• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وبعفوه تغفر الذنوب والسيئات، وبكرمه تقبل العطايا والقربان، وبلطفه تستر العيوب والزلات، الحمد الله الذي أمات وأحيا، ومنع وأعطى، وأرشد وهدى، وأضحك وأبكى(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (الإسراء: 111).
 
الله أكبر  الله أكبر ما لبس الحجيج ملابس الإحرام، الله أكبر ما رأوا الكعبة فبدءوها بالتحية والسلام، الله أكبر ما استلموا الحجر وطافوا بالبيت وصلوا عند المقام، الله أكبر ما اهتدوا بنور القرآن وفرحوا بهدي الإسلام، الله أكبر ما وقف الحجيج في صعيد عرفات، الله أكبر ما تضرعوا في الصفا والمروة بخالص الدعوات، الله أكبر ما غفر لهم ربهم وتحمل عنهم التبعات، الله أكبر ما رموا وحلقوا وتحللوا ونحروا فتمت بذلك حجة الإسلام، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وكثيرًا،
الحمد لله الذي جعل الأعياد في الإسلام مصدرًا للهناء والسرور،، الحمد لله الذي تفضل في هذه الأيام العشر على كل عبد شكور، سبحانه غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب...
الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً....
ربنا لك الحمد سرًّا وجهرًا، ولك الحمد دومًا وكرَّا، ولك الحمد شعرًا ونثرًا.
لك الحمد يوم أن كفر كثير من الناس وأرشدتنا للإسلام، لك الحمد يوم أن ضل كثير من وهديتنا للإيمان، لك الحمد يوم أن جاع كثير من الناس وأطعمنا من رزقك، لك الحمد يوم أن نام كثير من الناس وأقمتنا بين يديك من فضلك:
والله لولا الله ما اهتدينا      ولا تصَدَّقنا ولا صلينا 
فأنزلَن سكينة علينا      وثبتِ الأقدامَ إن لا قينا
فلك الحمد ربنا عدد الحجر.. لك عدد الحمد عدد الشجر.. لك الحمد عدد البشر.
أيها المسلمون عباد الله: الأعياد في الإسلام تبدأ بالتكبير، وتعلن للفرحة النفير، ليعيشها الرجل والمرأة، ويحياها الكبير والصغير، أعيادنا تهليل وتكبير
إذا أذنا كبرنا الله، وإذا أقمنا كبرنا الله، وإذا دخلنا في الصلاة كبرنا الله، وإذا ذبحنا كبرنا الله، وإذا ولد المولود كبرنا الله، وإذا خضنا المعارك كبرنا الله، وإذا جاء العيد بالتكبير استقبلناه، قلنا الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إنه تنفيذ لتوجيهات الله (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185).
كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قبة في منى، فإذا جاء العيد كبر عمر، فكبرت منى، فكبرت الأرض، وكأنك أمام أمة تعلن أن الخنوع والخضوع لا يكونا إلا لله، وأن الذلة والانكسار لا يكونا إلا لذات لله، وأن الاستمداد والاستلهام لا يكونا إلا من الله، وأن العون والتوكل لا يكونا إلا على الله، وأن الحفظ والاستعانة لا يكونا إلا بالله سبحانه وتعالى.
العيد كلمة ذات معنى:
العيد: هو كل يوم فيه جمع، وأصل الكلمة من عاد يعود، قال ابن الأعرابي: سُمِّيَ العيد عيدًا لأنه يعود كل سنة بفرحٍ مجدد. (لسان العرب). العيد في الإسلام كلمة رقيقة عذبة تملأ النفس أنسًا وبهجةً، وتملأ القلب صفاء ونشوة، وتملا الوجه نضارة وفرحة، كلمة تذكر الوحيد بأسرته، والمريض بصحته، والفقير بحاجته، والضعيف بقوته، والبعيد ببلده وعشيرته، واليتيم بأبيه، والمسكين بأقدس ضرورات الحياة، وتذكر كل هؤلاء بالله، فهو سبحانه أقوي من كل قوي(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21)، وأغنى من كل غني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)، وأعز من كل عزيز (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26). الأعياد في الإسلام ليست انطلاقًا وراء الشهوات، وليست سباقًا إلى النزوات، وليست انتهاكًا للمحرمات، أو سطوًا على الحدود أو الحرمات.
