• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

 

بقلم.. عامر شماخ

معلوم أنه استمرت الاتصالات بين عبد الناصر والإخوان قبل قيام الثورة بصورة جيدة، لدرجة أنه لما أراد التعجيل بها بحيث تتم قبل موعدها بيومين، طلب لقاء الإخوان لاستشارتهم في ذلك، فنصحوه بعدم العجلة حتى يتم استطلاع رأى المرشد حسن الهضيبى الذي كان موجودًا بالإسكندرية وقتها، فوافق على ذلك، بل طلب استطلاع رأى الهضيبى في تولى الإخوان الحكم بعد الثورة. وقد جاء رأى المرشد بالموافقة، وتأييد الثورة وحمايتها، وطلب أن يبلغوا عبد الناصر بعدم إظهار أى علاقة للإخوان بها؛ كى لا يتدخل الإنجليز لإجهاضها.

 

 

 

وقد التقى كل من: صلاح شادى، حسن العشماوى، عبد القادر حلمى، فـــريد عبد الخالق -وهم الذين سافروا لاسـتطـــلاع رأى المـرشــد- عـبـد الناصر، في شـقة عبد القادر حلمى، وذلك يوم 22 من يوليو 1952م، وبعدما أبلغوه رسالة المرشد انتحى به صلاح شادى جانبًا، وطلب أن يقرأ معه الفاتحة أن تكون الحركة لله ولإقامة شرعه. فقرأها معه، وانصرف الجميع.

وقد قام رجال الإخوان من أعضاء التنظيم الخاص بحراسة المرافق ليلة الثورة، ؛ حيث لما أحس عبد الناصر وزملاؤه بتحرك بريطانى من السويس، أرسل الإخوان مجموعة من فدائيى الجماعة إلى الكيلو 96 لعرقلة تقدمهم، وقد ظلوا يحرسون الطريق عدة أيام.

ولما نجحت الثورة، اتصل عبد الناصر بالإخوان فجر يوم 23 من يوليو، وطلب منهم إرسال رسول إلى بيته لإبلاغ أسرته بنجاحهم وأنه بخير.

وكان من أسباب نجاح الثورة موقف الضابط سعد حسن توفيق، وكان من الضباط الأحرار ومن المنتمين للجماعة؛ إذ كان يعمل ضابطًا نوبتجيًّا برتبة رائد ليلة 23 يوليو في إدارة المخابرات الحربية.. وقد لاحظ وصول الفريق حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش إلى مكتبه حوالى الساعة 9 مساء، وبدأ في استدعاء قادة الجيش تليفونيًّا لحضور اجتماع عاجل بمبنى الرئاسة، فترك توفيق النوبتجية وذهب إلى منزل عبد الناصر في كوبرى القبة، طالبًا منه سرعة التصرف، وإحضار قوة للقبض على المجتمعين.

لكن لم تكد تمر عدة أيام حتى تنكر عبد الناصر لدور ضباط الإخوان في نجاح الثورة؛ إذ قال للمرشد في لقاء جمعهما يوم 28 من يوليو 1952م: “قد يقال لك إن احنا اتفقنا على شىء، إحنا لم نتفق على شىء”- وقد تناسى ما كان بينه وبين الأخ صلاح شادى. وبعدما استمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لعبد الناصر: “اسمع يا جمال، ما حصلش اتفاق، وسنعتبركم حركة إصلاحية، إن أحسنتم فأنتم تحسنون للبلد، وإن أخطأتم فسنوجه لكم النصيحة بما يرضى الله”..

فلما انصرف جمال قال المرشد للإخوان الذين حضروا الاجتماع (صالح أبو رقيق، صلاح شـادى، عبد القادر حلمى، حسن عشماوى): “الراجل ده مافهش خير، ويجب الاحتراس منه”.

ورغم ما جرى في هذا اللقاء، الذي بقى سرًّا في قلوب مَنْ حضروه فقط ولم يعلم به سائر الإخوان -فإن قادة الجماعة تعاملت مع من قاموا بالثورة باعتبارهم أشقاء مصلحين يستحقون العون والمساعدة، فأصدر الإخوان بيانًا يوم 2 من أغسطس 1952م باركوا فيه الحركة، وهنئوا الجيش، وطالبوا قادته بإجراء عملية إصلاح وتطهير شاملين، وأن يتوازى ذلك مع إصلاح خلقى ودستورى واجتماعى واقتصادى، وأن تُرد المظالم إلى أهلها، وألا يكون هناك تأخير في السعى من أجل الاستقلال وإخراج الإنجليز من مصر.

وقد أصر الهضيبى على موقفه من عبد الناصر ومن الثورة، رغم تغير ما حوله ومَنْ حوله من الشخصيات والهيئات.. يقول الأستاذ عباس السيسى: “حين قامت حركة 23 يوليو أسرع الزعماء والقادة إلى تأييد قادة الحركة ونشطت الصحف في نشر التصريحات والصور لمقابلاتهم، والكل يسعى للتقرب والبحث عن مكان الصدارة، ولكن المرشد تأخر بعض الوقت في زيارته لقادة الحركة. وبعد فترة نشرت الصحف صورة له مع اللواء محمد نجيب ومعهما الأستاذ سعيد رمضان وتحتها تصريح يقول فيه المرشد: “أتمنى أن تكون هذه الحركة خالصة لوجه الله تعالى”.

