• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: الكاتب الفلسطيني محمد أمين

كان مشهداً سرياليا بامتياز، ومقصوداً دون أدنى شك، أرادت فيه دولة العسكر في مصر ارسال رسالة تحذيرية قبيل الذكرى السابعة لثورة يناير، مفادها التأكيد بحزم على أن من ثار عليه شباب يناير عاد لينتقم. صحيح أنه جاء ماشياً على قدميه لكن محمول ومحفوف برعاية دولة العسكر، ليقولوا أن مبارك والجيش إيد واحدة، لينتهي بهذا المشهد وهماً حَسِبه يوماً ثوار يناير حقيقة، بأن "الجيش والشعب إيد وحدة".

 
الجيش والشعب إيد وحدة، من أبرز هتافات وشعارات ثوار يناير، ذلكم الشباب "الطوباويون" الجامعيون المثقفون، الذين ظنوا أن جيش بلدهم انحاز لمطالبهم وأطاح بالمستبد الطاغية، يوم أن هلّلوا ورقصوا عقب تنحي الديناصور. صحيح أن مشهد عودة مبارك متأنقاً، مسنوداً بنجليه ليس الدليل الأول على فضح زيف شعارات العسكر وادعاءاتهم، لكنه الأكثر وقعاً. إذ بدى فيه المشهد قاضياً يُحاكم رموز ثورة يناير، فمواجهته لشخص الدكتور محمد البلتاجي بكل ما يعبر عنه الأخير من رمزية ثورية، جسد مشهد المظلومية بأقسى صوره وتجلياته، وبين بلا أدنى شك أن مبارك لم يرحل ولم يتنحى.


استمرار وجود العوامل ذاتها التي اشعلت الموجة الأولى كالظلم والقهر والفقر والفساد.. كلها عوامل تُؤكد أن موجة ثانية من الثورة قادمة دون أدنى شك
كما يمكن قراءة الكثير تحت السطور في ذلك المشهد، خاصةً طلب مبارك الإذن بالحديث من المجلس العسكري والسيسي. إذ يؤكد هذا التصرف على أن دولة العسكر هي من تحكم مصر، كانت ومازالت، فمبارك والسيسي وجهان لمجلس واحد، السيسي حاله حال مبارك هو لا يعدو كونه مندوباً سامياً أو مُمثلاً للعسكر في مؤسسة الرئاسة. مشهد المواجهة بين الثورة والثورة المضادة، ينبغي على شباب مصر أولاً والربيعيين في كل العالم العربي عامةً أن يدرسوه بعناية، فثورة يناير وثورات الربيع العربي كلها كانت موجة أُولى عبرت عن غضب الشعوب. لكن عفويتها وبساطة شبابها وطهارتهم سهل على العساكر خداعهم، وتبنيج غضبهم استعدادا للانقضاض عليهم، والاجهاز على حراكهم. 
 
هل كان يمكن تَصوُر أن الجنرالات سيَدعمون حِراكاً ديمقراطياً يوماً! وكيف غادر شباب مصر ميادينها بعد وعود العسكر الذين يستحوذون على ٦٠٪ من اقتصاد مصر في أقل تقديرات بتسليم السُلطة لهم، لشباب يطالب بالعدالة الاجتماعية بمعناها القائم على المساواة بين جميع الناس ورفض كل أشكال العبودية والاستغلال، فهل يُعقل أن ينتحر العسكر؟

هناك قراءتان لظهور مبارك الأخير، واحدة تقول أنه أَعلن رسمياً انتصار الثورة المضادة على ثورة يناير والربيع العربي كله، وقراءة ثانية تقول أنه عَجّل من الموجة الثانية من الربيع العربي. أما أنا فأميل إلى الرأي الثاني، فإصرار الأنظمة العربية كالمثال المصري على الاستخفاف بشعوبها و "استهبالهم"، إضافةً لإمعانها في الشماتة بفشل الموجة الأولى من حراكهم، مع استمرار وجود العوامل ذاتها التي اشعلت الموجة الأولى كالظلم والقهر والفقر والفساد.. كلها عوامل تُؤكد أن موجة ثانية قادمة دون أدنى شك، وستكون أكثر حِكمة ورُشداً ويقظة، والسؤال الوحيد فقط هو متى؟

أضف تعليقك