• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Apr 01 22 at 07:29 AM

قوة البنية والقدرة على الكسب

قوة البنية: ديننا الإسلام يدعونا للأخذ بأسباب القوة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال:60)، ومنها قوة البدن، فالجسم القوي يعين صاحبه على العمل، ولو كان شاقًا، ومواصلة السير على طريق الدعوة، وتحمُّل الأعباء، وبذل الجهود لمواصلة السير.

ونجد الهدي النبوي يتابع مراحل تكوين الإنسان من بدء كونه نطفة، بحسن اختيار الزوجة، وفي أثناء وجوده في رحم أمه، وبعد ولادته وإتمام إرضاعه، وفي أثناء طفولته ونموه البدني والعقلي والروحي.

وقد أودع الله في الأم عاطفة الأمومة؛ لتقوم بهذه الرعاية على أحسن وجه، كما يحثنا الأثر عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- على أن نعلم أولادنا السباحة والرماية وركوب الخيل، وغير ذلك مما يساعد على قوة البدن.

*ثم إن ديننا الإسلام دين النظافة، نظافة الظاهر والباطن، فالوضوء للصلاة، والاغتساال للجمعة ومن الجنابة، والاستنجاء، وطهارة البدن والثوب والمكان، كل ذلك من ألزم الأشياء لصحة الأبدان.

كما حرم الله علينا الخبيث الضار، وأحلَّ الطيب النافع. وهدي الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الطعام والشراب بأن يكون ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس (الحديث رواه الترمذي) والنهي عن الإسراف، وكذا النهي عن الإقلال في الطعام بما يضر ويضعف الصحة، والتوجيه الإسلامي بألا نأكل إلا إذا جعنا، وإذا أكلنا لا نشبع، وقد اتفق الطب الحديث أخيرًا مع هذا الهدي النبوي.

وعلى المسلم ألا يُحمِّل بدنه من الأعمال فوق الطاقة والإجهاد، الذي يضر بالصحة. فرسولنا- صلى الله عليه وسلم- يذكّرنا بقوله في هذا المعنى:”إن لبدنك عليك حقًا” (البخاري ومسلم).

*وحتى العبادات، كالصلاة والصوم والحج، لها مردودات صحية على البدن بجانب الزاد الروحي، كما أن سموّ الناحية الروحية واطمئنان النفس إلى جنب الله وهدوء الأعصاب والبعد عن القلق والتمزق الداخلي، كل ذلك له مردوده الإيجابي على صحة الأبدان وانتظام أجهزة الجسم في أداء وظيفتها دون اضطراب.

ولما كان طريق الدعوة طويلاً وشاقًا يتعرض خلاله رجل الدعوة إلى بذل الجهد والسفر والسعي للدعوة إلى الله، وإلى الجهاد في سبيل الله، ويتعرض أحيانًا إلى المحن والابتلاءات، لذلك نجد أن قوة البدن من ألزم الأمور لرجل الدعوة؛ كي يواصل السير بحيث لا يكون ضعف الصحة عائقًا حائلاً دون عمله وجهاده.

لهذا نجد الإمام الشهيد عندما ذكر واجبات الأخ العامل خصَّ قوة البدن بعضًا من هذه الواجبات منها:

** أن تبادر بالكشف الصحي العام، وأن تأخذ في علاج ما يكون فيك من أمراض، وتهتم بأسباب القوة والوقاية الجسمانية، وأن تبتعد عن أسباب الضعف الصحي.

** أن تبتعد عن الإسراف في قهوة البنّ والشاي ونحوها من المشروبات المنبهة، فلا تشربها إلا لضرورة، وأن تمتنع بتاتًا عن التدخين.

** وأن تعتنيَ بالنظافة في كل شيء، في المسكن والملبس والمطعم والبدن ومحل العمل،… فقد بني الدين على النظافة.

** أن تجتنب الخمر والمسكر والمفتر- وكل ما هو من هذا القبيل- كلَّ الاجتناب.

** وأن تبتعد عن أقران السوء وأصدقاء الفساد وأماكن المعصية والإثم.

وبعد الأخذ بهذه الأسباب وغيرها تتوجه إلى الله بالدعاء كما علمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتقول: “اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت” (أبو داود).

القدرة على الكسب:

الإسلام يدعو إلى السعي لكسب الرزق الحلال، ويرفض الكسل والتواكل وسؤال الناس، ويدعو إلى العمل، دون تعالٍ أو تكبر على طبيعة العمل ولو أن يحتطب.

والعمل في الإسلام عبادةٌ يتقرب بها المسلم إلى ربه راجيًا منه القبول وحسن المثوبة. كما أن العمل شرف وعزة، وسؤال الناس ذلة ومهانة، واليد العليا خير من اليد السفلي.

ومطلوب لرجل الدعوة أن يستقرَّ في حياته المعيشية، بأن يكون له عمله الذي يتكسَّب منه؛ كي يستطيع أن ينطلق في عمله في حقل الدعوة.

