• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. سَليم عزوز

بدا وكأنه مقرر دراسي، جرى توزيعه على القوم وتكليفهم بطرحه: كم وجبة إفطار تشتري الصواريخ التي أطلقت من غزة؟!

في أول الأمر رأيت أحد الشيوعيين المصريين وقد طرح هذا السؤال على صفحته، ليس نقلاً عن أحد، ولم أهتم به؛ ذلك بأن هذا هو التطور الطبيعي في الموقف من القضية الفلسطينية، للشخصية الشيوعية، انظر كيف انتقل لطفي الخولي من «صقر» إلى «حمامة سلام»، ومن مقاتل بقلمه في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، إلى واحد من دعاة التطبيع والانبطاح. في السابق لم تجد السلطة في مصر بداً من إغلاق مجلة «الطليعة» التي كان يرأس تحريرها وتصدرها مؤسسة «الأهرام»، لأنها تقود المقاومة ضد إسرائيل، لكن في النهاية انتهى به المطاف إلى صاحب «بوتيك»، أو جمعية تروج للتطبيع، وتدعو له!

صاحبنا، كاتب المنشور إياه عن صواريخ حماس، في لحظة تطور طبيعي، وقد كتب أنه قرر تنظيم رحلات للقدس، وحجته في هذا أن «النضال الحنجوري» لم يعد بفائدة على القضية الفلسطينية. فكان واضحاً أنه تحول يتسق مع المرحلة الجديدة؛ فصاحبنا تحول إلى أديب وكاتب روائي، صدرت له رواية، ونجح في تسويقها بالكتابة عنها، ومن يدري فلعله يحلم بجوائز دولية، لا ينالها إلا من تجاوز مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، وربما يحلم بنوبل للآداب، التي قال الأديب الراحل يوسف إدريس، أنها تجاوزته نظراً لموقفه من إسرائيل، وذهبت لنجيب محفوظ، نتيجة موقفه المهادن، وإذا كان إدريس في لحظة فوز الأخير أصابه ما أصاب أخوة يوسف، فانطلق مهاجماً، وقد عُرف عنه بالتجاوز إذا غضب، فإنه في هذه لم يتجاوز الحقيقة كثيراً.

أدب نجيب محفوظ، يستحق نوبل ولا شك، لكن يوسف إدريس ليس أقل منه قامة في هذا المضمار، وفي تقديري أن الجائزة ما كان لها أن تكون من نصيبه، لو كان موقفه من القضية الفلسطينية هو ذات موقف يوسف إدريس، وليس هذا هو موضوعنا!

فاليساري في لحظة تطور، فقرر تنظيم رحلة سياحية إلى القدس منذ شهرين، واكتفى بالنشر على صفحته على «الفيس بوك»، لعله كان ينتظر ردة الفعل، وربما كان يبحث بالنشر عن ممول لهذه الرحلة، لينتقل من «النضال الحنجوري»، المرتبط بالكائن الشيوعي، إلى النضال على الأرض، بتحوله إلى سائح، وهو النضال المرتبط بالكائن الشيوعي أيضاً في لحظة تطوره، فلم يكن مفاجأة بالنسبة لي أن يطرح سؤاله: «كم وجبة إفطار تشتري الصواريخ التي أطلقتها حماس إلى إسرائيل؟»، لكن المفاجأة أن اللبناني «نديم قطيش» بقناة «العربية» طرح نفس السؤال، وليس مفاجأة أن يطرحه «نديم» في قناة هي في عداء مع العروبة وما تنتجه من مواقف، ومع الرجولة وما تفرزه من ممارسات، وهي محطة تلفزيونية تعادي الأمة وتاريخها وقضاياها، وتروج للتطبيع، وتدعو للانبطاح، وتسوق للقوة الإسرائيلية التي لا يغلبها غلاب!

فالمفاجأة لم تكن في «نديم قطيش»، وطرحه لهذا السؤال، لكن في أنه نفس السؤال الذي طرحه الشيوعي المصري المتقاعد، والذي دخل على «سكة الأدب»، لعله ينال حظه في الحياة الدنيا، وإذا كان قد فشل سياسياً، فربما ينجح في اتجاهه الجديد، فماذا بقي من الشيوعية وماذا بقي للشيوعيين العرب، إلا القيام بعملية شغب، في أوطان الربيع العربي، ليكونوا أحد معوقات التحول الديمقراطي. لقد نجحوا -يا إلهي- في إفشال ندوة أكاديمية بإحدى الجامعات التونسية، فهذا هو جل نضالهم!

