• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

رغم أن خزانة الذكريات لا تزال مليئة بأسرار سيفصح عنها التاريخ حتما، إلا أن الدروس والعظات لا يجب أن تتأخر في الظهور بل أرى أنها مهمة خصوصا بعد ثلاث سنوات على وقوع أكبر مجرزة بشرية طالت معتصمين سلميين آمنين كل سلاحهم هو الهتاف وذخيرتهم الحية هي الذكر على مدار الساعة. 

رابعة بالنسبة لي إضافة إلى كونها معسكرا تربويا نادر الحدوث كانت أيضا موقفا سياسيا لم ير تاريخ مصر وربما العالم له نظيرا، فعلى قدر علمي لم يعتصم شعب أو جزء من شعب كل هذه الفترة من الزمن في قلب عاصمة عربية أو أوربية من أجل هدف سام وهو استعادة ارادة الشعب التي سلبها العسكر. 

يزايد البعض بالقول بأنه كان من الأولى ترك الاعتصام ووقف التظاهرات حقنا للدماء وهو سؤال مكرور سئلته بعد الفض مرات وإجابتي واحدة لا ولن تتغير، لماذا تسألون القتيل لماذا قتلت؟ وتخرس ألسنتكم وأنتم تشهدون عملية القتل ، وأنتم تعلمون أن القتيل هو  المجني عليه؟ هذه هي عقدة المسطحين ولا أقول المنافقين الذين يرون أن الحرية لا ثمن لها، وأنه يتعين على المرء أن يساير أموره، وأن يكون تابعا ذليلا يقبل بما يلقى إليه من فضل طعام وفضل حرية إن وجدت. 
 
السؤال المركزي الأول هو: هل نجح القتل والتشريد في غسل سمعة القاتل أو إضفاء الشرعية على حكمه؟ 

الذين يمنون علينا بأن الاعتصام لم يعد لنا الرئيس مرسي بل تسبب في إزهاق الأرواح قد فقدوا بصيرتهم وأعماهم الله عن الحق المبين، حين أقاموا حساباتهم على أساس القوة المسلحة التي اغتصبها العسكر وهي ملك للدولة وللسلطة وليست ملكا لجنرال نازعته في الملك نفسه فاعتقل رئيسه الذي أعطاه صفقة يده وأقسم على المصحف والدستور ليحترم إرادة الناس ولم يفعل.

الذين خرجوا علينا قائلين بأننا لم نحسن صنعا في الحكم وقد تبين للجميع أننا وصلنا للحكم بإرادة الناس ومنعنا من ممارسته بإرادة عصابة الجنرالات الخونة، لم يسألوا أنفسهم: وماذا فعل جنرالهم التعيس بالحكم وقد ملك أمر كل شيء؟ والاجابة هي لا شيء إلا خراب مصر على حد تعبير "الإيكونوميست". 

الذين اتهمونا بأننا طمعنا في الحكم رغم أننا وصلنا بإرادة الناس وعبر صناديق زجاجية لم يسألوا أنفسهم: ولماذا تهافتم على الحكم وتقربتم من الجنرال زلفى؟ 

يقول البعض إن مواجهة العسكر تعني النهاية ولكنني اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات أرى أنها كانت البداية، وكان أكبر مكاسب ما جرى منذ الانقلاب وحتى اليوم هو فضح العسكر الذين سترتهم ورقة توت كانت تسمى بالنخبة حينا من الدهر أو استتروا خلف عصابة سموها الطرف الثالث حينا آخر من الدهر.
اليوم الجنرالات أمام الجميع عرايا كما خلقتهم أمهاتهم. 

لأول مرة يعرف المصريون بل يدركون أن الهدف من إزاحة الرئيس مرسي وقتل المعتصمين ليس إبعاد الإخوان (الوحشين) عن السلطة بل استيلاء العسكر على مصر من شرقها لغربها، اقتصادها واعلامها، ثرواتها وتاريخها في أكبر عملية سطو مسلح مرت بمصر وربما بالعالم. 

لأول مرة يمكنني القول بأن الجيش أو قيادته على وجه الدقة أصبحوا في أسوأ صورة على الإطلاق، فالجنرال ضحى بدماء الشهداء الذين سقطوا في الحروب ضد الكيان الصهيوني وأخذ على عاتقه التطبيع علانية ومجانا، وهو نفسه الذي باع دماء الشهداء حين أهدى تيران وصنافير للسعودية وكأنما يمنحهما من جيب أبيه أو أمه. 

لأول مرة أيضا يتيقن الجميع أن الهالة التي أحاط الجيش بها نفسه باعتباره مؤسسة وطنية قد ذهب بهاؤها وانطفأ نورها وخمدت نيرانها بعدما رأى المجتمع جشع تلك المؤسسة وهي تتاجر باقتصاد مصر وتنهبه نهارا جهارا وعيانا بيانا. 

لو لم تفلح رابعة في شيء سوى أنها كشفت عورة الجيش المصري وقياداته، وأظهرتهم على حقيقته لكانت كافية فقد تحول الجيش المصري إلى آلة قتل واغتصاب وهو أمر مخجل ومحزن ولكنها الحقيقة التي كنا نستحي من ذكرها، فذكرتنا بها رابعة. 

الذين توسلوا أمام الجنرال بالأمس من أجل أن يزيح الرئيس المنتخب يبكون دما اليوم لأنهم اعتقدوا أن الجنرالات يمنحون الحرية لمناصريهم، والذهب لمؤيديهم فإذا بهم يكتشفون ولو متأخرا أن الجنرالات يمنحون أنفسهم كل شيء وأن معاركهم التي يخوضونها ليست من أجل الشعوب أبدا بل لتحقيق طموحاتهم الشخصية. 

بعد ثلاث سنوات، ما زلنا عند مواقفنا متمسكون بالحق الذي نؤمن به، وما زلنا نؤمن بأن ما وعد ربنا حقا، فهل رأى أنصار الجنرال ما وعدهم جنرالهم حقا؟ 

أضف تعليقك