• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

الأُضْحِيَة والضّحِيَّة: اسم لما يُذبَح مِن النَّعم في أيام النحرِ تقرُّبا إلى الله تعالى، وبها سُمِّي يومُ الأضحَى، وقد اشتُقّ اسمُها من الضُّحى، وهو ارتفاع الشمس؛ لأنها تذبح ذلك الوقت.

وهي مِن القُربات المشروعة، والأعمال الصالحة في أيام عيد الأضحى.

والقيام بها مِن تعظيم شعائر الله، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

وقد شُرعت الأضحية بالكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أي: صلِّ صلاةَ العيد، وانحرِ البُدْن (أي الإبل).

وأما السنة فمنها ما رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» (1).

وقد شرع اللهُ تعالى الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية.

ومِن حكمة مشروعيتها: شكرُ المنعِم سبحانه وتعالى والتقرب إليه، والتوسعة على النفس وأهل البيت، وإكرام الجار والضيف، والتصدق على الفقير.

وكذلك إحياء سنة سيدنا إبراهيم حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، والاقتداء بهما في الصبر والمجاهدة، وإيثار طاعة الله على ما تُحب النفس وتشتهي.

وقد ذهب جمهور الفقهاء، إلى أن الأضحية سنة مؤكدة.

وذهب أبو حنيفة إلى أنها واجبة، كل هذا في حق المسلم القادر، أي الميسور ماليًّا.

ويشترط في الضحية:

1 ـ أن تكون من الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم.

فمن ضحى بحيوان مأكولٍ مِن غير الأنعام، سواء أكان من الدواب أم الطيور، لم تصح تضحيته به؛ لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34]، ولأنه لم تُنقَل التضحيةُ بغير الأنعام عن النبي ، ولو ذبح دجاجة أو ديكا بنية التضحية لم يجزئ.

وتصح الشاة أو المعز عن الرجل وأهل بيته، والبقر أو الجمل عن سبعة أشخاص.

2ـ السلامة من العيوب، فلا تجوز الأضحية بحيوان معيب؛ كأن يكون به مرض ظاهر، أو عمى، أو عور بيِّن، أو عرج واضح، أو جرَب، أو هزالٌ ...

ويجوز التضحية بالْخَصِيّ من الأنعام.

3ـ إتمام السنّ: وهو نصفُ سنة للغنم، وسنَةٌ للمعز، وسنتان للبقر، وخمسُ سنين للإبل، يستوي في ذلك الذكر والأنثى(2).

4 ـ وقت الذبح: ويشترط كذلك أن لا تذبح الأضحية إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد، ويمر من الوقت مقدار صلاة العيد، ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث مِن أيام التشريق، ويصح في أي وقت خلال هذه الفترة.

ويُسَنّ للمضحِّي أن يُمسك عن قص الشعر والأظفار؛ لما روى مسلم وغيرُه عن أم سلمة، أن النبي قال: «مَن كان لهُ ذِبْحٌ يذْبَحُهُ [أي: ضحيةٌ]، فإذا أهلَّ هِلالُ ذي الحِجّة فَلا يأخُذَنَّ من شَعرهِ ولا مِن أظفارِه شيئاً حتى يُضَحّيَ».

ويستحب للمضحِّي أنْ يأكل من أضحيته ويدخر، ويُهديَ أقرباءه، ويتصدقَ منها على الفقراء والمساكين.

أما الأضحية المنذورة فلا يجوز الأكل منها عند الحنفية والشافعية، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن المنذورة كغيرها في جواز الأكل.

ويستحب أنْ يذبح بنفسه إن كان يُحسن، أو أن يحضر الذبح.

ويجوز نقل الأضحية إلى بلد آخر.

ويجوز التصدّق بثمنها على الفقراء، إذا كانت هناك ضرورة مثل حال المسلمين المنكوبين في البلاد التي ابتُليت بالكوارث والمجاعات والحروب.

 ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها، ولا يعطى الجزار من لحمها شيئا كأجر، وإنما يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به لنفسه.

ــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

(1) الأملح هو الأبيض الخالص البياض، وقيل هو الأبيض الذي يخالط بياضه شيء من السواد، (أقرنين) أي لكل واحد منهما قرنان حسنان، (صفاحهما) أي صفحة العنق وهي جانبه، وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن؛ لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه).

(2) يفتي بعض المعاصرين بأنّ العلة في شرط السنّ هي كثرة اللحم، ويمكن أن تتحقق هذه العلة من غير التزام بالسنّ، مِن خلال التسمين الذي يجعل الحيوان وفيرَ اللحم في فترة أقل، فيمكن أنْ يَسمَن (البقر) مثلا قبل أنْ يبلغ العامين، وعليه فلم يعد الالتزام بالسن شرطا معتبرا في زماننا هذا. 

ويظهر أنّ شرط السنّ قد اتفق عليه الفقهاء، لدرجة أنه يرقى إلى أن يكون أمرًا تعبديا، وقد اعتمدوا فيه على أحاديث صحيحة عن رسول الله ، منها ما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»

والمسنة من كل الأنعام هي الثنية فما فوقها، كما ذكر النووي عن أهل اللغة.

 والمراد بالثني من الإبل ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة، ومن الغنم ما أكمل سنة ودخل في الثانية .

والالتزام بالسنة وبما اتفق عليه أهل العلم قديما وحديثا أوجب وأسلم، وعليه فلا يجوز الإخلال بشرط السنّ.

 

  • أ.د: إسماعيل علي محمد

أستاذ في كلية أصول الدين والدعوة ـ جامعة الأزهر

أضف تعليقك