• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Apr 29 21 at 04:18 PM

«عديم الإنسانية» هو الشخص المجرَّد من صفات «الإنسان» التى تجعله مختلفًا عن بقية الكائنات الحية، بما يتميز به من عقل وأخلاق، وما يقدمه من برٍّ وعمل صالح، وما يُظْهِرُ من مشاعر وعواطف متوافقة مع الطبيعة البشرية والفطرة التى فطر الله الناس عليها.

و«الإنسانية» بهذا المعنى هى أرقى صفات الجنس البشرى، وعامل بقائه، ودليل تعاونه وصلاحه؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…) [الحجرات: 13]، يقابلها «اللاإنسانية» وهى أحط صور الآدمى فى تعامله مع بنى جنسه والكون من حوله، وهى تعنى العنصرية والقسوة وإهدار قيمة الإنسان وانتهاك حقوقه ونسف منظومة الأخلاق التى هى عنوان الحضارة وسر بقاء الأمم (وليسَ بعامرٍ بنيانُ قومٍ… إذا أخلاقُهم كانت خرابًا).

ولقد رأينا على مدى السنوات الثمانى الماضية نماذجَ قُحَّةً لأناس تجرَّدوا من المشاعر الإنسانية ولبسوا لباس المفترسات الوالغة فى الدماء؛ فمنهم من تسلَّط وظلم، ومنهم من خان وغدر، غير مراع لصلات رحم أو حقوق زمالة أو صداقة أو جيرة، وقد تقاسموا جميعًا الكذب والتدليس وانعدام المروءة، وصدق فيهم قول الله تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 205، 206].

وقد كشف الانقلاب الدموى عن صنف من البشر هم فى الحقيقة ليسوا بشرًا، لا يعرفون شيئًا عن الوفاء، ولا يعدلون ولا يرحمون، ولا يرجعون إلى أنفسهم ليحاسبوها، أوردتهم أنانيتهم وحب الدنيا مواضع التهلكة حتى استوى فى نظرهم الشر والخير. وهل من السواء أن يحرِّض الإنسان على قتل أخيه الإنسان، أو تجريده من ماله، أو إخراجه من بلده ونزع جنسيته؟

ومهما ادعى هؤلاء انتسابهم للإسلام فإنهم يظلون بعيدين كل البعد عن تعاليمه الرشيدة وسلوك نبيه الرءوف الرحيم ﷺ الذى ابتُعِثَ ليتمم مكارم الأخلاق وهاديًا وبشيرًا، فلم يدعُ إلى قطيعة، ولم يقسُ، ولم يكذب أو يخن، ولم يسئ لحىٍّ أو ميت بل كان رحمة للعالمين، داعيًا إلى التقوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128، 129].

لقد ذُكرت كلمة «الناس» في القرآن الكريم نحو(340) مرة، وكلمة «الإنسان» نحو (60) مرة، وكلمة «البشر» نحو 37 مرة، وهناك سورة كاملة تدعى «الإنسان»؛ ما يؤكد إنسانية هذا الدين وتكريمه للآدمى على إطلاقه وصوْن حياته، أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه؛ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 6]، وأن انتهاك حقه والإساءة إليه بأى صورة من صور الإساءة دالٌ على أن مرتكبها ضالٌ عن أركان دينه وأصول شريعته؛ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]..

مرَّت على النبى ﷺ جنازة فقام فقيل: إنه يهودى، قال: «أليست نفسًا؟»، وقال ﷺ: «المسلمُ أخو المسلم، لا يظلمه ولا يكذبه، ولا يخذله، التقوى هاهنا – وأشار إلى صدره ثلاث مرات-، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»، أليس هذا كافيًا ليكف ذوو القلوب القاسية عن فُجرهم وخصومتهم غير المبررة، وعن انخذالهم ونفاقهم الرخيص لعبيد مثلهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا؟

من الآكد أنه مهما طال أمد المحنة فإن البر لا يبلى والذنب لا يُنسى وكلٌّ سيؤخذ بما فعل، وسيذكر القوم من كان رجلًا ومن باع وفجر. وهل نسيتْ الصحابية المهاجرة «أم عبد الله بنت أبى حثمة»، رضى الله عنها، ما كان من «عمر» من إنسانية ومروءة يوم هجرتها على ما كان عليه من شرك؟ لقد سجل التاريخ بأحرف من نور الحوار الذى دار بينها وبينه قبل تحركها وزوجها إلى الحبشة. قال (رضى الله عنه): إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟ قالت: نعم، والله لنخرجن إلى أرض من أرض الله إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجًا، قال: صحبكم الله. قالت (رضى الله عنها): ورأيت رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا.

أضف تعليقك