 
الأعياد في الإسلام طاعة تأتي بعد الطاعة: عيد الفطر ارتبط بشهر رمضان الذي نزل فيه القران، وفيه الصوم الذي يذكر بهدي القران..!! موسم يختم بالشكر والتكبير (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185)، وعيد الأضحى ارتبط بفريضة الحج، موسم يختم بالذكر والتكبير (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة: 203). ذكريات تتجدد عبر الزمان والمكان، وتحياها الأجيال جيلاً يعد جيل، فتتعمق إيمانًا، وتتألق يقينًا، وتزداد صفاء ولمعانًا، عشرة أيام، كل يوم بليلته يهب على قلبك المكدود، يضخ فيه الدماء، وينبت فيه الحياء، ويجدد فيه الروح، ويزيد فيه الإيمان، كل يوم بليلته يناديك، يا باغي الشر اقصر ويا باغي الخير اقبل، يا نفوس الصالحين افرحي، ويا قلوب المتقين امرحي، يا عشاق الجنة تأهبوا، ويا عباد الرحمن ارغبوا، ارغبوا في طاعة الله وفي حب الله وفي جنة الله.. فطوبى للذين صاموا وقاموا، طوبي للذين ضحوا وأعطوا، طوبى للذين كانوا مستغفرين بالأسحار، منفقين بالليل والنهار.. ما أعظم هذا الدين، وما أجمل هذا الإسلام، يدعو الله عز وجل عباده لزيارة بيته الحرام، الذي جعله مثابة للناس وأمنًا ليجمعوا أمرهم، وليوحدوا صفهم، ويشحذوا هممهم، وليقضوا تفثهم، وليطوفوا بالبيت العتيق، نفحات الله، ورحمات الله، ونظرات الله، كانت بالأمس القريب في أفضل يوم، عرفات الله، يوم المناجاة، يوم المباهاة، يوم الذكر والدعاء، يوم الشكر والثناء، يوم النقاء والصفاء..!! يوم إذلال الشيطان المريد واندحاره، يوم غيظ إبليس الملعون وانكساره..!! يوم وحدة المسلمين العظمى، يوم مؤتمر المؤمنين الأكبر، مؤتمر سنوي يجتمع فيه المسلمون من أجناس الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، على اختلاف لغاتهم وأوطانهم، اجتمعوا في هذا المكان لهدفٍ واحدٍ ولربٍّ واحد، يرجون رحمته ويخافون عذابه، إنهم يصنعون وحدة الهدف، ويبنون وحدة العمل، إنهم جميعًا مسلمون، لرب واجد يعبدون، ولرسول واحد يتبعون، ولقبلة واحدة يتجهون، ولكتاب واحد يقرؤون، ولإعمال واحدة ويؤدون...!! هل هناك وحدة أعظم من هذه الوحدة؟! ليكن ذلك سبيلاً إلى سلامة العبادة وصحة العقيدة (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92)..!! ليكن ذلك طريقًا لبلوغ التقوى وزيادة الإيمان (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)، الإسلام يوحد الأمة فلماذا تتشتت؟!، الإسلام يعز الأمة فلماذا تذل؟!، الإسلام يغني الأمة فلماذا تفتقر، الإسلام يهدي الأمة فلماذا تضل؟! (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (آل عمران:101)..! نعم إنه يوم عرفة..!! (... فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ) (البقرة:198)
 
إنها مشاعر لا توصف، وأحاسيس لا تكتب، إنما يتذوقها الذي يؤديها، ويستشعرها الذي يحضرها، ويحسها الذي يلبي نداءها، فينظر الكعبة، ويعانق الحجر، ويصلي عند المقام، يسعى كما سعت هاجر عليها السلام، ويضحي كما ضحى إبراهيم عليه السلام، ويطيع كما أطاع إسماعيل عليه السلام، ويطوف كما طاف محمد عليه الصلاة والسلام، ويقبل الحجر كما قبل عمر رضي الله عنه، فقط عن حب ورغبة وإخلاص، لعل قدم تأتي مكان قدم، وطواف يأتي مكان طواف، وسعي يأتي مكان سعي، فيزداد الإيمان ويكون الغفران، وينتشر الأمن ويأتي الأمان.......!!!
