• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: سليم عزوز

كان الأسبوع الماضي، هو أسبوع الشهادات لصالح قناة «الجزيرة»، وبامتداد دول الحصار، ومن القاهرة إلى أبو ظبي، بدأت بمستشار ابن زايد، واكتملت بالأبواق الإعلامية لعبد الفتاح السيسي، وقديما قيل: والحق ما شهدت به الأعداء!

فقد كانت مفاجأة أن يكتب الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: «أقولها بصراحة خطابهم الإعلامي أقوى تأثيراً في الرأي العام العربي والعالمي من خطابنا الإعلامي». وإذا كان لم يوضح المعني بمن يقصد بخطابهم الإعلامي، مما جعل هناك من يدخلون على الخط باعتبارهم معنيين بذلك، على أساس أنه يعني إعلام الثورة بشكل عام، فإن هذا يسري عليه شعار «القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، كما لا نظنه يقصد التلفزيون القطري، أو قناة «الريان» القطرية، فالمعنى الذي هو في بطن القائل بهذا الكلام هو قناة «الجزيرة»، التي استعادت لياقتها بالحصار، ووقفت على خط النار، لتعطي درساً جديداً في إعلام الحروب، بدلاً من الدرس العربي البائس، الذي مثلته إذاعة «صوت العرب» في حرب يونيو/ حزيران 1967، ومثله الإعلامي الأشهر أحمد سعيد، الذي مكن لنا خطابه من هزيمة إسرائيل، ورفع العلم المصري في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تكن الأزمة يتحملها الإعلام وحده، ولكنها جريمة مضافة إلى جرائم الاستبداد، الذي يلخص تعريف الإعلام لديه بأنه «بوق»، ولم تكن «الجزيرة»، وهي تخوض هذه المعركة تبدو أمام المشاهد بوقاً لأهل الحكم في قطر، من منطلق إذاعة «صوت العرب»، إذ لخسرت المعركة من أول نظرة!

وإذ حاول البعض الإجابة على سؤال، لماذا كان خطابهم الإعلامي أقوى تأثيراً في الرأي العالم العربي والعالمي (لم يصل إعلام الثورة إلى حد التأثير في الرأي العام العالمي) فلأن الأمر مرتبط بعدة عوامل لها مجتمعة الفضل في هذا!

فالخطاب ينطلق من قناة تمسكت بالموضوعية، حتى وهي في حالة حرب، وحرصت على وجود الرأي الآخر، ولم تكن تتجاهل خطاب دول الحصار، بل احتفت به وأبرزته، وأذاعت مطالب هذه الدول وهجومها على قطر وعلى القيادة القطرية، وهو أمر لو أخذناه بعيدا عن رسالة «الجزيرة»، التي ألزمت نفسها بها، والدولة التي تملكها تتعرض للحصار ومهددة بالغزو، والقناة نفسها مهددة بالقصف، فإنها بذلك كسبت ثقة المشاهد بإثبات الحرص على الموضوعية من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا يدخل في باب المكايدة، ومعنى ترديد كلام خصمك في حقك، أنك لا تكترث به، ولا تراه يمثل أي قيمة، وهو يدخل في الثقافة الشعبية المصرية في الفصل المعنون بـ «كيد الضرائر»، وهو أشد أنواع الكيد فتكاً، لأنه ينطلق من نفس هادئة أو تدعي الهدوء، مدفوعاً بأعصاب باردة أو تدعي البرود!

الهجوم على قطر

وليس لدى القوم خطوط حمر، خارج القواعد المهنية، والبعض مثلاً يرى أنه من الشجاعة أن يهاجم قطر في عقر دارها، فيخرج بعيداً عن الموضوع ويهاجم الدولة، ويفاجأ بعدم مقاطعته، وهؤلاء غير متابعين، لأن هذه الكلام معاد ومكرر، والذي يبدأ بوجود القاعدة الأمريكية على أرضها، وفي برنامج «الاتجاه المعاكس»، كان فيصل القاسم يكمل «الباقة» بأن قطر فيها قاعدة أمريكية، وكل الكلام الذي يمكن أن يُقال ردده أحمد منصور (الذي طال غيابه عن الشاشة) مع وزير الخارجية القطري الأسبق الشيخ حمد بن جاسم قبل سنوات، ومنها أنتم دولة صغيرة، وتقبل الرجل الأمر بأريحية كاملة، فقطر لا تدعي أنها دولة كبيرة، ولا تتصرف على أنها قوى عظمى. فماذا بقي من مسببات الإحراج؟!

