• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم سليم عزوز

يفتقد الحكم العسكري إلى القدرة على الإبداع، عندما يستهدف شغل الناس بعيداً عن حدث مهم، أو يريد أن يشغلهم عن سياساته البائسة، لكنه يعتمد على خصومه الذين لا يتغيرون أيضاً، فيبتلعون الطُعم في كل مرة و"يعيشون الليلة"، ويجدونها فرصة للصياح في البرية: "وا إسلاماه".

لقد عشنا صخباً بسبب قضية النقاب، فلم تكد تنته حتى دخلنا في مشكلة قضية "خانة الديانة" في بطاقة الرقم القومي، وكما قلنا في الأولى أن مشروع القانون لن تتم الموافقة عليه في النهاية، فها نحن نقول إن مشروع القانون الحالي لن يتم تمريره أيضاً، لكن في الحالتين لن يُسمع لنا؛ لأن هناك من خصوم الانقلاب العسكري من يطربهم هذا اللحن، لأنه يمثل تخديماً على طرحهم بأن النظام القائم لم يستهدفهم بشكل شخصي، ولكنها الخصومة المنعقدة مع المشروع الإسلامي الذي يتبنوه، بل ومع الإسلام ذاته. وفي كل مرة لا يتعلمون الدرس فيتعاملوا مع قضايا الاثارة والإلهاء بحرص؛ لأنها تصادف هوى عندهم!

من "نكرة" إلى "نجمة"

لم يكن أحد يعرف النائبة "غادة عجمي"، ومن المؤكد أنها تفتقد للحضور، سواء في دائرتها الانتخابية أو داخل البرلمان، لكنها أصبحت أشهر من نار على علم، لمجرد أنها أعلنت أنها بصدد التقدم بمشروع قانون لعدم السماح بارتداء النقاب، وانتقلت على إثر هذا من قناة إلى قناة، ومن أستوديو إلى آخر. وهنا كان الصيحة "وا إسلاماه"، فالإسلام يحارَب في دياره، والانقلاب العسكري يستهدف في الأصل، محاربة الدين، وكانت الضجة من قبل من لا يتفقون مع النقاب من التيارات الإسلامية، ولا يرونه فريضة، ولا يلزمون نساءهم به.

وعلى أثر هذه الاهتمام المبالغ فيه انتقلت "غادة عجمي" من مجرد امرأة "نكرة"، لم تضفِ عليها عضوية البرلمان أي قيمة، إلى "نجمة"، بسبب معركة الإلهاء التي كانت تستهدف الذهاب بالمصريين بعيداً عن الأزمات المعيشية؛ والبلاد تعاني أزمة في البطاطس غير مسبوقة، أيضاً لتخفيف الضغط على "حمادة" في المملكة العربية السعودية، والناس تصغى للأخبار التي تأتي من تركيا عن جريمة القتل البشعة.

وقد أصبحت "غادة عجمي" مشهورة، فقد ضمنت تجديد الثقة بها؛ لأنها تدرك أن خصومها لا يشاركون في العملية الانتخابية، أما من سيشاركون، سواء من رعايا البابا تواضروس، وغيرهم من أعضاء الحلف المعادي للإسلاميين، فسوف يكون هذا الموقف بالنسبة لهم مرجحا لإعادة انتخابها. وإذ أكدت أنه لن يتم إقرار قانون حظر النقاب، فلم أكن أعلم أنها لم تتقدم به أصلاً إلى اللجنة التشريعية تمهيداً لعرضه على البرلمان، فبعد الضجة التي حدثت، وبعد أن تحقق المراد، أعلنت أنها لن تتقدم بمشروع القانون!

وللأسف، لم يهتم أحد ممن شاركوا في الضجة المثارة، بالوقوف على هذا المشروع، وإن كانت تقدمت به فعلاً أم لا؟ وما هي بنوده أصلاً؟ ولأن الغرض مرض، فقد استمروا في الضجة والصياح: "وا إسلاماه"، حتى بعد أن أعلنت المذكورة أنها لن تتقدم به!

"خانة الديانة"

وقبل أن تنسحب "غادة" هذه بمشروعها، كانت هناك قنبلة دخان أخرى يتم نزع فتيلها، تتمثل في مشروع آخر تقدم بها نائب آخر، أو ينتوي تقديمه، ينص على إلغاء "خانة الديانة" في بطاقة الرقم القومي، لتقوم ثورة من جديد، والتصايح بطبيعة الحال: "وا إسلاماه"!

الفكرة قديمة، والتنويري المزيف في مصر، يشغل نفسه بقضايا من هذا النوع، فيتحقق له ما يريد، لسهولة استفزاز الطرف المحافظ، على نحو ينتقل به إلى استوديوهات القنوات التلفزيونية، لعرض أفكار الاستنارة هذه، التي تدور حول هذه القشور، فلا بد من إلغاء خانة الديانة لأنها تمثل تمييزاً ضد المسيحيين. والمشكلة أن هذا يصادف عقولاً مهزومة، فتحدث جلبة حتى لا تتم المناقشة الهادئة لهذه القضايا الراكدة في سوق الأفكار!

