• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عزة مختار

الحروب الناعمة هي البديل الأول والأمثل للمواجهة العسكرية للكيانات التي لا يمكن دخولها في الحرب العسكرية المباشرة، خاصة إذا كانت بين دولتين إحداها تعتمد فقط على قوة المال، بينما تتميز الأخرى بالقوة العسكرية والعددية والتاريخية، مثلما الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة والدولة التركية.

 وفي حال العجز عن المواجهة لأي من هذه الأسباب وغيرها مثل أن تكون الدولتان كبيرتين في ميزان القوي العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والصين على سبيل المثال، فتلجأ إلى الشجب والاستنكار والتصعيد الحقوقي واستخراج بيانات من المنظمات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة كما حدث في اعتراضها على التنكيل بمسلمي الإيغور، ليس خوفا أو شفقة بهم، وإنما تناطحا مع ذلك العملاق المنافس، الذي يكاد يجبرها على التخلي على مكانتها العالمية لصالحه.

الحرب ضد تركيا
 فالعملاق الصيني قادم ليقلب صفحة الهيمنة الاقتصادية والصناعية الأمريكية، إن لم يكن قد احتلها بالفعل، في هذا الخضم تخوض أمريكا حربا ناعمة أو تحاول الإبقاء عليها في سبيل استمرار هيمنتها العالمية، غير أن العملاق الصيني لم يعد تجدي معه تلك الحروب سواء كانت ناعمة أو خشنة، ولن توقف القوة  قدومه.

 وقد تكون القوة الناعمة في هيئة عمل فني غبي ، تنفق عليه دولة أو تتعاون عليه مجموعة دول  ترد به علي التاريخ تزييفا وكذبا، من باب الكيد والحرب غير المباشرة علي تركيا التي تجاوزت فترات الضعف والتخلف وتسير حثيثة نحو حجز مكان لها بجوار الكبار، لتكون رقما صعبا في منظومة القوة الاقتصادية والعسكرية علي كل مستوياتها، وفي مقابل التدخل في سوريا لحماية حدودها ، وفي مقابل التدخل في ليبيا لحماية حقوقها في مياهها الدولية ، وفي مقابل عرقلة مشاريع الفساد في المنطقة والعلاقات مع قطر ، وفي مقابل فضح الأموال الإماراتية والتمويل المعلن لكل ما يضر مصالح المسلمين ، وفي مقابل بطولات أرطغرل بن سليمان شاه، والمؤسس عثمان، كانت " ممالك النار" ، ذلك العمل الفني الذي حظي بتمويل غير مسبوق ، واهتمام كذلك من النظام الإماراتي ودعاية لا توازي حجمه وفشله ، وبمشاركة فنية مصرية ، خرج عملا ضئيلا ، فاشلا ، مشبعا بالأخطاء التاريخية ، لتسجل تركيا هدفا فنيا جديدا ، وتفوز بمعركة ناعمة أخري تضاف إلى تاريخها النضالي منذ قدوم " رجب الطيب أردوغان " لسدة الحكم .

قيامة أرطغرل
لا نستطيع الادعاء بأن المسلسل التاريخي " قيامة أرطغرل " خال تماما من الأخطاء التاريخية، بل  يمكن القول إن كافة المسلسلات التاريخية تقع في تلك الأخطاء بنسب مختلفة ، كأن تضيف المزيد من الأحداث الدرامية التي يستلزمها أي عمل فني كي ينجح. كذلك يمكن الحذف من بعض الحقائق بما لا يغير المسار الطبيعي للأحداث، ولا يغير من نتائج صراع ما في تلك الحقبة التاريخية التي يتعرض لها العمل الفني بالنقد أو بالتمجيد، والدول حين تعرض تاريخها فهو عادة لا يخلو من المبالغة في عرض الأحداث كنوع من التفاخر بالماضي وبالأجداد وبالانتصارات التاريخية ، وحين عرض مسلسل قيامة أرطغرل ، أحدث حالة من الحراك الفني داخل أوساط المتابعين والمشاهدين ، حيث حصل علي اهتمام  شبه عالمي ، بينما في الوقت الذي لم ينل فيه عمل فني بهذا الحجم ذلك الكم من الهجوم والنقد والاتهام في الإعلام العربي.

 وهو العمل الفني المتميز الذي تمتع بأعلى نسبة مشاهدة ليصل للخامس عالميا، ومتابعة أكثر من ثلاثة مليارات متابع، ويعرض في خمس وثمانين دولة بشكل رسمي.

 وفي الوقت الذي يعتمد فيه العالم على كل مستوياته السياسية على القوة الفنية الناعمة في توصيل بعض الرسائل للآخر، نجد أن الإعلام العربي يوجه آلته الهجومية بشكل غير مسبوق من التشكيك في الحقائق التاريخية الواردة في المسلسل المعني، إذا به يتحول لمعركة ناشبة بين تركيا كدولة ونظام وتاريخ، وبين كافة الدول التي تريد تكبيل تركيا وتحجيم دورها الممتد داخل المنطقة.

ولم تلتفت الجهة المنتجة للمسلسل، التي تحظى بدعم سياسي علي مستوى القيادة الأعلى لأي من ذلك الهجوم، وإنما استمرت لتقوم بإنتاج العمل الأضخم وهو السرد التاريخي للدولة العثمانية التي تقع تحت أكبر حملة تشويه لها في التاريخ ، وذلك بالتوازي مع السياسة الخارجية للرئيس أردوغان تجاه الشرق الأوسط، وتعامله بزعامة تجاه قضايا الأمة، والحفاظ علي حقوق بلاده الاقتصادية في المياه الدولية ومحاولته التصدي للسياسات المشبوهة للنظام السعودي والنظام الإمارات لقد نجحت تركيا في معركتها الفنية علي كل المستويات بدعم النظام لها ، وإرسال رسائل سياسية بالتزامن مع العرض الفني الكبير ، الذي عجزت عن مواكبته أنظمة عربية رغم كم الإنفاق المبالغ فيه ليضاف لها هزيمة جديدة ، في حرب لم تكن كفوءا لها   

ممالك النار تزييف تاريخي متعمد     
ويختتم الموسم الفني في 2019 بعرض المسلسل العربي " ممالك النار " الذي اشتركت فيه مصر فنيا والإمارات إنتاجا، وقد تناول الكثير من النقاد والمحللين والمؤرخين المسلسل بدقة وأظهروا الأخطاء التاريخية القاتلة، التي تظهر النية المبيتة للغرض من إنتاج المسلسل بدءا بالسلطان محمد الفاتح الذي أظهروه في صورة رجل مسن يقتل إخوانه ، بينما الحقيقة التاريخية أنه مات في نهاية الأربعينيات بشكل طبيعي ، وانتهاء بالتشويه المضحك للسلطان سليم الأول ، في مقابل تبييض صفحة الأمير المملوكي المهزوم طومان باي ، ومن الغريب أنه في الحروب الفنية الناعمة ، تدافع الدول عن نفسها ، أو تهاجم غريمتها بإنتاج يعبر عن حضارتها هي وتاريخها  هي ، وهويتها هي ، ولم يحدث أن تهاجم دولة ، دولة أخري بتاريخ لا يخصها من الأساس، وهذا لا يحدث إلا بأسلوب سياسة كيد النساء ، أو المكايدة السياسية ، فإن كانت تركيا تعرض تاريخها وبطولاتها وفتوحاتها ، فإن الطرف الآخر يكيد لها بعرض هزائم دولة أخري ومحاولة تجميل تلك الهزائم نكاية في المنتصر.

أضف تعليقك