• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لاشك أن إفشال الانقلاب العسكري في تركيا ألقى بظلال إيجابية على حركة المقاومة لمثيله في مصر المستمرة منذ 3 أعوام، ومنح رافضي الانقلاب المصريين جرعة جديدة وكبيرة من الأمل والثقة، ويبقى فقط ترجمة هذه الجرعة لخطوات عملية لإنهاء حكم العسكر، واستعادة المسار الديمقراطي.

 

دعكم من المقارنات الصحيحة حينا والخاطئة أحيانا بين انقلابي مصر وتركيا، ودعكم من الشهادات الصحيحة حينا والمغلوطة أحيانا حول تعامل الرئيس مرسي مع محاولة الانقلاب عليه، ولنكن عمليين ونتحرك للأمام انطلاقا من الدرس التركي باعتباره أحدث وأسرع نموذج لإسقاط الانقلاب.

 

هناك 5 عناصر ساهمت جميعها في إسقاط الانقلاب التركي، قيادة حكيمة، شرطة وجانب من الجيش يعرفون دورهم، شعب عاشق للحرية بعد أن عانى كثيرا تبعات الانقلابات، نخبة سياسية وحزبية وفنية واعية، إعلام ديمقراطي، دعكم من الماضي الذي سنختلف عليه بالنسبة لوجود أو غياب هذه العناصر في الحالة المصرية قبل 3 يوليو 2013، ولنجتهد في تطوير الحالة المقاومة للانقلاب العسكري في مصر من خلال العمل على إيجاد هذه العناصر، وتقويتها، وصنع منظومة متكاملة منها لدحر الانقلاب.

 

القيادة الموحدة.. في مقابل قيادة تركية موحدة في مواجهة الانقلاب فإن الواقع المصري يؤكد غياب هكذا قيادة موحدة في مصر بعد التغييب القسري للرئيس المنتخب، لكن هناك الآن محاولات لإيجاد قيادة موحدة ورشيدة للثورة المصرية في مواجهة الانقلاب تجبر غياب الرئيس، والدرس التركي يفرض على الجميع دعم هذا التحرك، وتطويره وإنضاجه، وليس الوقوف في وجهه بحجج واهية، لأن غياب القيادة الموحدة، والرؤية الجامعة لإسقاط الانقلاب سيطيل في عمره، وسندفع جميعا ثمن ذلك، ولعل الرسالة الأهم هنا توجه للمتنازعين على قيادة جماعة الإخوان ليتغافروا ويتسامحوا فيما بينهم، ويعيدوا الوحدة لجماعتهم التي لاتزال - رغم جراحها -الأقدر على قيادة أي حراك.

 

شرطة وجيش.. لا يمكن كسر الانقلاب في مصر في ظل خطاب يضع جميع الضباط والجنود والقادة في سلة واحدة وهم ليسوا كذلك، فيدفعهم للاستبسال في الدفاع عن أنفسهم وعن سلطة الانقلاب التي يرونها ملاذهم الآمن، لقد سمعنا وشاهدنا الرئيس أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم حريصون على التمييز بين الضباط والجنرالات الانقلابيين وبين عموم الجيش الذي وصفه أردوغان بأنه جيش محمدي، ورفض هو ورئيس وزرائه أي إساءة له، رغم أنه يقوم حاليا بأكبر حركة تطهير فيه، وعلينا في مصر أن نفرق بين الجنرالات الذين قادوا الانقلاب ومن دعمهم من كبار الضابط، وبين عموم الجيش المصري الذي يضم شخصا على الأقل من كل أسرة مصرية.

 

لقد كان ذلك التفريق معمولا به في الأيام والشهور الأولى للانقلاب بفضل وجود القيادات الكبرى والمتنوعة والتي شكلت قيادة التحالف الوطني لدعم الشرعية، وصاغت وثيقته الاستراتيجية في 5 نوفمبر 2013، قبل اعتقال البعض، أو انسحاب البعض الآخر، ليملأ الفراغ (خارج التحالف) شخصيات أقل خبرة، وأكثر حرصا –ولو بحسن نية- على "تكتيل" الجميع خلف السيسي.

