بقلم: عبدالحافظ الصاوي
بدأ السيسي ممارسته للسلطة بأمر غامض، حيث ذهب لأحد البنوك بحقيبته بزعم تقدم تبرع شخصي لصندوق تحيا مصر، لم يعلم أحد قيمته إلى الآن، صغيرًا كان أم كبيرًا، وهو أمر مستغرب في ممارسة الحياة العامة، فالرؤساء يعلنون تنازلهم عن رواتبهم، أو تبرعهم بجزء معلوم من ثرواتهم لصالح الخزانة العامة لدولهم، أو لمشروعات بعينها.
أما وأن الفنان المقاول محمد علي تحدث عن تصرفات لا يمكن قبولها، تدور في نطاق إهدار المال العام، من جرأة تصرف السيسي وزوجته تجاه الاستراحات الرئاسية، فمن حق الشعب أن يعلم حقيقة التبرع الغامض، الذي لم ير الناس منه سوى حقيبة سوداء، وعلى السيسي أن يعلن قيمة هذا التبرع في مؤتمر الشباب المزمع عقده غدا السبت 14 من سبتمبر/أيلول بحضور نحو 1600 شخص، وكذلك الإعلان عن ذمته المالية، منذ انقلاب 3 يوليو وحتى الآن.
كما أن علاقة السيسي بحكام الخليج مثيرة لكثير من الشبهات، وهم حكام لا يخضعون لرقابة من قبل برلماناتهم ولا من شعوبهم، ولكن لهم ممارسات فضحتهم مع دول أخرى، منها ما حدث من رشوة رئيس وزراء ماليزيا السابق عبد الرزاق نجيب، الذي يحاكم الآن بقضايا فساد في بلده، ومن ضمن هذه القضايا حصوله على قرابة 650 مليون دولار من الحكومة السعودية، وضعت في حسابه المصرفي الشخصي.
كما أن البشير أعلن، أثناء محاكمته مؤخرًا، حصوله على ملايين الدولارات من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان. وفي ضوء ذلك وما قدمه السيسي من تنازل للسعودية عن جزر تبران وصنافير، وانحيازه وتبعيته في السياسة الإقليمية لكل من الإمارات والسعودية، فليس بمستغرب حصوله على عطايا من هؤلاء الحكام. ومطلوب من السيسي أن يحدث الحضور بمؤتمر الشباب عن حقيقة هذا الأمر، هل تقاضي بشكل شخصي هدايا وأموال -على نسق رزاق والبشير- من حكام الخليج أم لا؟
الجيش والبنوك المصرية
بعد ثورة 25 يناير المباركة بشهور، أعلن الجيش إقراض وزارة المالية مليار دولار، وتم استردادها فيما بعد، في أقل من عام، ولكن رئيس شركة أبو زعبل للصناعات الحربية، والذي انتقلت شركته للإنتاج المدني بشكل كبير، صرح لـ "رويترز" منتصف 2018، بأنه أصبح لا يعاني من أية مشكلات في الحصول على التمويل لمشروعاته.
فمن قبل كان يتقدم للبنوك بطلب للحصول على التمويل، وينتظر دوره، ولكن الآن، مجرد أن يخطر مكتب اللواء العصار وزير الإنتاج الحربي، بحاجته لـ 40 مليون جنيه أو 60 مليون جنيه، يحصل عليها في اليوم الثاني. ومن هنا على السيسي أن يحدث الحضور بمؤتمر الشباب بحقيقة الوضع المالي للجيش، وعلاقة الجيش بالبنوك المصرية، ما هي قيمة القروض التي حصل عليها الجيش من البنوك بعد انقلاب 3 من يوليو/تموز 2013، وكذلك قيمة ودائع الجيش بالبنوك.
ضبابية ضمانات القروض الخارجية
قفزت القروض الخارجية لمصر في مارس/آذار 2019 إلى 106 مليار دولار، بعد أن كانت بحدود 43 مليار دولار بعد انقلاب 3 من يوليو/تموز 2013، ولاتزال خطة الحكومة هي التوسع في الاستدانة الخارجية. ولكن هذه القروض التي تم الحصول عليها، لن تكون بلا ضمانات للحفاظ على حقوق الدائنين.
في 2005 قدمت حكومة مصر صادرات مصر من النفط كمضان لحصولها على قرض قيمته 1.5 مليار دولار من سوق السندات الدولية، فما بالنا والسيسي أغرق مصر في ديونها الخارجية إلى هذا الحد المخيف!! إذا ما هي الضمانات التي قدمتها مصر للدائنين للحصول على هذه القروض، التي يعلم الجميع أنه يتم التصرف فيها من خلال شخص السيسي على مشروعات بلا عائد يتناسب مع طبيعة سداد هذه القروض.
وعلى السيسي أن يعلن لحضور المؤتمر خطته لسداد هذه القروض، وكذلك الضمانات التي ارتضاها الدائنون للقبول بتقديم قروضهم لمصر، التي تعاني من وضع مالي متأزم.
اتفاقيات حقول الغاز المجهولة
إبان عهد مبارك، عندما ثار أهالي دمياط ضد مشروع أغريوم لصناعة الأسمدة، وتعقدت الأمور، أعلن مسؤول الشركة الأجنبية أنه ما لم تقدم له الحكومة المصرية موقعًا بديلًا، فسوف يعلن أسماء مسؤولين حصلوا على 20 مليون دولار رشوة لتسهيل إصدار تراخيص المشروع. فما بالنا الآن وحقول الغاز الطبيعي تتهافت عليها ايطاليا وانجلترا وروسيا وقطر والإمارات وماليزيا؟
لابد وأن يعلن السيسي أمام حضور المؤتمر مضمون هذه الاتفاقيات، وما حصلت عليه مصر، وما حصلت عليه هذه الشركات، وبخاصة أن الشركة الإيطالية أخذت في توزيع حصتها الأم على باقي الدول، وكأنها الدولة الأصيلة صاحبة آبار الغاز، وليس مجرد شركة مستثمرة.
ختامًا فالوضع المالي برمته في مصر محل تساؤلات كثيرة، حيث تغيب الرقابة الحقيقية سواء من قبل مجلس النواب، أو الأجهزة الرقابية الأخرى، كما تنعدم الرؤية الاقتصادية والمالية للقدرة المستقبلية للدولة على سداد القروض المحلية أو الأجنبية.
كما أن قانون صندوق مصر السيادي، قلص كافة السلطات في يد شخص السيسي، وأعطى لمجلس إدارة الصندوق الحق في التصرف بالأصول الرأسمالية للحكومة وقطاع الأعمال العام _سواء كانت مستغلة أو غير مستغلة- بالبيع والإيجار أو المشاركة، أو تغير نظام الإدارة بها، دون أن يكون لمجلس النواب أو الأجهزة الرقابية الحق في مراجعتهم.
وعلى السيسي أن يحدث حضور المؤتمر أسباب تقليص صلاحيات مؤسسات الدولة، والاحتفاظ لنفسه بكل هذه الصلاحيات للتصرف في ثروات مصر، عبر الأصول الرأسمالية للحكومة وقطاع الأعمال العام.
إن الهجوم على شخص محمد علي من قبل السيسي والمشاركين في المؤتمر، وكذلك أجهزة الإعلام لنظام السيسي، لن يجدي شيئًا أمام العقيدة التي ترسخت لدى رجل الشارع بوجود فساد في رأس السلطة، من شأنه أن يضيع مستقبل البلاد. ولكن المطلوب والذي سيرتضيه الشعب، هو الشفافية والإجابة عن كل ما يتعلق بالأمور المالية لشخص السيسي ونظامه.
أضف تعليقك