الحساسية كانت في كل ما له صلة بالمملكة العربية السعودية، في فترة شهر العسل بين قطر والسعودية، لاسيما في بداية عهد الملك سلمان، ومن حظ المشاهد أنها لم تستمر طويلاً، فقد أخذ محمد بن زايد، محمد بن سلمان، بعيداً، بعد أن أغواه بقدرته على تمهيد الأجواء الأمريكية لقبوله ولياً للعهد استعداداً لأن يكون ملكاً، واندفع الفتى معه لا يبقي على شيء، وأخذه إلى اليمن مقبرة الغزاة، في حرب تدمير، قبل أن يبيعه في «محمد محمود»، أقصد في عدن، وعذراً فكل عمليات الخذلان ارتبطت لدى القوى السياسية في مصر بأن الإخوان باعونا في «محمد محمود»، يقصدون أحداث شارع محمد محمود القريب من ميدان التحرير، والذي شهد اعتداء الشرطة على المتظاهرين!

يقوم الواحد من هؤلاء وينام، على نغمة واحدة «الإخوان باعونا في محمد محمود». لماذا كنتم كالتي نقضت عزلها من بعد قوة أنكاثاً، ومكنتم العسكر من الثورة؟ يردون «الإخوان باعونا في محمد محمود». لماذا تحالفتم مع الثورة المضادة ضد مكون رئيسي في الثورة المصرية؟ «لأن الإخوان باعونا في محمد محمود». لماذا أعلنتم الشماتة في المجازر وقتل الآلاف وحرق الجثامين؟! «لأن الإخوان باعونا في محمد محمود». ولماذا تأخرت في الزواج؟ «لأن الإخوان باعونا في محمد محمود». ولماذا لا تحلق ذقنة كل صباح؟ «لأن الإخوان باعونا في محمد محمود»!

وعملية البيع في «محمد محمود» فيها وجهات نظر، لكن البيع في عدن، والذهاب إلى طهران، بدون تنسيق مع الحليف السعودي، هو خيانة حقيقية، تأتي استكمالاً لمهمة قديمة، يلزم بها محمد بن زايد نفسه، وهي تدمير المملكة وتفتيتها، فهو يحمل الخراب للمنطقة، وحرب اليمن تحولت إلى حرب استنزاف، ولم يعتبر القوم من دروس التاريخ وما جرى للجيش المصري هناك، وإذا استمرت هذه الحرب لثلاث سنوات أخرى فقل على المملكة العربية السعودية يا رحمن يا رحيم!

قدر ولطف

ما علينا، فقد كان الكلام الوحيد، الذي يسبب إحراجا لـ«الجزيرة» هو ما يخص العربية السعودية، وقد رحم الله المشاهدين من استمرار شهر العسل، علم الله أن فيكم ضعفا، فقدر ولطف!

وكان لافتا أن «الجزيرة» أذاعت مطالب دول الحصار، كما أذاعت كل بياناتهم، ونقلت المؤتمرات الصحافية الخاصة بوزراء خارجية هذه الدول على الهواء مباشرة، فلم يجد المشاهد نفسه بحاجة إلى أن يشاهد قناة «العربية»، وأختها من الرضاعة «الحدث»، أو جارتهما بالجنب «سكاي نيوز عربية»، طبعا لا نتحدث عن «زفة العوالم» التي كانت منصوبة في محطات عبد الفتاح السيسي الفاقدة للثقة والاعتبار، القنوات الثلاث مع أنها لا تختلف عن محطات القاهرة في الأداء، إلا أنها مثلت سلاح دول الحصار في مواجهة «الجزيرة»، التي تتجدد خلايا جسمها في الأزمات، فما بالنا ونحن أمام حادث جلل!

