• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كان الإعلان فى السادس من أغسطس 2014، عن حفر تفريعة جديدة لقناة السويس بطول 35 كيلو متر، وتعميق مسافة 37 كيلو أخرى، مفاجأة للكثيرين، فقبل 11 يوما من ذلك  التاريخ تحدث رئيس هيئة قناة السويس للإعلاميين فى العيد السنوى للقناة، لكنه لم يذكر شيئا عن ذلك المشروع أو حتى يلمح إليه.


وقبله بنحو 35 يوما كان إعلان الخطة الاستثمارية للعام المالى الجديد، والتى لم تتضمن شيئا عن هذا المشروع الضخم، وكانت هناك ندرة بالبيانات عن ذلك المشروع حتى بعد إعلانه، والتى اقتصرت على بضعة سطور على الموقع الإلكترونى لهيئة قناة السويس، تتضمن ما سبق أن تردد بالاحتقال، من أنه سيزيد إيرادات القناة إلى 13.2 مليار دولار عام 2023، وسيسمح وقتها بمرور 97 سفينة يوميا.


حتى مع إعلان بدء الاكتتاب فى شهادات استثمار لتمويل المشروع، لم ينشر أيا من البنوك الأربعة المتلقية للاكتتاب شيئا إضافيا عن المشروع، وتم الاكتفاء بالحشد الإعلامى وتوظيف إقبال الكثيرين على الاكتتاب بتحويل أوعيتهم الادخارية، للاستفادة من ارتفاع العائد على الشهادات إلى 12 % والذى يزيد عما تعطيه البنوك من فوائد وقتها بنحو 5 %.


وتم تصوير مشهد التحويل المكثف من الأوعية الادخارية إلى الشهادات، على اعتبار أنه يعبر عن حس وطنى وإدراك لأهمية المشروع، وتم تسمية المشروع قناة السويس الجديدة، رغم أن التفريعة الجديدة يبلغ طولها 35 كيلو متر، بينما يبلغ طول القناة 193 كيلو، وقال محافظ البنك المركزى هشام رامز فى تفسيره للإقبال على الاكتتاب بأنه يستند إلى الدراسة الدقيقة للمشروع.


وانتظر المتخصصون فى النقل البحرى والاقتصاديون أن يروا تلك الدراسة، لكنهم لم يحصلوا عليها حتى اليوم، وكشف بيان لمسؤل كبير بهيئة القناة وقتها يفسر كيفية بلوغ الإيرادات 13.2 مليار دولار، عن استناد ذلك إلى توقع نمو الإيرادات بنسبة 10 % بصفة مستمرة من عام 2017 وحتى 2023، وهو أمر غير متصور عمليا، مما أكد الانطباع بأنه لا توجد دراسة دقيقة للمشروع.


الإصرار على الإسراع رغم تراجع الإيرادات

وقال المتخصصون وقتها أن القناة تستوعب مرور 78 سفينة يوميا، بينما متوسط عدد السفن العابرة 45.5 سفينة يوميا عام 2013، مما يعنى عدم وجود ضرورة آنية لها، والغريب أن يصر رأس النظام المصرى على تنفيذ التفريعة الجديدة خلال عام واحد فى أغسطس 2014، رغم أن أسعار البترول كانت قد باتت فى الهبوط منذ منتصف يونيو 2014، وهو ما يؤثر سلبا على عبور السفن للقناة.


وفى عام 2015 ظهرت معالم أثر انخفاض أسعار البترول على تراجع إيرادات القناة، والتى بدأت فى الانخفاض بداية من شهر فبراير 2015 والشهور التالية له بلا انقطاع، كما بدأت معونات الخليج فى النضوب منذ بداية العام، وظهرت المياه الجوفية بمواقع الحفر الجاف مبكرا، مما استدعى دخول كراكات الشركات الأجنبية قبل الموعد المتوقع، وزادت أعداد الكراكات الأجنبية المشاركة بالتكريك حتى قيل رسميا أنها تمثل 75 % من كراكات العالم مما زاد التكلفة.


