• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أكدت جماعة الإخوان المسلمون، خلال بيان لها، أمس الجمعة، تزامنا مع اقتراب ذكرى مجزرة رابعة، على أن حق الشهداء لن يضيع، وأن القصاص قادم لا محال، وأن مسيرة الثورة ما زالت قائمة، وأن النصر حليف الأمم والشعوب، مهما طال الزمان، وقد جاء نص البيان كالتالي:

 

 

أيام قلائل وتحل بنا ذكري رابعة، وأخواتها، وما خلفته في قلوبنا وقلوب المصريين الأحرار، وقلوب كل الأحرار في العالم، من مشاعر حزن وغضب، ونحن لا نتذاكر هذه الفاجعة لنقف عند جراحاتها نسكب الدمع الثخين، ونندب الحظ العاثر، ولكننا نذكر رابعة لأنها أصبحت نقطة تحول في تاريخنا المعاصر، أصبحت بحق رمزًا للحرية والعزة والكرامة يجب أن يبقى، رمزا يحق له الخلود في القلوب والعقول، وأن ينتقل إلى ذاكرة الأجيال التالية، فلا ينسى في زحمة الأحداث، أو يطمر في كثرة الحوادث، ونذكرها لنثبت بهذه الذكرى حق شهدائنا الأبرار في القصاص العادل لدمائهم الزكية.
ونؤكد وفاءنا لطريقهم واستكمالنا لمسيرتهم، ونذكرها لنرسم لهؤلاء الأبطال صورتهم الحقيقية بعد أن دأب إعلام الزيف والفتنة على تشويهها، ونذكرها لنذكر الأمة بالقضية التي خرجوا من أجلها واستشهدوا في سبيلها، ولنحمّل الأمة مسئوليتها عن استكمال المسيرة وتحقيق الأهداف. ونذكرها للننطلق في العمل والجهاد متخذين من رموزها قدوة ومثلًا، حتى نلقى الله تعالى بإحدي الحسنيين؛ فإما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة.


رابعة هي قصة الحياة لا الموت؛ والخلود لا الفناء، وهي قصة الشهادة القانية لا الحياة الفانية، والتضحية والفداء لا الخنوع والاستخذاء، وهي قصة الوفاء في مواجهة الخيانة، والإيمان في مواجهة الطغيان، وهي قصة الحق في مواجهة الباطل، والإرادة الشعبية في مواجهة القمع، وهي قصة الصدور العارية في مواجهة الوحوش الضارية، والشرعية في مواجهة الانقلاب، وقصة شعب الثائر في مواجهة عسكر الماكر. ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية 30).

كانت رابعة ولا تزال يوم الشهادة، اصطفى الله تعالى لها رجالًا ونساءً من المؤمنين الصادقين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية رسالتهم، وأقسموا أن يعيشوا بها أعزاء، أو يموتوا في سبيلها شهداء، وأنعم بها من شهادة، وهي الحجة التي أقامها الشهداء علينا؛ فلا عذر لمعتذر بعد أن رأينا هذه الملحمة من البطولة والفداء، ورأينا بأم أعيننا، من أبناء جيلنا، ومن أقاربنا وجيراننا وإخواننا، من باعوا الحياة رخيصة في سبيل تحرير الأوطان وعزة الإسلام.
وهي الوثيقة؛ تشهد لمن حضرها يوم القيامة بالرباط والجهاد ومقاومة الباطل ورفْض الظلم. ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء: 13- 14). ومن لم يحضر؛ فهاكم الطريق، ومن سار على الدرب وصل.


إن الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الخليقة، ومستمر إلى آخر الزمان، وهو في هذه المرحلة يستهدف وجود الأمة ذاته وخاصة عقيدتها وهويتها ووحدتها، ويهدد مستقبلها بقدر تهديده لحاضرها، ونجاح الأمة في هذا الصراع مرتبط بدرجة وعيها بخطورته، وتحركها الجماعي لمواجهته، والنفس الطويل في مقاومته، والصبر الجميل لتحمل أعباء الطريق، والاستعداد الدائم للتضحية، وعدم استثقال التكاليف، أو استكثار الثمن، وعدم استبطاء النصر، أو تعجل الثمرة قبل نضجها. وقبل ذلك كله الثقة بنصر الله وتأييده لعباده المؤمنين المجاهدين الذين يتوكلون عليه حق توكله، ويستفرغون وسعهم في الأخذ بالأسباب، ويقومون بما يطيقونه في مراغمة الباطل. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).

وتمر الأمة بمخاض عنيف ينبئ عن ولادة كبيرة، تولد فيها الأمة من جديد قوية فتية بإذن الله تعالى، فها هي تقاوم ببسالة قوى الشر في أرجاء الأرض كلها، تقاوم الاحتلال على ثرى فلسطين، وتقاوم الظلم والاستبداد والفساد والطغيان في بلاد الربيع العربي، وتدفع أثمانًا غاليًا لنيل حريتها، والعيش بكرامة في أوطانها، والتخلص من التبعية والاستغلال للشرق أو للغرب. وهي بذلك تحقق قانون التدافع الذي يحق الله به الحق، ويبطل الباطل، وينصر المظلوم، ويقصم الظالم، ويهلك أعداءه، ويؤهل أولياءه للاستخلاف ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).

وإذا كانت الجولة في هذه الموجة للطغاة والجبارين كما يبدو في ظاهر الأمر، فإن النصر حليف الأمم والشعوب في نهاية المطاف، والنصر الحقيقي في هذه المرحلة يتمثل في صمود الأمة في مواجهة الطغيان، ورفضها للظلم، ومقاومتها المستمرة للظالمين، وتمسكها بهويتها العربية والإسلامية، وحماية هذه الهوية من الذوبان في أتون الغزو الثقافي، كما يتمثل النصر أيضًا في زيادة استعداد الأمة للتضحية لنيل الحرية، وجهادها الدائم للتخلص من القيود والأغلال، ورفضها التسليم بإرادة الطغاة وسادتهم الغربيين، وزيادة وعيها بأهمية المشروع الإسلامي في مواجهة مشاريع الهيمنة الغربية، وأهميته في التحرر من الاستعمار والطغيان معًا، ووعيها بأهمية هذا المشروع في إعادة بناء الأمة من جديد، على قواعد متينة من الحرية والعدالة والرحمة والتكافل والأخوة الإنسانية. ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(الحج: 41).


فاحذروا توهُّم وجود هذه العقبات، أو المبالغة في تضخيمها وتهويل آثارها المتوقعه، فيساوركم القلق وتستبد بكم المخاوف، حتى تشل التفكير عن التعامل الصحيح، أو تعطل الطاقات في المدافعة والمغالبة، أو تقتلوا ملكات المقاومة في أنفسكم أو تتركون نهبًا للقلق واليأس والإحباط، فتنتهوا منكسرين أمام الأزمات، مستسلمين أمام الأحداث؛ فلا تحركوا ساكنًا، أو تبذلوا جهدًا، أو ربما يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك فنعيب على غيرنا الصمود في مواجهة الأزمات، ومغالبة الشدائد، والتحرك لوقف تيار المحن، وتغيير الواقع المؤلم.

ورغم هذا الجرحات الغائرة التي لا تندمل، وهذه الصورة الماثلة الحاضرة بكل بشاعتها وذكراها المؤلمة، ورغم الدماء التي لم تجف منذ ذلك اليوم، وتنتظر يوم القصاص العادل.. رغم كل ذلك وغيره مما يعجز القلم عن وصفه، ستبقى رابعة رمزًا للحرية في أرجاء المعمورة أبد الدهر، وستلهم مدرسة رابعة الأجيال إلى آخر الزمان العزة والكرامة، والإنسانية والرجولة، والشرف والمروءة… يتعلمون منها التمسك بالمبادئ، والحرص على الحقوق، ورفض الذل والخضوع… وترسم لهم صور الشجاعة والإقدام، والتضحية والفداء، فإذا ذكرتم رابعة وأهلها؛ فاذكروا القلوب التقية، والعقول الذكية، والنفوس الأبيّة، والأنوف الحمية، والأخلاق الرضية، واذكروا كذلك ظلم الظالمين، وعداون المعتدين، وبطش المجرمين، وتآمر المتآمرين، وصمت المغرضين، واحرصوا أن تبقى القضية حية في قلوب الناس، وابلغوا بها الآفاق، حتى يتم القصاص العادل من المجرمين ولو بعد حين.


لا تسأموا أو تخجلوا أو تتخاذلوا أن تقصُّوا على سمع الزمان قصة رابعة، وتوضحوا للدنيا بكل لغات العالم، وبكل طرق التعبير، وبكل صور التواصل، لماذا خرج هؤلاء الأبطال إلى الميادين؟ ولماذا وقف هؤلاء الأماجد بصدورهم العارية أمام الدبابة؟ ولماذا هتفوا: سلميتنا أقوى من الرصاص؟ ولماذا لم يعطوا الدنية من دينهم أو شرعيتهم أو وطنهم؟ ولماذا قدموا أرواحهم في سبيل الله لتحرير الوطن؟.
اشرحوا لهم أن هذه الدماء الذكية لن تضيع هدرًا، ولن تذهب هباءً، وأن مدرسة رابعة ستلهم الشعب، وتذكي لهيب الثورة، وتوجج أشواق الحرية، وتصنع فجرًا جديدًا سيشرق سناه على أمتنا يومًا مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.

وعهدا سنظل نذكر رابعة الحلم والطريق والراية، حلم التحرر من الفساد والاستبداد والتبعية، وطريق الكفاح والجهاد والتضحية ومقاومة الباطل ورفض الظلم، ورفض الدنية أو النزول على رأي الفسدة، وراية الثورة التي يجب أن يتجمع حولها الأحرار ببواعث تحررية أو نضالية أو إنسانية، وراية النصر القادم بإذن الله، فالدماء التي تسكب في طريق الحرية لا تشربها الأرض، ولا تذروها الرياح، ولا تذهب هدرًا، ولكنها تبقى دائمًا تغذي الحلم، وتمهد الطريق، وتنصب الراية، وتنادي الجميع بالتوحد والاصطفاف، واستكمال المسير، والصبر والمصابرة حتى يتحقق وعد الله، ويتنزل نصره على الصابرين المحتسبين، وما ذلك على الله بعزيز ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51). والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الإخوان المسلمون
 الجمعة 17 من ذي الحجة 1441 هـ – 7 أغسطس 2020 م

أضف تعليقك