ومن الأسباب التي جعلت «خطابهم الإعلامي أقوى تأثيرا في الرأي العام العربي والعالمي من خطابنا الإعلامي»، حسب عبد الخالق عبد الله، هو عدالة القضية، فقد وقف الرأي العام العربي والعالمي، على أن هذا الحلف ضد قطر لم يؤسس على التقوى من أول يوم، ولكنه «تجمع ضرار»، يريد أن ينزل العقاب على دولة ناصرت محطتها التلفزيونية ثورات الشعوب، وانحازت لقضايا الحريات، ومثلت صوتاً للمواطن وليس للحكام!

وكانت الدفعة المهمة هي في رقي الخطاب، وإذ استضافت الجزيرة بعض الإعلاميين والأكاديميين القطريين في استوديوهاتها، فقد أدهشوا «الرأي العام العربي والعالمي» بأدبهم، فلم ينزلقوا إلى الوحل، الذي كان يتمرغ فيه إعلام دول الحصار، ولم يسبوا أو يهجوا، ولم يخوضوا في الأعراض ويتطاولوا على حرمات البيوت، ولو من باب رد الإساءة بمثلها، ولم تطلق الدوحة لجانا الكترونية، كما فعلت دول الحصار، وبحسابات وهمية، كانت رسالتها تقوم على السب، واللعن، والتجاوز، فقد تُرك الأمر للقطريين، الذين أبهروا الناس بعدم انزلاقهم إلى هذا المستوى، والرد على الإساءة بمثلها!

وأزمة إعلام دول الحصار، هو في جهله بطبيعة الشعوب العربية، ومن يهبط إلى مستوى الخوض في الأعراض، فقد خسر قضيته من أول جلسة، وبدون الاستماع إلى ما بعد هذا من دفوع وحجج!

الشهادة الثانية

أما الشهادة الثانية لصالح «الجزيرة»، فكانت من الرأي العام المصري، وعبر عنها صحافيون وكتاب على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تنقل إلى الاستوديوهات فيؤمنوا عليها ولا يجد البعض غضاضة في أن يعترف لها بالتفوق، وهزيمة الإعلام المصري، في موقعة تفجير معهد الأورام!

لقد ذهب المصريون إلى قناة «الجزيرة»، التي سارعت بالنقل على الهواء مباشرة، وقامت بتغطية مفتوحة لهذا الحادث الكبير، في وقت كان فيه الإعلام المصري يتجاهل الأمر برمته، وكان هذا الحادث هو إعلان وفاة له، فلم يكلف التلفزيون المصري، والقنوات التلفزيونية التي تديرها الأجهزة الأمنية وتملكها بإرسال كاميرا إلى هناك، أو بنشر خبر بما حدث، وعلم به المصريون من خلال قناة الجزيرة، التي لا يوجد لها مكتب في القاهرة، وحتى القنوات الأجنبية التي لها مكاتب في العاصمة المصرية، لم تذع الخبر، ولم ترسل كاميرا إلى مكان الانفجار، لتتأكد مقولتنا القديمة، وهي أن المكاتب الخارجية في كثير من الأحيان تكون عبئا وليست إضافة لوسائل الإعلام، لأن العاملين فيها يتحركون في الإطار المرسوم لهم، وأحياناً يتركون هامشاً عن هذا الإطار، حتى لا يقعوا في المحظور، ويخسروا الترخيص بممارسة العمل من الوقوع في هذا المحظور!

الغريب، أن التقصير لم يكن من جانب القنوات التلفزيونية فقط، فحتى الصحف والمواقع الإلكترونية لم تهتم بتغطيته، لسبب بسيط وهو أن الصحافي لا يأمن على نفسه عند ممارسته لعمله، كما أن الوسيلة الإعلامية لن تكون بعيدة عن الملاحقة الأمنية عند النشر، والقانون يلزم عند وقوع عمليات إرهابية، بأن يقتصر النشر على ما يذيعه المتحدث العسكري، وهو لم يذع الخبر حتى الآن!

إنه الاستبداد يا عزيزي!

أضف تعليقك