• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Aug 18 21 at 11:49 PM

قد يظن بعض الطيبين أن معركتنا مع الباطل شانها شأن الخلافات والحروب، تبدأ لأسباب معلومة، وتنتهي بعد وقت محدود، ثم يحصى كل فريق مكاسبه وخسائره، ويراجع خططًا بديلة، ودروسًا مستفادة، وربما لجأ الطرفان بعد المعاناة والمتاعب التى خلفها الصراع لنوع من التفاهمات والمعاهدات.

وما هكذا شأن الصراع بين الحق والباطل، وإن لم نفهم هذه القضية حق الفهم كنا على خطر عظيم! ذلك أن فهم الأمر على حقيقته أول أسباب السلامة، ومظنة حسن الاستعداد بكل أنواعه، وبدونه -بدون هذا الفهم-  يصعب علينا تصور الواجبات وما يستتبع هذا الصراع من تفاصيل ومتطلبات. ذلك الصراع الذى جعلنا الله طرفًا فيه، والذى شرفنا ربنا سبحانه بأن اختارنا واصطفانا وجعلنا من ذرية آدم، نختار لأنفسنا أى الطريقين نسلك ولأى الفريقين ننتمى. 

وقد بدأ الصراع مبكرًا جدًا، بدأ حتى من قبل أن يستوي آدم على الأرض، وقد بدأه الشيطان (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (١٧) الأعراف. ثم كانت الغواية، ومن ثم الهبوط إلى الأرض (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(٢٤) الأعراف. فالعداوة متأصلة، والصراع باق ما بقي الليل والنهار.

وقد أخبرنا ربنا وهو أصدق القائلين أن الناس على كثرتهم، وعلى ما بينهم من تفاوت واختلافات، ينتهى بهم الأمر فى الآخرة إلى فريقين، (فريق فى الجنة وفريق فى السعير) (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠) الأعراف. ففى نهاية المطاف وعند انتهاء الرحلة، وحينما يأتى الأجل المحتوم، لا يكون فى الآخرة إلا الفريقان، ولا دار إلا الجنة أو النار.

 أما العداوة وسبب الصراع فذلك وعد الشيطان منذ بدء الخليقة، ودعاؤه لله رب العالمين (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) الأعراف. ثم إعلان استهزائه بالبشر، ورفضه تكريم الله لهم، (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) (قالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (٦٢) الإسراء.

فصراعنا مع الشيطان وأعوانه الذين اتبعوه، مع أولئك الذين يرفضون منهج الله، ويقاتلون ليصدوا الناس عنه، صراعنا مع حزب الشيطان، مع المعتدين على الحقوق والحريات، مع الراغبين أن يستعبدوا الناس ويذلوهم وينزعوا عنهم كرامتهم التى شرفهم الله بها من حرية الاختيار وحرية العبادة، والحريصين على ذلك مهما كلفهم الأمر، صراعنا مع حزب له فى كل أرض أعوان، وفى كل زمن أتباع، تختلف ألوانهم أحيانا، وتتعدد أسماؤهم بالطبع، لكنهم دائمًا لا يحبون الحق، ولا يرضون بالعدل، يرفعون للباطل رايات، وينشرون بين الناس باطلهم بكل ما يملكون من قوة وعتاد ووسائل وأساليب. 

ويلخص قصة الصراع الذى نحياه كل يوم قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) الأنعام. فصراعنا حين نؤمن بالحق ونتمسك به ونرفع رايته ونحمى قدسه، هو ذلك الصراع السرمدى بين كل الأنبياء والمصلحين ومن ورث طريقهم وآمن بما دعوا إليه، ونهج نهجهم، وجعل غايته نفس غايتهم ومنهجه نفس منهاجهم، بين هؤلاء الصالحين من جهة- وبين شياطين الإنس والجن الذين يوحى بعضهم إلى بعض، ويغرى بعضهم بعضا، ويدعم بعضهم بعضا، يتواصون بالإثم والعدوان ويأمرون به، يواصلون الليل بالنهار فى مكرهم وإعداد خططهم، يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.

إنها قصة البشرية التى أراد الله لكل فرد فيها أن يختار طريقه، وأراد له أن يتحمل نتيجة هذا الاختيار، يتحمل نتيجته فى الدنيا والآخرة، وقدم الله النماذج ليهتدي بها المهتدون، ويعرض عنها المعتدون. ولتكون حجة الله على عباده، إنه الصراع الذى لن يتوقف على مستواك الفردي حتى تطأ كلتا قدميك الجنة، وعلى المستوى الجماعى لن يتوقف الصراع ما بقيت على هذا الأرض أنفاس للبشر.   

إن معركتنا ليست مع شخوص، أو أنظمة، أو هيئات، إنها معركة الحق مع الباطل. فلا يحسبن أحد أن لهذا الصراع أمدا محدودا، أو أجلا مسمى، ولا يرجوَنّ مجاهدٌ فى سبيل الحق راحةً فى الدنيا، ولا يأملن مهادنة من ظالم متكبر. وليحمد الله أنه فى جانب الحق يهتدى مع المهتدين، ويجاهد مع المجاهدين ليعلى كلمة الحق بما يملك.

أضف تعليقك