وتسبب تسديد مستحقات الشركات الأجنبية المشاركة فى التكريك فى ظهور مشكلة نقص الدولار وبداية تحريك سعر صرفه الرسمى حسبما ذكر محافظ البنك المركزى.

وكان من الطبيعى فى ضوء تلك العوامل، والتى تشمل تراجع الإيرادات واستمرار انخفاض أسعار البترول، ونقص الدولار وجفاف المعونات الخليجية، أن يتم التمهل فى التنفيذ للمشروع.. لكنه على العكس تم تجنيد كافة الجهود والموارد لإنهاء المشروع فى موعده، حتى أن شركات المقاولات المشاركة فى المشروع القومى للطرق، عللت تأخرها فى تنفيذ الطرق بحشد كافة معداتها فى مشروع القناة وهكذا.


وفى موعد الافتتاح تم دعوة عشرات الضيوف من زعماء الدول، وتم منح أجازة للعاملين بالحكومة، وحشد الشركات والهيئات لتعليق لافتات للإشادة بالمشروع بالشوارع والميادين والكبارى، والذى تم الادعاء بأنه سيجلب مائة مليار دولار لمصر، كما قيل على الملأ أنه غطى نفقاته خلال أيام من الافتتاح، رغم ما أعلنته جهات ملاحية دولية من عدم حاجة الملاحة العالمية له.. وأن الساعات الست التى سيوفرها فى زمن العبور للقناة لا تقارن فى زمن رحلات بحرية لا تقل مدتها عن شهر، بل أن السفن أصلا لا تسير بكامل سرعتها لخفض استهلاك الوقود، ولكن تم الزعم بأن القناة الجديدة تمثل ازدواجا للقناة، وهو أمر غير صحيح، فالمسافات المزدوجة بالقناة بعد التفريعة أصبح طولها 113 كيلو فقط، ومازالت هناك عشرات الكيلو مترات بمجرى القناة بدون ازدواج حتى الآن.


كما أن الواقع يشير إلى أن التفريعة الجديدة تقلل زمن الانتظار للسفن، لكنها لم تقضِ عليه بعد، ومازال هناك انتظار حتى تمر السفن من الجهة المقابلة نظرا لعدم ازدواج كامل طول المجرى الملاحى للقناة.


تكلفة التفريعة غير معروفة حتى الآن

وكان من الطبيعى أن يعرف المصريون تكلفة التفريعة الجديدة أو قناة السويس الجديدة كما يسمونها، إلا أن ما حدث أن رئيس هيئة القناة ذكر ثلاثة أرقام عن تلك التكلفة، فهى 3.2 مليار دولار فى حديث تلفزيونى تعادل 25 مليار جنيه وقتها فى منتصف أغسطس من العام  الماضى، ثم يصرح عبر جريدة قومية يوم 16 أكتوبر من العام الماضى أنها 21 مليار جنيه، ثم يصرح بجريدة يومية خاصة فى 28 فبراير من العام الحالى أنها 19 مليار جنيه.


وبالطبع ستجد وزير الاستثمار السابق أشرف سلمان يقول أنها 22 مليار جنيه، وستجد مصرفيون مولوا بعض عمليات الإنشاء يذكرون أرقاما أخرى للتكلفة، وإذا كان المصريون لم يعرفوا كامل التكلفة فمن الطبيعى ألا يعرفوا حجم الدولارات التى استخدمتها، أو قيمة القروض الدولارية التى حصلت عليها هيئة القناة.


وبعد الاحتفالات الصاخبة للمشروع انتظر المصريون عائدات المرور بالقناة التى تعوضهم عن الإحباط الذى يعيشون فيه بسبب عدم تحقق مشروعات المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، وتخفف عنهم أزمة نقص الدولار التى زادت معها الفجوة بين السعر الرسمى وغير الرسمى.