ومطلوبٌ منه أن يتزوج ليقيم البيت المسلم القدوة، وينشئ الذرية الصالحة التي تعبد الله ويعز الله بها دينه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا باشر عملاً يتكسَّب منه.

ونذكر هنا بعض الملاحظات والضوابط في مجال العمل على رجل الدعوة مراعاتها منها:

** ألا يكون العمل في طبيعته حرامًا أو مخالفًا لتعاليم الإسلام، وألا يكون فيه شبهة الكسب الحرام.

** ألا يستحوذ على جهده ووقته، أو يشغله عن تكاليف العمل الدعوي المنوط به، كما لا يشغله أو يلهيه عن عبادته.

** ألا يغريه الكسب الوفير، بأن يجعل كسب المال غاية لا وسيلة، فينتقل المال من يديه إلى قلبه، فيدفعه ذلك إلى الحرص عليه والبخل به، وبذل الجهد في جمعه وصيانته وتنميته والشح به في الإنفاق في سبيل الله، وتكون النتيجة أنه لم يسخر المال لحسابه، ولكن المال هو الذي سخره، وصدق الشاعر:

أَنْتَ لِلْمَالِ إَنْ أَمْسـَكْتَهُ فَإِذَا أَنْفَقْتَهُ فَالْمَالُ لَكَ

** ولنعلم أن المال مال الله، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو بعباده خبير بصير.

**فعلى المسلم أن يؤدي حق الله في ماله، وأن ينفقه في سبيل الله.

**وعلى رجل الدعوة أن يتقن عمله، ويبتعد عن الغش أو الإهمال “إن الله يجب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” (صحيح الجامع الصغير، رقم 1880).

**وعليه أن يلتزم بكل ما يتفق عليه خاصًا بالعمل، من حيث المواعيد والمواصفات أو غير ذلك.

**وليعلم أن أجره الحقيقي على عمله هو ثواب الله، وليس مجرد الدراهم التي يتقاضاها ممن أدى له العمل. فلتكن نيته خالصة لله؛ حتى لا يُحرم هذا الثواب.

**ألا يمنعه وفرة المال عنده من العمل؛ كي يفيد المسلمين بعمله وطاقته، وكي لا يُحرم ثواب الله، ولأن المال معرضٌ للنفاد بسبب أو بآخر.

*ونجد الإمام الشهيد لا يغفُل قضية العمل والتكسب عند ذكره واجبات الأخ العامل، فيقول:

**أن تزاول عملاً اقتصاديًا مهما كنت غنيًا، وأن تُقْدم على العمل الحر مهما كان ضئيلاً، وأن تزجَّ بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية.

**ألا تحرص على الوظيفة الحكومية، وأن تعتبرها أضيق أبواب الرزق، ولا ترفضها إذا أتيحت لك، ولا تتخلى عنا، إلا إذا تعارضت تعارضًا تامًا مع واجبات الدعوة.

**أن تحرص كل الحرص على أداء مهنتك، من حيث الإجادة والإتقان وعدم الغش وضبط المواعيد.

**أن تكون حسن التقاضي لحقك، وأن تؤدي حقوق الناس كاملة غير منقوصة بدون طلب، ولا تُماطل أبدًا.

هذه بعض الواجبات التي ذكرها الإمام الشهيد حول العمل والتكسب، ومما أحب أن أنبِّه إليه أن الواجب على رجل الدعوة أن يُحدِثَ التوازن السليم بين عمله المعيشي، وعمله في الدعوة، بحيث لا يطغى أي منهما على الآخر.
وألا يدفعه الحرص على مستوى معيشي معين إلى شغل معظم وقته، وباقي وقته، بعمل إضافي ليزيد من دخله، في الوقت الذي يكون العمل في حقل الدعوة أحوج ما يكون لجهد ووقت أمثاله، إذ لا يصلح لسِّد مثل هذه الثغرات غير رجال الدعوة الذين تربَّواْ فيها وباعواْ أنفسهم لله، فلا حرج من التفرغ جزئيًا أو كليًا للعمل الدعوى…وعلينا ألا نجاري الناس في اهتمامهم بالدنيا، ومتاعها والجنوح إلى الإسراف والترف والكماليات، التي تُثْقل الكاهل، وتدعو إلى الاسترخاء والتثاقل إلى الأرض عند الدعوة إلى النفير والجهاد في سبيل الله.

ولنذكر جميعًا قدوتنا- صلى الله عليه وسلم- وهو أكرم الخلق عند الله ماذا كان أثاث بيوته؟! وماذا كان ملبسه؟! وماذا كان مطعمه؟! وكم من مرة أخرجه الجوع من بيته ليجد من يطعمه؟!

ما أحوجنا إلى أن “نخشوشن” في حياتنا، خاصةً وأن الأزمات الاقتصادية تفرض وجودها في معظم أقطارنا الإسلامية!!

منقول بتصرف من كتاب – مقومات رجل العقيدة – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.

أضف تعليقك