المعلقون تولوا الرد على الموظف بقناة «العربية»، فأكدوا بهذا التدافع أن الأمة لا تزال بخير، لكن المدهش كان في أنه نفس السؤال الذي طرحه صاحبنا المصري، فذهبت لصفحته للوقوف على توقيت النشر، فمن نقل من الثاني، فوجدت الأخير وقد حذف تغريدته، لكني وقفت على ماهو أهم، فنفس السؤال طرحه أيضاً المتحدث باسم ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي «أفيخاي أدرعي»، وبصياغة مختلفة، فوقفت على من وضع المقرر الدراسي للمنبطحين العرب، وربما لم يكن من المقرر أن يغامر مؤلف الكتاب المدرسي بالكتابة، فلما وجد أن تلاميذه لم يؤدوا الغرض نزل بكل ثقله، فاستشعر الشيوعي المصري الحرج وحذف منشوره، لكن «نديم قطيش» لم يكن يمكنه هذا، لأن ما كتبه انتشر سريعاً، وتناوله المعلقون بما هو أهله. ورد السوداني «تاج السر عثمان» على السؤال المطروح بقوله: «أعتقد أنها تكفي لشراء ألف حزمة من العلف والشعير لك ولأمثالك»!

إنه حزب «أفيخاي أدرعي» إذن، وهو المؤلف المعتمد لدى جماعات الانبطاح، الذين أزعجتهم صواريخ المقاومة، وما تسببت فيه من ذعر حيث سقطت، والذعر الأكبر من هذا الانتصار الذي حققته المقاومة، فلم يجد «نتنياهو» من سبيل إلا أن يهرول إلى الصديق المصري، فيتدخل لدى حماس، فتملي شروطها هي!

قبل هذا الانتصار كان أحد المنبطحين العرب ويدعى «تركي الحمد» قد كتب من موقع المنتصر: «ويتكرر السؤال... إن لم تكن قادراً على دفع الثمن فلماذا تبدأ بإطلاق الصواريخ.. طبيعي أن إسرائيل لن ترد بباقات الزهور»!

وبعد الانتصار صار حريا به أن يوجه سؤال لسيده «نتنياهو»، مع وضع كلمة «المقاومة» بدلاً من كلمة «إسرائيل»!

لقد ردت المقاومة على العدوان، وفي وقت أصابت فيه صواريخ العدو الأطفال والبنايات المدنية، كانت صواريخ المقاومة ذات أخلاق، فلم تقتل طفلاً، ولم تقلع شجراً، وإنما توجهت إلى أهداف عسكرية، وبشجاعة أفقدت القبة الحديدية قدرتها على الصد أو الرد، لكثرة الصواريخ التي أطلقت، وشاهدنا انبطاح الإسرائيليين في الشوارع، فليس صحيحاً أن إسرائيل لا يقدر عليها أحد، وليس صحيحاً، أنه لا يبدل القول لديها، فترامب وقد أيد العدوان الإسرائيلي على غزة، وما أحدثه من جرائم في حق الإنسانية، ما كان له أن يفعل لو أنه تريث كثيراً حتى يشاهد رد المقاومة، الذي دفع نتنياهو إلى طلب تدخل عبد الفتاح السيسي، وفي البداية كان شرطه الهدنة مقابل الهدنة، لكن حماس اشترطت أن تكون الهدنة مقابل كل التفاهمات السابقة، والتي يجرب نتنياهو أن يلتف عليها بصواريخه، وفي كل مرة يخوض التجربة، فيكون الرد عنيفا فيطلب تدخل صديقه في القاهرة!

قبل الانتخابات أراد نتنياهو أن يحرز انتصارا وهمياً، فكان الاعتداء على غزة، لكن الرد كان كفيلاً لو استمر، في أن يُنهي مستقبله السياسي، كما أنهى من قبل مستقبل أولمر في هزيمة 2009، فهرول إلى السيسي يطلب تدخله!

هكذا هو يجرب، ومع كل تجربة يكتشف أن انتصار المقاومة في السابق، لم يكن صدفة، ليتدخل الحزب العربي الصهيوني، بكلام تافه مثل السؤال المقرر عليهم من قبل «أفيخاي أدرعي»!

لقد انتصرت صواريخ المقاومة، فتم استدعاء قوات الاحتياط في المنطقة العربية، «نديم» وغيره!

فلا نامت أعين الجبناء.

                  

أضف تعليقك