهر التقديرات الرسمية أن نسبة البطالة عند حدود 13% فقط.

غرق المركب "الرسول 1" وما سبقه وما سيلحقه من مراكب غارقة أو ناجية تحط حمولاتها في أوربا، هو جرس إنذار قوي لما آلت إليه الأوضاع في مصر، فهؤلاء المصريون الذين غامروا بحياتهم من أجل لقمة عيش كريمة ما كان لهم أن يفعلوا ذلك لو وجدوا الفرصة المناسبة في بلدهم، وكيف لهم أن يجدوها في بلد تعاني انهيارا اقتصاديا كبيرا ينتج فقرا وبطالة، وجريمة، منظمة وغير منظمة، وهجرة مشروعة وغير مشروعة، وتلك الدول الأوربية التي ستعاني من موجات الهجرة تدفع ثمن دعمها للنظام الإنقلابي، وخذلانها للديمقراطية الوليدة التي كانت ستنعش الاقتصاد المصري عبر استقبال الاستثمارات الجديدة المحلية والدولية، والتي كانت ستحرك عجلات الاقتصاد وستخلق المزيد من فرص العمل، وتقنع المصريين بالبقاء في وطنهم.

نجح العسكر بعد انقلابهم المشؤوم في إيهام قطاع كبير من المصريين أنهم سيغيرون حياتهم إلى الأحسن، وأنهم سيوفرون لهم المن والسلوى والعسل المصفى، وأن مصر "هتبقى قد الدنيا"، وانطلت الحيلة على كثير من المصريين فضحوا بحريتهم في مقابل هذا الرخاء الموعود، وصبروا لمدة 3 سنوات فلم يجدوا سوى زيادة في المعاناة، ولم يجدوا سوى سرابا يحسبه الظمآن ماء، ولم يجدوا سوى المزيد من الديون والفقر والبطالة، والغلاء والبلاء، ولكن يجدر التنويه هنا أن قطاعا آخر من المصريين كانوا يدركون من أول يوم للانقلاب العسكري أنه لن يجلب لمصر سوى الخراب والفقر والتخلف والذل والقهر، ولذا فإنهم ظلوا صامدين في مقاومته على مدى أكثر من 3 سنوات فطوبى لهم وحسن مئاب.

أضف تعليقك