• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كل ما تقوله يعكس ما بداخلك، وما فيك يخرج على فيك، والقلب قدر، واللسان مغرفة، ومما يمتلئ القلب به يغرف منه اللسان، والإناء لا يفيض بالماء إلا إذا امتلأ.. قد ترى إنسانا متواضعا فتعظم فيه هذا الخلق، ويراه غيرك فيستهين به وتزدريه عينه، ولا يأبه له، وقد ترى كوبا يصل الماء إلى نصفه، فتسرع وتقول: الإناء فارغ نصفه، وقد يراه غيرك فيقول: الإناء ممتلئ نصفه، هى إذا نظرتك للأشياء، وانعكاس نفسيتك على من حولك وما حولك.

تعبيرك العفوى هو ترجمة صادقة عما نشأت عليه، وعن ثقافتك، وعن طريقة تفكيرك، وطريقة تقييمك للأشياء، التى تظهر قدرا كبيرا من العمق أو السطحية، والاحترام وإنزال الناس منازلهم أو اللامبالاة وعدم التقدير.

وقد يكون مرجع ذلك إلى صفاء الروح، وإشراقة النفس، وطهارة القلب، وحسن الظن بالمسلمين، أو رقة الطبع، وسلامة الذوق، أو دماثة الخلق، ومخالطة أصحاب الذوق الرفيع، أو يرجع إلى بعض هذا أو كله.

وقد يكون عكس ذلك من طبيعة شخصية أو سوء طوية، أو سبق اللسان، وعدم التفكر فى المآلات والعواقب، أو مجانبة الصواب، وعدم التوفيق، وسوء التعبير.

تقولُ هذا مِجاجُ النحلِ تمدحُهُ *** وإن تشأ قلتَ ذا قيءُ الزنابيرِ

مدحاً وذماً وما جاوزتَ وصفهما *** والحق قد يعتريهِ سوءُ تعبيرِ

أو كما قال إيليا أبو ماضى فيمن تنعكس نفسيته المعتلة على ما حوله؛ فلا ترى الأمور على طبيعتها:

وترى الشّوك في الورود *** وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا

وقد جاء فى صفة صاحب الذوق السليم ومسلوب الذوق اللئيم للسيوطى: اعلم بأن الذوق السليم نتيجة الذكاء المفرط، والذكاء المفرط نتيجة العقل الزائد، والعقل الزائد سر أسكنه الله في أحب الخلق إليه، وأحب الخلق إليه الأنبياء، وخلاصة الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو عليه السلام أكمل الناس عقلاً، وأرضاهم خلقًا، وأكثرهم فضلاً، فمن وصفه صلى الله عليه وسلم ما قاله القاضي عياض في (الشفا) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا".

وإذا كان الذوق سلوح الروح التى تشربت بأخلاق النبوة، فإنه يفيض رقة وعذوبة وأقوالا وأفعالا ومواقف فى حياة الموفقين، قيل للعباس بن عبدالمطلب: أيما أكبر أنت أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.

ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب وأبوبكر رديفه، وكان أبوبكر يعرف الطريق لاختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك يا أبا بكر؟ فيقول: هاد يهديني.

وخرج عمر يعس المدينة بالليل؛ فرأى نارا موقدة في خباء فوقف وقال: يا أهل الضوء، وكره أن يقول: يا أهل النار، وفى الاحتراز من بعض الكلمات التى لها وقع وظلال صعبة على النفس

كان أحد المؤدبين يحفظ ابن أحد الخلفاء، ووصل إلى سورة "النازعات" فقال للصبى: إذا سألك أمير المؤمنين أبوك: في أي شيء أنت؟ فقل له: في السورة التي تلي "عبس"، ولا تقل: أنا في "النازعات". فلما سأله أبوه: في أي شيء أنت؟ قال: في السورة التي تلي "عبس". فقال: من علمك هذا؟ قال: مؤدبي. فأمر له بعشرة آلاف درهم.

وفى الاعتذار اللطيف المهذب، وتلطيف القلوب التى انكسرت بسىء من القول أو الفعل صدر عنك، قال رجل لرجل: بأي وجه تلقاني وقد فعلت كذا وكذا ؟ قال: بالوجه الذي ألقى به ربي عز وجل، وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك، ولأن إشراق الروح يبعث على الذوق السليم، فقد صدق من قال: الذوق سلوك الروح، وكتب فى ذلك.

وقد يكون من المفيد ومن التربية والتوجيه فى حياتنا العملية، أن يلقن صاحب الذوق السليم أصحاب الذوق المعتل، والذين يلقون حجارة على الناس من أفواههم بكلماتهم الخشنة أو الجارحة بعض الدروس التى توقظهم من غيهم، أو تنبههم من سباتهم. من ذلك ما قاله مجاهد: دخل الشعبي الحمام فرأى داود الأزدي بلا مئزر؛ فغمض عينيه؛ فقال داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ فقال: منذ هتك الله سترك.

وقال بعضهم: خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة، وفي يده سراج؛ فلم يزل يمشي حتى أتى النهر، وملأ جرته وانصرف راجعا؛ فقلت: يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء. فقال: يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي.

رزقنا الله وإياكم الذوق السليم، وهدانا إلى الخلق القويم.

أضف تعليقك