 العيد يوم الفداء:
عيد الأضحى يوم التضحية والفداء، يوم الفرح والصفاء، يوم المكافأة من رب السماء، للنبيين الكريمين إبراهيم وإسماعيل صاحبي الفضل والعطاء، أراد الأعداء بإبراهيم سوء لكن الله لطمهم وأبعدهم وجعلهم من الأسفلين، كما يجعل كل أعداء الدين إلى يوم الدين (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) (الصافات: 98) أما إبراهيم عليه السلام فله شأن آخر وطريق آخر، وهدف آخر (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات: 99)..! رجاء مشروع، يريد فقط الصالحين لإصلاح الأرض، وبناء التوحيد (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات: 100) ودعاء المخلصين مسموع ومجاب في التو واللحظة (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات: 101) طريق الأنبياء هكذا، والتابعين من الموحدين هكذا، السماء تتعاون مع المصلحين، مع الموحدين، مع المخلصين، العاملين للدين، تمهد طريقهم، وتزلل عقباتهم، تجبر كسرهم، وتحقق رغباتهم، وتنصر أهدافهم...!! إبراهيم عليه السلام يمتحن ليمنح، ويختبر ليعلو، ويبتلي ليسموا (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) (الصافات: 102) بدأ يمشي وهنا أعظم مرحلة الحب من الوالد لولده..!! لكن الله أراد إخلاص قلبه وتمحيص فؤاده، واصطفاء نفسه، واجتباء وجهته..!! (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102) رؤية فيها ذبح الابن طاعة لله، ويبلغ الابن من الوالد ذاته..!! (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) ليعي دعاة اليوم وعلماء التربية هذا الأسلوب الرائع، من الحب التبادل، والأدب المتبادل، في أحلك الظروف، وأشد المحن، وأصعب المواقف...!! فيرد الغلام بنفس المستوى من الشجاعة والإخلاص، من التضحية والفداء من الأدب الرفيع، والذوق العالي، وتقديم المشيئة لان الموقف موقف فتنة، ولا ينتصر عليها المرء، ولا يخرج منها المبتلى إلا بإذن الله..! وعون الله..! وفضل الله..! (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102) وجاءت لحظة الحسم...!! (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (الصافات: 103) فكان الاستسلام من النبيين لأمر الله، وكان الحب من الكريمين لطاعة الله بنفس المستوى، وذات الأداء "اسلما"، وهنا تدخلت السماء، الله شهد الموقف، وصدق عليه.. فنادى..! وجازي.!! (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ *قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 105).. امتحان ما أشده..! اختبار ما أصعبه..! ابتلاء ما أعظمه..!! (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِين) (الصافات: 106) لكن إبراهيم عليه السلام اجتازه بامتياز مع مراتب الشرف، بتوفيق الله له مع منازل الإخلاص، وبعون الله له مع مقامات اليقين..!! فكان الفداء من السماء في يوم الفداء (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: 107)..!! ليعلو ذكر آل إبراهيم في العالمين (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الصافات: 108-109) وهذا المنح لا يقتصر على آل إبراهيم فقط وهذا الاصطفاء (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33) لا يقتصر على هؤلاء فقط وإنما لكل المحسنين والمخلصين العاملين لله إلى يوم الدين من الناس أجمعين (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: 110) (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (الحج:75)....!! ثم خاتم الإيمان لإبراهيم في شهادة تقدير من رب العالمين (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (الصافات: 111)..!! هذا التقدير وهذا الاصطفاء في الدنيا والآخرة له ولمن لا يسفه نفسه بالرغبة في طريق آخر...!! (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130) ليت الأمة تتعلم الفداء، فالإسلام تكاثر عليه الأعداء، تكالبت عليه الأكلة من الأمم، حرق كتابه، واستهزئ بنبيه، تعطلت الحدود وازداد الصدود، سلبت المقدسات وانتهكت الأعراض، سفكت الدماء واضطهد العلماء...!! أصبح الإسلام غريبا في وطنه..!!