 

شعب حر.. إن استمرار انقسام الشعب المصري بين فريق مقاوم للظلم ورافض للانقلاب، وفريق قابل به بل مدافع عنه، سيطيل عمر الانقلاب أيضا، وحتى يمكن إسقاط الانقلاب بثورة وإرادة شعبية لابد أن تكون أكثرية المصريين ضده، ولو بدرجات متفاوتة تبدأ من الإنكار القلبي وتنتهي بالتحرك الفعلي، ومما يساعد على الوصول إلى ذلك ضبط الخطاب السياسي والإعلامي للقوى المقاومة للانقلاب لاستقطاب قطاعات شعبية واسعة خرجت بالفعل من دائرة دعم السيسي بعد أن اكتشفت أوهامه، وبعد أن اكتوت بنيران سياساته خاصة في مجالي الأسعار والخدمات، ولتكن الرسالة هي فلنتفق على ضرورة التخلص من الحكم العسكري إنقاذا للوطن ولثروته، وللشعب وإرادته وحريته وكرامته ولقمة عيشه، وليعذر بعضنا بعضا في غير ذلك من المسائل الخلافية، وليحرص المقيمون في مصر من رافضي الانقلاب أن يمدوا جسور التواصل مع تلك القطاعات الشعبية الناقمة على السيسي، وليحرصوا على ترميم العلاقات التي مزقها الانقلاب بين أفراد الأسرة الواحدة، وليبصروا قومهم بخطورة استمرار هذا الحكم عليهم وعلى الوطن.

 

نخبة واعية.. قدمت النخبة السياسية والثقافية في تركيا درسا بليغا لمثيلتها في مصر، ذلك أن النخب التركية كانت في معظمها تختلف كثيرا مع الرئيس أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) حتى أنها رفضت التحالف معه في الانتخابات قبل الأخيرة حين كان يحتاج إلى دعم أحدها ليشكل الحكومة، لكنها جميعا أبت مشاركته، وقبلت خوض انتخابات جديدة تحسنت فيها نتائج العدالة والتنمية، كما كان الفنانون الأتراك من أشد معارضي أردوغان، ومع ذلك حين وقع الانقلاب هبت تلك النخب الحزبية والفنية جميعها ضد الانقلاب، ولحقت بالشعب بل قادته إلى الشوارع منذ الساعات الأولى ولم تمنعهم حساسيتهم ضد الإسلاميين أن يواجهوا العسكر في اللحظات الأولى التي بدا فيها أنهم منتصرون.

 

لكن النخبة السياسية والثقافية المصرية التي حشدت وساندت الانقلاب، وروجت له، لا تزال منغمسة في هذه الجناية الكبرى، ورغم أن بعض النشطاء والمثقفين والفنانين أظهر تململا خلال الفترة الماضية بل وربما ندما على مشاركته في دعم الانقلاب العسكري إلا أنهم لم يستطيعوا حبس مشاعرهم دعما لعسكر تركيا في اللحظات الأولى لمحاولتهم الفاشلة، وهو ما يفضح حقيقة ليبراليتهم الزائفة، لقد مثل موقف النخبة التركية ضد الانقلاب رغم خلافها مع الإسلاميين صدمة للنخب المصرية أتمنى أن تسهم في إفاقة بعضهم.

 

إعلام ديمقراطي.. قدم الإعلام التركي أيضا درسا بليغا في التفرقة بين معارضة الحاكم، ومواجهة العدوان على إرادة الشعب، وكان له دور بارز في إفشال الانقلاب حين أوصل صوت وصورة رئيس الدولة إلى الشعب فورا، وهو ما قطع الشكوك والشائعات حول هربه، في المقابل لعب الإعلام المصري في معظمه دورا رئيسيا في التمهيد للانقلاب وإسناده، وتبرير جرائمه بحق الشعب، ورغم أن السلطات تتحرك بقوة لفرض هيمنتها الكاملة عليه الآن، ورغم أن رموز هذا الإعلام بشروا مبكرا بنجاح الانقلاب التركي في الوقت الذي كان الشعب يواجهه بصدور عارية.

 

إلا أن الواقع يؤكد أن تغييرات كبيرة تجري في المشهد الإعلامي خصوصا على مستوى الأفراد، الذين اكتشف الكثيرون منهم أوهام الانقلاب، وخطورته على مهنتهم ولقمة عيشهم، وعلى حريتهم، خاصة بعد أن تجرأت سلطات الانقلاب على اقتحام نقابة الصحفيين، و"جرجرة" نقيب الصحفيين ووكيل وسكرتير النقابة لأقسام الشرطة والنيابات والمحاكم، وبعد اعتقال عشرات الصحفيين وإغلاق الصحف والمواقع والبرامج، وبعد لجوء العديد من القنوات والصحف لفصل أعداد كبيرة من صحفييها وإعلامييها نتيجة ما تعانيه من خسائر، ومن المتوقع أن تزداد جبهة رافضي حكم العسكر في الوسط الإعلامي خلال الفترة المقبلة وهو ما يتطلب سياسة جديدة للتعامل مع هذا الأمر .

 

تلك هي المفاتيح الخمسة لإسقاط الانقلاب في تركيا، وهي الروشتة (الوصفة) المناسبة لإسقاط الانقلاب في مصر، إذا تمكن رافضو الانقلاب من حيازتها وحسن استخدامها، فهل يفعلون؟!

أضف تعليقك