• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم قطب العربي

تتداخل التطورات والتحولات الخطيرة في المنطقة والعالم، وتعيد رسم خرائط الصراع والوفاق، والتحالفات الإقليمية والدولية، وتفرض نفسها عنصرا مهما، إن لم يكن حاكما، في كثير من النزاعات والمشاكل الوطنية الداخلية شأن الوضع في مصر، أو في السودان، أو تونس.. الخ.

جملة من التطورات المهمة التي بدأت بشائرها، ولا تزال في طريقها للتشكل النهائي، أو التي يتوقع حدوثها خلال الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة، سواء على الصعيد الداخلي المصري أو الإقليمي أو الدولي. ولعل الحدث الأبرز محليا الذي لاحت نذره خلال الأسابيع الماضية، لكنه سيبلغ ذروته حسب المتوقع في آذار/ مارس المقبل، فهو سعي نظام السيسي لتعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء فترة أو فترات جديدة في سلطته المغتصبة، خروجا على الدستور الذي وضعه بنفسه، والذي يحدد فترات الحكم بفترتين فقط، مدة كل منهما أربع سنوات. وقد بدأت كتائب التسويق للتعديلات بجمع توقيعات برلمانية على طلب لمجلس الشعب لتبني التعديلات، وإقامة دعوى قضائية أمام محكمة غير مختصة، وجمع توقيعات من مواطنين لدعم الفكرة.

إقليميا، تداعت الأحداث والتطورات المثيرة، فمن قرار منفرد لترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وتسوية سياسية لحرب اليمن بدأت بالحديدة، وتسوية سياسية للصراع في ليبيا، وتسوية مماثلة في أفغانستان، ومن مظاهرات متقطعة ضد الغلاء في الأردن إلى مظاهرات كبيرة في السودان تجاوزت المطالب الاقتصادية إلى مطالب سياسية بإسقاط النظام، ومن استمرار التصعيد التركي والغربي ضد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، والتلويح بنقل قضية مقتل الصحفي خاشقجي إلى التحقيق الدولي، إلى إعادة تحريك ملف مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر.

ودوليا، ينتظر العالم تغيرات في السياسة الأمريكية مع الدورة الجديدة لمجلس النواب الأمريكي، بعد سيطرة الديمقراطيين الذين سيسعون لإحراج ترامب في الكثير من السياسات، وبينها سياساته في اللشرق الأوسط بطبيعة الحال. كما أن شكل الاتحاد الأوربي سيختلف بعد خروج بريطانيا منه. وقد جاءت مظاهرات السترات الصفراء لتضع تحديا جديدا على الحكومات الغربية، وراحت عدواها تنتقل من مكان إلى مكان.

ما يعنينا في هذه التطورات الإقليمية والدولية هو تأثيرها على قضايانا الوطنية، وأخص بالذكر هنا القضية المصرية، حيث يعد السيسي عدته لتعديل الدستور، والبقاء في السلطة المغتصبة إلى ما لا نهاية. ويبدو أن السيسي أراد استغلال انشغال العالم بقضايا كبرى لتمرير تعديلاته، مع يقينه بقدرة أجهزته الأمنية على التصدي لأي حراك داخلي مضاد. لكن هذه التطورات الإقليمية والدولية قد لا تكون في صالح السيسي، بل يمكن أن تكون في صالح مناهضيه إذا أحسنوا استثمارها. فالأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي يمكن أن تكون كابحة لنزوات السيسي، ليس حبا في المعارضة المصرية، ولكن نكاية في الرئيس الأمريكي ترامب؛ الداعم الرئيسي للسيسي.

وقد أراد نظام السيسي أن يقطع الطريق على التشكيل الجديد لمجلس النواب الأمريكي؛ بإصدار حكم قضائي نهائي من محكمة النقض ببراءة جميع المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، التي فتحها المجلس العسكري عقب ثورة يناير 2011، والتي مثلت حرجا كبيرا له حين حطت طائرة عسكرية أمريكية في مطار القاهرة، ونقلت المتهمين عنوة إلى واشنطن في ذلك الوقت.

وقد أصدر البرلمان الأوربي مؤخرا جملة من التوصيات الخاصة بمصر، والتي تشدد على ضرورة احترام الحريات والديمقراطية، وهو ما كررته منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، موغريني، في لقائها مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وهو ما يعد إشارة ضمنية لرفض تعديل الدستور. ومن الممكن أن التصعيد الإيطالي لقضية ريجيني، وتوجيه الاتهام بمقتله لخمسة ضباط مصريين، في ظل استمرار التعنت المصري، قد يسهم في تضامن أوربي جديد مع إيطاليا تنتج عنه مواقف أكثر تشددا ضد نظام السيسي.

التشقق الذي يعتري حلف الحصار العربي (ابن سلمان وبن زايد والسيسي وملك البحرين)، وهزائمه في اليمن، والتي ترجمت إلى قبول بتسويات لم يكن ليقبل بها من قبل مع الحوثيين، والضغوط المتصاعدة ضد محمد بن سلمان في ملف مقتل خاشقجي والتي تشغله بنفسه، وتمنعه من إكمال بعض مشاريعه التآمرية الخارجية، واستمرار الأزمة بلا حل مع قطر التي استطاعت التكيف معها.. كل ذلك ينعكس سلبا على نظام السيسي؛ الذي سيضطر خلال العام المقبل إلى رفع ما تبقى من الدعم عن الطاقة، وإلى سداد فواتير ضخمة من مديونيات خارجية مستحقة، ولن يجد "رز" سعودي بعد أن "شفطه" ترامب والأوربيون.

وحتى مشروع صفقة القرن الذي كان السيسي أول من بشر به في لقاء سابق مع ترامب، بدا متعثرا، حتى أن السيسي نفسه حاول غسل يده منه؛ مدعيا أن مسمى صفقة القرن هو مجرد تعبير إعلامي ولا يوجد هناك شيء بهذا المعني، وإن كنا نظن أن المساعي الأمريكية لتنفيذ مضمون الصفقة تسير في طريقها، عقب نقل السفارة الأمريكية وبعض السفارات الأخرى للقدس، وعقب تصريحات المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن إدارة ترامب أعدت خطة تسوية جديدة تماما للقضية الفلسطينية.

التحولات الإقليمية والدولية المتعددة لا يعمل مفعولها تلقائيا على طول الخط، بل تحتاج إلى من يحسن توظيفها لصالح قضيته. وإذا كانت التعديلات الدستورية هي القضية التي تشغل الشعب المصري حاليا وخلال الأسابيع المقبلة، فإنه بالإمكان استثمار هذه التحولات الإقليمية والدولية لمنع السيسي من البقاء مغتصبا للسلطة لسنوات جديدة، وذلك من خلال حراك محلي ودولي يفضح النظام الحاكم، ويحذر العالم من مغبة دعمه، وبقائه في السلطة.

أضف تعليقك