لكن المفاجأة كانت فى تراجع إيرادات القناة بشهر الافتتاح وهو ما يتسق مع الانخفاض الموجود قبل الافتتاح بخمسة أشهر، واستمر التراجع للإيرادات خلال الشهور التالية، وحتى نهاية عام 2015، وهنا بدأت هيئة القناة فى التأخر فى إعلان بيانات دخل القناة الشهرية، واستمر التراجع خلال الشهر الأول من العام الحالى، فتحولت هيئة القناة لإعلان إيرادات القناة بالجنيه المصرى، حتى تستفيد من تراجع سعر صرفه أمام الجنيه لإظهار زيادة غير حقيقية فى الدخل.


وانفرد شهر فبراير بزيادة الإيرادات بنحو 15 مليون دولار بعد عام كامل من التراجع، لكن الإيرادات عادت للانخفاض فى مارس من العام الحالى، وهنا صدرت تعليمات بعدم نشر إيرادات القناة الشهرية، سواء من خلال هيئة القناة أو جهاز الإحصاء أو غيره، رغم انتظام إعلانها خلال الأسبوع الأول من الشهر التالى منذ سنوات طويلة.


واقتصرت بيانات هيئة القناة عن أخبار عبور عدد من السفن خلال يوم أو يومين بين الحين والآخر، كلما مر عدد مناسب منها، ويوم الثلاثاء الماضى تقابل رئيس هيئة القناة مع رأس النظام فى مصر، وقالت صحيفة يومية بصفحتها الأولى أن رئيس الهيئة عرض عليه نتائج أول عام للقناة الجديدة.


الاحتفال بالذكرى دون معرفة الإيرادات

لكن المواطن المصرى لم يحظ برقم واحد لتلك الإيرادات أو أعداد السفن العابرة أو حمولتها فى بيان الرئاسة عن الاجتماع، وقامت نفس الصحيفة القومية أمس الخميس بإصدار ملحق خاص عن قناة السويس الجديدة بعد عام من افتتاحها من 12 صفحة، تحدثت فيه عن الاحتفالات والأغانى، لكنها لم تذكر رقما واحد للإيرادات ولا حتى بالجنيه المصرى.


وهكذا افتقد مشروع التفريعة السابعة للقناة - حيث سبقتها ست تفريعات فى عهود سابقة - للشفافية منذ بدايته وحتى الآن، ولو من باب طمأنة المشترين لشهادات القناة فئة عشر جنيهات ومائة جنيه، الذين ليس من حقهم استرداد قيمتها أو صرف عوائدها إلا فى سبتمبر 2019، رغم أن قانون سوق رأس المال يحتم على إدارة أى صندوق استثمار، ولو كان حجمه خمسة ملايين جنيه، نشر تقارير مالية عن أداءه كل ربع سنة، مع إرسال تقرير للمشترين لوثائق الاستثمار كل ثلاثة أشهر على عناوينهم يوضح كافة التغيرات التى طرأت على أوضاعه المالية، كما تكون جماعة لحملة تلك الوثائق للدفاع عن مصالحهم.


وتفعل ذلك أيضا مع المشترين للسندات بتكوين جماعة لتلك السندات ترعى مصالحهم، وتفعل ما يشبه ذلك مع المساهين فى أية شركة مساهمة بإجبارها على نشر قوائمها المالية حتى يطلع المساهمون بها على حقيقة أوضاعها.. لكن وثائق شهادات القناة لا تخضع لهيئة الرقابة المالية، ولا توجد لهم جماعة لحملة الشهادات، وليس هناك من يستطيع المطالبة بحقهم فى الإفصاح عن إيرادات المشروع الذى وضعوا فيه مدخراتهم، لأنه حتى أعضاء البرلمان ولجنته الاقتصادية ممنوعون من الكلام عن السياسة النقدية.

أضف تعليقك