، وأمسى الدين طريدًا بين أهله..!! من له؟ من يفديه؟! من يضحي من أجله..؟! ألا من إبراهيم جديد في الأمة يترك رضيعه وزوجه في الصحراء وينطلق.. (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات: 99)..مهاجر إلى ربه (..إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (العنكبوت: 26).. ليس لإبراهيم فحسب (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء: 100)..! أسرة ثابتة قدمت للإسلام، وعاشت الإيمان واليقين، ألا من هاجر جديدة تفدي الإسلام وتعلم المسلمين حقيقة التوكل وروعة اليقين في الله رب العالمين، (إذن لن يضيعنا)..!! وكذلك جمال السعي إلى يوم الدين..!! ألا من إسماعيل جديد يقدم روحه ونفسه وحياته طاعة لربه، وتنفيذًا لا مره، وطلبًا لرضاه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102)..!! الإسلام أحوج ما يكون الآن إلى مضحين ومفدين، من أوقاتهم ومن أموالهم ومن أبنائهم، ومن كل ما أعطاه الله لهم، حتى يسمو الفرد وتعلو الأمة، حتى ينتصر الدين وتعلو راية الحق المبين؟! من يسمو ومن يفر ويجري؟! من يمسك ومن يعطي ويفدي؟! فمن يطع ومن يرغبو يعصي (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130) العاملون للدين يضاعف الله أجرهم، ويسهل الله طريقهم، ويرفع شانهم، ويعلي الله ذكرهم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً) (مريم:41).. (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) (مريم:54) فتذكرهم الأجيال جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
 
العيد في الإسلام فرح الأفراح:
 لكن لمن هذه الأفراح؟!
هل للذين جاءهم موسم الحج فوجدهم يسرقون وينهبون؟!، أو يرتشون ويستغلون؟! هل للذين ينافقون ويكذبون؟! أو يغشون ويداهنون؟! هل الذين يظلمون ويستبدون؟! أو يأكلون أموال اليتامى ظلمًا؟! أو يتعدون حدود الله بغيًا؟! أو يرفضون قوانين السماء عنادًا وكفرًا؟! هل الذين يقضون ليلهم في مشاهدة المسلسلات الهابطة، والأفلام الخليعة، هل الذين يقطعون نهارهم في غفلة ساهون، وفي غيهم سادرون؟! ثم لا يتوبون..! كلا..!! إلا من رحم ربي.!
فليفرح هؤلاء فرحًا زائلاً، فرحًا زائفًا، فرحًا غير مشروع...!!! لأنه فرح بغير الحق (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) (غافر: 75)
فرحهم زائف كفرح قارون الملعون (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص: 76)
فرحهم مؤقت كفرح هؤلاء (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (الأنعام: 44).
فرحهم مكذوب غير صحيح، ومنقوص غير كامل، لأنه فقط مرتبط بالدنيا وشهواتها ونزواتها ومتاعها (وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) (الرعد: 26)
أما لو تابوا، واقلعوا، وندموا، ولم يصروا على العودة إلى المعاصي، وحققوا شروط التوبة، فإن الله يقبلهم ويسامحهم، ويعفو عنهم، مهما كانت ذنوبهم عظيمة فالله أعظم، ومهما كانت سيئاتهم كبيرة فالله أكبر، ومهما كانت آثامهم كثيرة فعفو الله أكثر (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
فرحة العيد لمن؟!
للذي جعل يديه ممرًا لعطاء الله، راح ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية، بكرة وعشية....!! الذي يهتم بأمر المسلمين، فيصلح بين المتخاصمين، ويضع عن كاهل المستضعفين، ويدعو للمحاصرين، للذي كان وقافًا عند حدود الله لا يتعداها، ولا ينساها، إنما يحفظها ويرعاها.
للذي هو لينا في طاعة الله، مطواعًا لأمر الله، محبًّا لرسول الله، عاملاً بمنهج الله، إذا قرئ عليه القرآن سمع وأنصت، وإذا نودي بالإيمان، أمن ولبي (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) (آل عمران: 193).
للذي أحسن إلى والديه، طائعًا لهما في غير معصية، بارًّا ورحيمًا بهما.
للذي يقرأ القرآن بتدبر وتفكر، ويصلي بخشوع وخضوع، ويعمل لدينه بفهم صحيح.
للذي يحافظ على صلاة الجماعة، وخاصة صلاة الفجر التي تشهدها الملائكة وتصغرها الدنيا وما فيها.. "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" صححه الألباني.
"يفرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضيًا" صحيح ابن خزيمة.
 
 
هؤلاء فرحوا بطاعة ربهم يؤدون هذه الأعمال لا يملون ولا يكلون، وهم على عهدهم ووعدهم وأعمالهم لا ينقطعون ولا يفرطون وإنما على أعمالهم يستقيمون...!! لا يعبدون..!! أحجار ولا أشجار وإنما يعبدون رب الأحجار ورب الأشجار ورب كل شيء لذلك هم أصحاب الفرح وملوكه، يفرحون فرحًا محمودًا، يفرحون فرحًا مشروعًا، يفرحون بطاعة الله، يفرحون بفضل الله، ويفرحون برحمة الله (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58 ).. كما يفرحون ببذلهم أرواحهم في سبيل الله (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران: 170). عمير بن الحمام الأنصاري، اخرج ثمرات من قرنه، شرع يأكلها، ثم طوح بها يقول: لأن أنا حييت حتى أكل ثمراتي هذه، إنها حياة طويلة وانشد:
ركضـــًا إلى الله بغـير زاد         إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد         وكل زاد عرضه للنفاد
         غير التقى والبر والرشاد
وكما يفرحون بلقاء رسول الله: كان بلال رضي الله عنه يقول وهو يجود بنفسه لله: وأفرحتاه غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه.
فطوبى لشاب نشأ في طاعة لله، وطوبى لرجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، وطوبى لفتاة أمرت بالحجاب فقالت لبيك يا الله، وطوبى لامرأة أطاعت زوجها وصامت شهرها وصلت خمسها حبًّا في الله، وطوبى لمن أطعم أفواهًا، وكسا أجسادًا، ورحم أيتامًا، ووصل أرحامًا.
جهاد مستمر:
احفظوا الله في فروضه وحدوده وعهوده، يحفظكم في دينكم وأموالكم وأنفسكم، كونوا مع الله يكن الله معكم، في حلكم وترحالكم، في حركاتكم وسكناتكم، في يسركم وعسركم، في قوتكم
وضعفكم، في غناكم وفقركم، جاهدوا أنفسكم، وجاهدوا الخلوف المترددة، الملتوية المتقلبة، بالنصيحة، وبالحكمة والموعظة الحسنة، ففي ذلك دليل الإيمان: عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" رواه مسلم.
 يقول ذو النون: إنما تنال الجنة بأربع، استقامة ليس فيها زوغان، وجهاد لا سهو معه، ومراقبة لله في السر والعلن، ومحاسبة للنفس قبل أن تحاسب، والاستعداد للموت بالتأهب له
غدًا توفى النفوس ما كسبت       ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم       وإن أساءوا فبئس ما صنعوا..
 أيها المسلمون: أعيادنا يوم تحرير الأرض والعرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أن تتحرر النفوس من الشهوات والملذات، ويوم أن تتحرر القلوب من الكذب والنفاق، ويوم أن تتحرر الصدور من الشحناء والبغضاء، ويوم أن تتحرر الحقوق من قيود الفساد والاستبداد، فيبذل كل ذي واجب واجبه غير مقصر، وفيأخذ كل ذي حق حقه لا يزيد. أعيادنا يوم يتحرر المحاصرون، من الظلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المتراكم، من الصديق قبل العدو، ومن القريب قبل البعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالي. أعيادنا يوم أن يتحرر الأقصى المبارك من براثن اليهود، ومن بطش اليهود، ومن ظلم اليهود وغير اليهود.
 
أيها المسلمون: أنتم مأمورون بالفرحة في هذا اليوم كنتم في طاعة، وتنتقلون إلى أخرى، افرحوا ولكم الأجر (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58). فاجعلوا هذه الأيام، أيام العيد فرح لا ترح، أيام اتفاق لا اختلاف، أيام سعادة لا شقاء، أيام حب وصفاء، لا بغضاء ولا شحناء، تسامحوا وتصافحوا، توادوا وتحابوا تعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، صلوا الأرحام، وارحموا الأيتام، تخلقوا بأخلاق الإسلام، اللهم تقبل من واقبلنا واجعلنا من المقبولين، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وصلى الله على محمد وعلى أهله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليقك