• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

في كل مرة يؤتي به إلي المحكمة ويتم تمكينه من الكلام، يهز أركان القلوب قبل أن تهتز لكلماته أرجاء المكان، ويخيم الصمت علي هيئة المحكمة و المحيطين به من رجال الأمن وكأن علي رؤوسهم الطير.

هكذا ظهر في ساحة المحكمة مؤخرا الدكتور محمد بديع ( 73عاما ) المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، وأحد أبرز العلماء العرب في تخصصه ، واضعا هيئة المحكمة أمام السؤال الكبير الذي لم – ولن – تجيب عليه : من قتل آلاف المصريين في رابعة ؟! تحاكموننا علي القتل ... فهل يعقل أقتل ابني " عمار " ؟!

لقد نال ذلك العالم الجليل الذي صنفته الموسوعة العلمية العربية الصادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عام 1999م كواحد من "أعظم مائة عالم عربي .. أقول : ناله من قضاء الانقلاب حتي الآن ثلاثة أحكام بالإعدام وثلاثة بالمؤبد ، فيما تم الحكم فيه من القضايا الملفقة والتي تبلغ خمسين قضية ، بصفته المرشد العام لجماعة الاخوان.

وقد أعلن اعتزازه بذلك ، بل إن صوته "جلجل " في أرجاء المحكمة لتسمع الدنيا ثباته علي مبدئه : " تهون الحياة ، وكل يهون ولكن إسلامنا لا يهون".

هذا الكلام لم يقله مرشد الإخوان في مؤتمر جماهيري وهو آمن علي نفسه ، لكنه قاله وهو يرتدي بدلة الإعدام ، وفي ساحة الانقلاب وفي قبضة جلاديه . هذا هو القائد الحق ... لم يفر ، وقد قالها من فوق منصة " رابعة " عندما أشاعوا أنه هرب : " أنا لم أفر ... فنحن لسنا فرارا " ، ولم يهن أو يضعف أو يغير من موقفه ، فمازال يعلن بأعلي صوته أن ما وقع في مصر هو انقلاب دموي.

هذا هو القائد الحق الأجدر بالقيادة ... عندما يقع البلاء وتشتد المِحنة ، يتشبث بموقعه ويعض عليه بالنواجز حتي آخر نفس في حياته، وفاء لبيعته مع الله . وتلك هي القيادة التي تثبت ثبات الجبال الرواسي دون تفريط أو تردد ، لا تهزها اتهامات أو تشويهات أو سباب ، ولا ابتلاءات أوسجون أوتعذيب!.

إن القيادة التي تعتز بموقعها وهي ترتدي البدلة الحمراء وحبال المشانق تتدلي من فوق رؤوسها هي القيادة الحقة، ولو أرادوا دنيا ، وسعوا إلي مغانم لتخلوا ونفضوا كواهلهم انتسابهم للإخوان، وعندها تأتيهم الدنيا بكل زخارفها . لقد باع هؤلاء أنفسهم لله في سبيل دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة في شبابهم ، فالدكتور محمد بديع عاش شبابه في سجون عبد الناصر ( 1965 م ) ، وهكذا معظم أقرانه.

في عصر الانقلاب، نتابع وقائع ملحمة نادرة في تاريخ الدعوات الإصلاحية ، وملحمة فريدة في سجل الدعوات الربانية ، يخوضها ما يقرب من ستين ألف مختطف ، ويقود تلك الملحمة بكل جسارة وتجرد ذلك المرشد الصامد ، وذلك المرشد السابق سجين كل العصور ،وذاك الرئيس الثابت الصابر ، ومعهم معظم مكتب إرشاد الجماعة ، وبثباتهم استمرت شرعية جماعة الإخوان رغم أنف من يحاولون مسحها من الوجود ، وترسخت شرعية خيار واختيار الشعب المصري رغم أنف من حاولوا الالتفاف عليها.

وبين فترة وأخري يخرج إلينا من مقبرة العقرب وأقبية الموت البطيئ صناع تلك الملحمة وهم هم علي ثباتهم وصمودهم ، فيحيون الأمل في النفوس، ويرسخون الثقة في نصر الله لعباده ، دون أن يغيروا أو يتغيروا " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".

أضف تعليقك