وقد سُئل الإمام الهضيبى مرة من بعض الإخوان: ألا تكون حركة الضباط بمثابة تقدم للدعوة مائة عام إلى الأمام؟! فأجاب بقوله: ولِمَ لا تقول إنها أخرت الدعوة مائة عام إلى الخلف!!

وفى المركز العام أبدى بعض الإخوان سرورهم بالحكم الذي صدر على إبراهيم عبد الهادي، فقال الأستاذ الهضيبى لهؤلاء الإخوان: لا تفرحوا كثيرًا، فسوف يأتى الدور عليكم قريبًا!!

يقول الدكتور أحمد الملط: “وكان الإمام الهضيبى بثاقب نظره منذ الأيام الأولى للثورة وبعد لقائه بجمال عبد الناصر مرات يقول: أخشى أن تزول أسرة محمد على لتأتى أسرة عـبد النـاصـر، وقـد كـان.. جـاء جـمـال عبد الناصر بنظامه، وكان أسوأ من حكم أسرة محمد على، فقد كان في ظل حكم أسرة محمد على بعض الحريات، أما في ظل حكم عبد الناصر فلم يكن غير القهر والإذلال.

 

 

وكان الهضيبى في لقاءاته مع عبد الناصر، يخرج بنتيجة هى أنه ليس صافى النية تجاه الإخوان. وكان يقول: “ربنا يخلصنا من الحركة دى لأن مستقبلها مظلم على الأقل إن لم يكن بالنسبة لنا فبالنسبة للإسلام”. وقد أثبتت الأيام فراسة الرجل ونفاذ بصيرته ورجاحة عقله.

 

 

ويقول الأستاذ عبد البديع صقر: كان الهضيبى يميل إلى استبعاد فكرة المشاركة في الحكم لدى الجماعة، وأذكر أن الهيئة التأسيسية انعقدت نحو ثلاثة أيام متتالية للبحث فيما عرضه محمد نجيب من مشاركة الإخوان بثلاثة وزراء، وقد مال الكثيرون من الإخوان لقبول هذا العرض؛ لا ميلًا إلى الدنيا ولكن لرفع سمعة الدعوة عند الناس ورفع معنوية الإخوان أنفسهم الذين لم يخرجوا من سجن إلا إلى سجن؛ فجاهد الهضيبى جهادًا عظيمًا لإقناعنا برفض هذه الفكرة، وكان من قوله: إن الحكومة وضعت قانون الإصلاح الزراعــى مثلًا وهو قانــون نافـــع، لكنه يجعل كل فلاح وكل مالك للأرض مرابيًا لمدة لا تقل عن عشرين عامًا، فلو رفضناه فقد رفضنا مشروعًا نافعًا وعارضنا الأمة، ولو قبلناه لقبلنا التفريط في مبادئنا. وكان يقول: إن الحكومة (ثورية) ومعنى هذا أنها ستتخذ إجراءات عنيفة لا تقرها مبادئ الإسلام، فلنتركها تبوء بهذا كله وننشغل نحن بتسديدها من بعيد دون مسئولية. إلخ.

 

 

ويقول في موضع آخر: “وكنا نسمع من الهضيبى كلمات قليلة تفيد وجوب التحفظ وعدم الاندفاع، فيقول مثلًا: “طولوا بالكم لما نشوف”، أو يقول: “الثورات لا عقل لها”، وعندما تأزمت الأمور وبدا وجه الثورة العنيف وتصرفاتها في مثل “قطار الرحمة” الذي كان يقوم برحلات في الأرياف لجمع التبرعات للفلسطينيين حاملًا أعدادًا من الممثلين والممثلات والراقصين الراقصات وصناديق الخمور، يقضى أسابيع وتبيع الممثلة القبلة بخمسين جنيهًا للأغنياء على الرصيف. عندما وصلت الأمور إلى هذا الحد كان الرجل يتمثل بقول الشاعر:) دعوتُ على عمرو فمات فسرنى… بُليتُ بأقوام بكيتُ على عمرو).

 

 

أما رأيه في جمال عبد الناصر فلم يكن يصرح به كما يقول الأستاذ عبد البديع صقر؛ لأنه كان رجلا عفَّ اللسان، وكان يحسب للغيبة ألف حساب، ويحذرنا من الخوض في الناس بقوله “هل نسيتم أن الغيبة من أكبر الكبائر؟” ولكن عندما كانت تعرض عليه الفتن الداخلية لتحطيم الجماعة ويتضح ارتباطها بوزارة الداخلية كان يقول لنا : “جمال ليس كما تخيلتم”.

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك