• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 26 22 at 03:14 AM

الطريق إلي غاية :

من المعلوم أن كل صاحب غاية أو هدف يسلك الطريق السليم الذي يوصله إلى هدفه أو غايته، ويجتهد ما استطاع للتعرف علي الطريق ومعالمه، قبل بدء السير؛ كي لا تتفرق به السبل، وكي لا يتبدد الجهد والوقت دون الوصول إلى الهدف. وعادة يلجأ في ذلك إلي أصحاب الخبرة والدراية بهذا الطريق للاسترشاد بهم، والمفروض أن يكونوا مع خبرتهم أهلاً للثقة وأمانة الإرشاد ، وإلا لما اطمأن إلى ما يقدمونه له من معالم عن الطريق . وبقدر ما تكون الغاية سامية والهدف عظيمًا يكون الحرص علي الوصول إليه شديدًا، ومن ثم الاهتمام الكبير بالتعرف علي الطريق الصحيح، والتحرز الشديد من منعطفاته التي تبعد بسالكه عن الهدف، خاصة إذا علم مسبقًا أنه يوجد علي مفارق الطريق من قعدوا خصيصًا لتضليل السائرين وصرفهم عن الطريق الصحيح ليفوتوا عليهم غرض الوصول إلي الهدف والغاية، وقد لبس هؤلاء ثوب الناصحين المخلصين زيادة في التلبس .

فالعلم المسبق بالسبل المنحرفة يحمي من الانزلاق فيها .

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الشر يقع فيه

والعلم بطول الطريق وما فيه من بعض المتاعب والعقبات، يساعد سالكه علي الإعداد له بالزاد الكافي، والصبر وطول النفس، بخلاف من يظن أنه قصير ، فينتابه القلق والشك إذا طال به الوقت قبل الوصول إلي الهدف .

كذلك من علم مسبقاً أن به مراحل وعرة موحشة، لا ينزعج عندما يواجه تلك المراحل، بل يطمئن؛ لأنها دليل على سلامة سيره في الطريق الصحيح حيث إنها من معالمه قال تعالي: “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون “.

وإذا علمنا أن سلوك الطريق الصحيح ستبذل فيه جهود كثيرة، وتقدم فيه تضحيات ضخمة، كلما دعا ذلك إلي تجنب أي انحراف لما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة وخسائر فادحة . من كل ما تقدم يتبين أهمية موضوعنا هذا وخاصة إذا كان الطريق هو طريق الدعوة .

طريق الدعوة :

وحينما نقول طريق الدعوة، إنما نعني به الطريق إلى الله ، وإلى رضوانه وجناته، الطريق الذي سار عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ورسل الله جميعًا ، سبيل المؤمنين ، صراط الله المستقيم ، وصدق الله العظيم” وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ”

وعلي طريق الدعوة نسعى إلى أسمي غاية، وإلى أعظم هدف؛ فالله غايتنا، ونهدف إلى التمكين لدين الله في الأرض وإقامة دولة الإسلام ” حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله “.

ورائدنا على الطريق الصادق الأمين صلي الله عليه وسلم خير قدوة . من أجل ذلك كان اعتزازنا بهذا الطريق والتزامنا به وتحملنا لمشاقه، وصبرنا على السير فيه مهما طال ، ولن نعدل عنه – بإذن الله – ولن نرضى بغيره بديلا . ولعله من المفيد أن نلقي بعض الأضواء على طريق الدعوة قبل أن نتناول الانحرافات وطبيعتها .

فمنذ فترة غير قصيرة وفي ظل ما يسمونه بالاستعمار وهو في الحقيقة استخراب – من قبيل أسماء الأضداد، وذلك باحتلال أعداء الله لبلاد المسلمين بجيوشهم ، وأثناء حكم من أعدوهم من حكام ينفذون مخططاتهم بعد جلاء جيوشهم ، تعرض الإسلام أثناء تلك الفترات إلي حملات منظمة ومكثفة من التشكيك والتحريف والتشويه والتفريغ من محتواه الحقيقي ، والإبقاء على رموز شكلية وتشجيع للبدع والخرافات وأصحابها . وأسقطت الخلافة الإسلامية بتآمر من أعداء الله مع عميلهم الخائن مصطفي كمال والذي يعتبره – للأسف الشديد – بعض حكامنا مثلا وقدوة لهم . وتكاثرت علي بلاد المسلمين موجات من الظلام . ظلام من الغرب الصليبي المدفوع والمخطط له من قبل اليهود ، وكذا ظلام من الشرق الملحد المصنوع علي أيدي اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا ، وهكذا طمست معالم الطريق أو كانت أمام الأجيال الناشئة ، وتشتتت الغايات وتعددت الرايات ، واشتدت الدعايات للمبادئ الأرضية القاصرة ، وتأثر كثير من المسلمين ببريق المدنية المادية الزائفة .

ولكن وسط هذا الظلام الدامس المتلاطم الموجات ويُعَيْد سقوط الخلافة ، بدأ في الأفق نور ، بدأ ضعيفًا أو الأمر ، ولكن بارك الله فيه بعد ذلك فأخذت دائرته تتسع وضوؤه يقوى ، وهو يصارع ظلام الجهل والكفر ليبيده بإذن الله . ” والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ” .

وفي عام 1347هـ 1928م قامت جماعة الإخوان المسلمين في مصر علي يد مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، واتسعت دائرتها بعد ذلك خارج مصر حتى وصلت الآن أجزاء كثيرة من المعالم . وفي عام 1941م قامت الجماعة الإسلامية في القارة الهندية علي يد مؤسسها مولانا أبي الأعلى المودودى رحمه الله ، تكاد تكون مطابقة لجماعة الإخوان في الفهم والأهداف والمنهج، وظهرت فيما بعد حركات إسلامية أخري في بعض الدول الإسلامية كأندونيسيا وتركيا وماليزيا وغيرها .

وإذا كنا نركز حديثنا من خلال تجربتنا في جماعة الإخوان المسلمين التي تربينا فيها من ناحية والتي تعتبرها الجماعات الأخرى الجماعة الآم أو الحركة الرائدة من ناحية أخري ، ولا نبخس غيرها قدرها أو أثرها فكلنا مسلمون وكلنا إخوان علي الطريق . نجد الإمام الشهيد من أول يوم يحدد الغاية ويجليها وينقيها من كل شائبة ويعلنها واضحة قوية ( الله غايتنا ) ويختار الطريق ورائدنا عليه فيقول: ( والرسول زعيمنا وقدرتنا ) ويحدد المنهاج وهو المنهاج الذي جاء به سار عليه رسولنا الكريم فيقول : ( والقرآن دستورنا ) ويعيد روح الجهاد في المسلمين بعد أن كاد يختفي فيقول ( والجهاد سبيلنا) . ويحفز الهمم في الجهاد ويرغب في الاستشهاد فيقول (والموت في سبيل الله أسمي أمانينا) .

منقول بتصرف من كتاب – طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله .

أضف تعليقك