وهذا يذكرني بالموقف من عملية بناء دور العبادة، فمن المسلمين الطيبين من يعتقد أنه يتحصل على امتياز في بناء وتنظيم المساجد، ليؤكد إسلامية الدولة، وهذا ليس صحيحاً، لكنهم كانوا يخسرون الدعوى قبل رفعها، ويخسرون المعركة قبل خوضها، ويظهر الطرف المستنير منتصراً، ومؤكداً على وجود التمييز!

لقد كتبت أكثر من مرة أطالب بقانون موحد لدور العبادة، وطالبت من مستنيري الحانات نقاشا جاداً، فلم أحظ بهذا الشرف؛ لأن أفكارهم تقوم على أن الطرف الآخر بالنسبة لهم لن يقوى على خوض هذا الحوار، فيظهرون أنهم نجحوا في إثبات التمييز الذي يجري في مصر بهذا الهروب!

إن مساحة أي دير أكبر من مساحة جميع مساجد العاصمة المصرية، وإخضاع دور العبادة لقانون موحد، سيجعل من أي دار عبادة يخضع لشرط النسبة والتناسب بين أعداد المواطنين من كل ديانة، فضلاً عن أن هذا سيخضع دور العبادة جميعها لإشراف الدولة، أو إخراجها جميعا من هذا الإشراف. فهل تقبل الكنيسة أن تكون مجرد معهد لإخراج القساوسة ليجري تعيين من يقومون على خدمة الكنائس من قبل وزارة الأوقاف؟ وهل تقبل أن تقوم الدولة بضم أوقاف الكنائس كما استولت على أوقاف المساجد؟!

في ساعة الجد، كان الطلب المسيحي هو قانون موحد لبناء الكنائس، ولم يطالبوا بقانون موحد لدور العبادة، فقد كان لهذا الطلب دوره في مجال السجال ومناظرات أوقات الفراغ، وللمزايدة السياسية لا أكثر!

الشكوى من الاضطهاد

والأمر نفسه فيما يختص بخانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، وهي قضية مثارة من زمن ليس ببعيد، ولنضال أوقاف الفراغ، ويثيرها مسيحيون يشكون من الاضطهاد، بل يعتبرونها احد علامة التمييز ضدهم. وفي المقابل، فإن هناك من يتمسكون بها لأسباب تبدو عاطفية، فيؤكدون بهذا الدفاع على أنها تحقق التمييز لصالحهم، فهل تحقق التمييز فعلا؟!

هل هناك من ذهب إلى مصلحة حكومية مثلاً، فكانت "خانة الديانة" سبباً في حصوله على شيء أو عدم حصوله عليه؟!

وهل "خانة الديانة" هي وحدها التي تؤكد التمييز الديني؟ وماذا عن الأسماء؟ وهل يحتاج "محمد" و"علي" و"محمود" و"عمر"، و"شنودة" و"جرجس" و" تواضروس" و"حنا"؛ إلى النظر في "خانة الديانة" في بطاقة الرقم القومي للوقوف على ديانتهم؟!

وماذا عن وشم الصليب، الذي يختص به مسيحيو مصر دون أقطار العالم، والمقصود به رسم الصليب على الأيدي؟ لماذا لم تمتد المطالبة إلى إلغائه لوقف التمييز الديني ومحاربته؟!

السبب وراء التمسك بوجود خانة الديانة، فينطلق الفريق الآخر مطالباً بإلغائها، هو الإيحاء بوجود مؤامرة لزواج الشباب المسيحي من مسلمات، وهو ما يسهله إلغاء خانة الديانة.. فهل يحتاج المصريون فعلاً لإثباتها في المحررات الرسمية لإثبات ديانتهم؟ ومصر ليست مجتمعاً غربياً يتباعد فيه الناس عن بعضهم البعض!

وكما لم يكن مطلب قانون موحد لدور العبادة مطروحاً على جدول الأعمال في ساعة الجد، فسوف يُرفض هذا المشروع مسيحيا أيضاً، إذا توقفت قدرته على ابتزاز أصحاب العواطف الجياشة من الصارخين دائما: "وا إسلاماه"! لأن التخوف من مسألة الزواج في حال إلغاء خانة الديانة قائم لدى المسيحيين، عندما يسهل عملية الزواج ببناتهم من قبل المسلمين، وبدون الحاجة لإشهار الإسلام، وما يسببه من مشكلاته كثيرة، تدخل السلطة فيها طرفاً، وقد تمنع وقوعها!

ليس هناك ما يقلق من إلغاء خانة الديانة، وعموما لن يتم تمرير القانون أبداً، لكنها الضجة التي تستهدف الإلهاء، والتي يشارك فيها البعض بحسن نية!

وإني على ثقة من أن ما قلته لن يمنع من المساهمة في "الزفة" والصياح: "وا إسلاماه"، فقد تلاقت إرادة حكم العسكر مع رغبة خصومه في ذلك، وكل منهم مدفوع بالغرض!

شكراً لحسن تعاونكم مع السيسي، فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

أضف تعليقك