• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: إحسان الفقيه

لم يذهب تشرشل بعيدًا عن الحقيقة عندما قال: ”إذا رغبت في استكشاف بحارٍ جديدة عليك أن تمتلك الشجاعة اللازمة لمغادرة الشاطئ”.

سيصبح الحديث عن المستقبل ضربًا من العبث، إن لم نحسم معركتنا مع الحاضر، عامٌ مضى، والرغبة الجامحة في التغيير تجتاح قطاعات واسعة من الشعب السعودي، فأنّى يكون الصمت وقد تغول شنجول الجزيرة على جميع السلطات وعاث متهورا في كل خطوة يخطوها على طريقة فرعون { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}؟ وكيف لا تخترق رغبة الإصلاح الكامنة جدران الصمت والديوان الملكي قد اخترقته شياطين "أبو ظبي"، لتنهار فجأة وبدون مقدمات جميع الحصون الورقية كاشفة مدى هشاشة المجتمع بكل أطيافه، وأضحى الشعب الكريم يتجرع مرارة الغربة على أرض الوطن، وكأن أمير الشعراء يعنيه بقوله:
وكان الشعبُ ليس له لِسانُ غريباً في مواطنهِ مَضيما
أسماه تجار الدين (الشاب الملهم المُحدّث)، وألف أسفٍ واعتذار للفاروق عمر، غير أن الفتى له في كل خطوة عثرة، وغاب عنه إلهامه حين خاض حربًا في اليمن كجسّاسةِ الدجال، لا يُعرف قُبُلُها من دُبرِها، حسبناها يومًا ضربة مُوجّهة للصفويين، فذهبت أحلامنا أدراج الرياح مع دمارٍ بغير حسابٍ حلّ بأهل اليمن دون إحراز تقدُّمٍ في إرساء دعائم الاستقرار فيها، وطال وقوفه في دَرَج السُّلَّم، وغُرست قدماه في المستنقع، فلا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
سقطت ورقة التوت عن المُحدّث المُلهم وهو يزجُّ بأرض الحرمين في مكيدة حصار قطر، وحاكى الكونت دراكولا وقت التشهّي، فأغمس يده في دماء خاشقجي، وبالغ زبانيته في إرضاء نزوته فأذابوا الجثة، ولا يزال في تخبُّطه سادرا يحاول عبثًا التنصُّل من الجريمة، اعتمادًا على ما يراه الركن الشديد، إذ ولّى مصلحةَ الأمة دُبُرَه، وتحالف مع أعدائها الذين صدّروه في مشهدٍ لم يكن أهلا له يوما من الدهر، فلقد وجد فيه أرباب الصهيونية مثل كوشنر ونتنياهو ضالّتهم، فطفقوا يستميتون في الدفاع عنه أو عن السلطة التي هيمنوا عليها من خلاله، ولو وجدوا بديلًا عنه يخدم مصالحهم لما تشبثوا به، ولتنكّروا لأي صلة تربطهم بالفتى المتهور.
قالوا في المثل الروماني القديم "كل الطرق تؤدي إلى روما"، فلبناء هذه المدينة التاريخية ربط الرومان بها كل مدينة فتحوها بطرق معبدة، فصار كل طريق يؤدي إليها، لكن ليست كل الطرق تؤدي إلى السعودية الآمنة الناجية.
فليس أمام السعوديين الذين طفح منهم الكيل سوى الاختيار بين طريقين للتغيير أحلاهما مُرّ: إما الثورة التي تقتلع كل مؤسسات الدولة على أمل بنائها من جديد، وإما الإصلاح الذي يقبل بأنصاف الحلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مكتسبات الشعب السعودي بقدر ما تسمح به موازين القوى الدولية والإقليمية.
وبين الرغبة الجامحة في التغيير والقلق من تداعياته، ينقسم الأحرار في تلك البقعة إلى فريقين:
أولهما أقلية ثورية تستشيط غضبا ولكنها كبركان خامد ينقصه شرارة ما، لينفجر في وجه جميع المترددين، وثانيهما أكثرية نازعة إلى الإصلاح تنقصها ثغرة حقيقية في جدار الاستبداد، لتنطلق إلى ترميم البنيان الذي أتلفه شنجول الجزيرة بأنانيته وقِصر نظره.
ولكن ما من عاقلٍ متجردٍ يهوى تلك البقاع يتمنى أن تنفجر الأوضاع فيها وتخرج الأمور عن السيطرة، فالثورة قد تهدم بسهولة ولكنها لا تستطيع البناء بنفس السهولة حيث لا تمتلك الشعوب العربية رصيدا وافرا من مضادات الاستبداد وبالتالي سيسهل على الغرب الالتفاف على أي ثورة تحدث في السعودية، وسيوظف الإثنيات القبلية والجهوية فضلا عن المذهبية لتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب السعودي، وتكفي نظرة سريعة لمسار الثورة السورية ومآلاتها ليدرك المتابع كيف مزقتها حكومات الثورة المضادة لعشرات الفصائل المتناحرة .

ونحن إذ نؤكد حتمية التغيير، وأن حقبة مغناطيس الأعداء محمد بن سلمان تكاد تصبح من الماضي، فتشبُّثه بالسلطة وتشبث الصهاينة به لا يعادل معشار رغبة الشعب في الداخل وبعض القوى العالمية في رحيله، فإن غالبية الشعب السعودي لا تأمن عواقب الثورة وتريد التغيير عن طريق الإصلاح التدريجي وبالتالي ستكون الفرصة الذهبية قد سنحت للملك القادم، سواء كان الأمير "أحمد بن عبد العزيز" أو غيره لإنقاذ المجتمع، وإيصاله لبر الأمان عبر وصفة إنقاذ واضحة المعالم سهلة التنفيذ مضمونة النتائج، ومن يطبقها بعد حكم دكتاتوري سيصبح بلا منازع ( أعظم ملوك العرب )، ولن تنسى له الأجيال جميل صنيعه بل سيخلده التاريخ ويرفع ذكر ذريته من بعده، فضلا عن ثواب الله إن علم صدقه .
وهذه الوصفة بسيطة وسهلة ولا تحتاج إلى رؤية وهمية ولا خطط تنمية نظرية، فقط المطلوب من الملك القادم أن ( يؤسس لمشاركة سياسية في السلطة ) ولو كانت بالتدريج، المهم أن تعترف السلطة السياسية في السعودية بحق المعارضة في الوجود ابتداء، بحيث تكون الخطوة الأولى انتخاب السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشورى بكامل أعضائه، ويليها الاعتراف بالتعددية كخطوة ثانية، وبالتالي السماح بتأسيس الأحزاب السياسية لتمثيل الشعب في السلطة التشريعية، وتكون الخطوة الثالثة تعيين الملك لرئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات بحيث تقتصر سيطرة الملك على الوزارات السيادية فقط، ويترك باقي السلطة المدنية للشعب، وهذا أقل مستوى تدرج في الإصلاح تقبله شعوب القرن الواحد والعشرين، وإلا فالطوفان قادم لا محالة، ولن تستطيع أي قوة مغرورة إيقاف تدفق نهر التاريخ مهما بنت من سدود، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

أضف تعليقك