• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

شهدت مصر في 18 أغسطس 2013، واحدة من أبشع المذابح ضد الإنسانية، تلك التي عرفت بمذبحة سيارة ترحيلات سجن أبو زعبل ضد 37 معتقلا.

ففي ذلك اليوم الحزين تجرد عدد من الشرطيين المصريين من آخر المشاعر الإنسانية، ضد عدد عن الأسرى في سيارة ترحيلات ألقوا عليهم قنابل مسيلة للدموع ففاضت أرواح أغلبهم شاكين لربهم ظلم الظالمين وتجبرهم.

وتحركت السيارة بالمعتقلين من قسم مصر الجديدة، في طريقها لسجن أبو زعبل، ليمضوا 6 ساعات داخل العربة، وكانت درجة الحرارة في الخارج 31 وفي الداخل بالطبع كانت أشد حرا.

ولم يكن هناك مكان للوقوف ولم يكن لدى المعتقلين أي مشروبات، وقام بعضهم بخلع قمصانهم ومحاولة الشرب من العرق الذي تصبب منهم من شدة الحرارة. وفي هذه اللحظة كان الكثير منهم قد فقد الوعي تماما.

وأكد محمد عبد المعبود، أحد الناجين من تلك المحرقة، تاجر يبلغ من العمر 43 عاما، أنه في يوم مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية تم اعتقال الكثيرين بشكل عشوائي، ولم يكن الجميع من مؤيدي الرئيس مرسي أو الإخوان.

وفي قسم مصر الجديدة كان المعتقلون متكدسين في زنازين مساحتها 3 أمتار فقط.

ويقولعبد المعبود إنه على مدار 3 أيام كانت الزنزانة الواحدة تحتوي على ما يقارب 38 معتقلا، وكانت ضيقة جدا بشكل لا يسمح لهم بالنوم في نفس الوقت، فكانوا ينامون بالتناوب، وكانت درجة الحرارة لا تطاق.

وفي يوم الأحد الموافق 18 أغسطس في الساعة 6:30 صباحا تم تكبيل أيادي 45 معتقلا، وكان كل اثنين مكبلين معا، فيما عدا عبد المعبود الذي تم تكبيله مع اثنين آخرين.

وكان المعتقلون الخمسة من محافظة الشرقية آخر من تم الزج بهم في سيارة الترحيلات.

وأظهر أحد التقارير الهندسية أن السيارة مهيأة لحمل 24 شخصا على الأكثر، ولكن في هذه الحالة تم وضع 45 معتقلا في نفس العربة ولذلك تم إغلاق باب العربة بصعوبة.

وقد استغرقت الرحلة إلى سجن أبو زعبل ساعة من الزمن، وفي داخل العربة كان المعتقلون مكدسين فوق بعضهم البعض ولم يستطيعوا الوقوف بشكل طبيعي.

وعندما وصلوا إلى ساحة السجن، ساء الوضع حيث لم يعد هناك هواء كاف للتنفس بعدما توقفت العربة.

وأجبر الـ45 معتقلا على الانتظار داخل العربة حتى يصل باقي المعتقلين الـ600 القادمين من رابعة إلى أبو زعبل.

وكانت هناك 15 سيارة ترحيلات أخرى وصلت قبلهم، وقد استغرق إنزال المعتقلين من كل عربة حوالي نصف ساعة لأن كلا منها كان يتم استقباله بالطريقة المعتادة وهي الضرب والتعذيب فور نزولهم من العربة.

وكانت درجة الحرارة لا تطاق وكان المعتقلون يقفون على رجل واحدة وقد امتلأت ملابسهم بالعرق وبدأ الأكسجين في النفاد.

ويروي عبد المعبود أنه في هذه اللحظة بدأ السجناء في الصراخ والاستغاثة وطرق جوانب العربة، ولكن لم يستجب أحد.

وطلب الضباط منهم أن يسبوا الرئيس مرسي كي يتم إخراجهم، فقام بعض الشباب بالسب ولكن رفضوا إخراجهم.

ثم طلبوا منهم أن يطلقوا على أنفسهم أسماء نساء، وبالفعل قام البعض بذلك ولكن كان الرد "نحن لا نتحدث مع النساء".

وفي شهادته لدى النيابة قال أحد الضباط إن بعض الضباط الصغار طلبوا من مديريهم أكثر من مرة أن يسمحوا بفتح السيارة وإعطاء السجناء مياها، ولكنهم رفضوا لمدة 4 ساعات ثم تم السماح بالمياه ولكن فقد الضباط مفتاح باب السيارة، فقام الملازم محمد يحيى بكسر القفل.

ولكن حتى ذلك الوقت لم يتم السماح للسجناء بالخروج فيما عدا حسين عبد العال، أحد الناجين، الذي كان واقفا بجانب الباب تم السماح له بالوقوف على حافة الحافلة وتم إلقاء قطرات المياه عليه، ثم تم دفعه إلى الداخل مرة أخرى.

وبالرغم من قيام جميع الحافلات الأخرى بترك الباب مفتوحا فإن حافلة قسم مصر الجديدة لم تفعل ذلك وقامت بغلق الباب بالكلابشات.

ويقول أحد شهود العيان إنه في النهاية قام صغار الضباط بإلقاء المياه بأنفسهم من فتحة النافذة.

ولكن السجناء كانوا قد وصلوا إلى مرحلة حرجة حيث أصيب أغلبهم بالغثيان وقام البعض بتلاوة وصيته.

ويقول سيد جبل "سقط كبار السن أولا، ثم لحق بهم الشباب، واحدا تلو الآخر، وفي الخارج كان الضباط يضحكون ويسبون مرسي".

وقام الشباب بالطرق على جوانب الحافلة بقوة واستمروا في الطرق حتى سقطوا جميعا وصمتت الحافلة عندما سقط الجميع مغشيا عليهم.

وبحلول الساعة الواحدة ظهرا جاء دور السجناء في النزول ونادى عليهم الضباط أن يتجهزوا لتسليم ما لديهم إلى موظفي السجن، ولكن أغلب من بالداخل لم يستطع حتى الوقوف.

ويقول الصحفي في صحيفة الجارديان البريطانية، باتريك كينجسلي، إن هناك روايتين متضاربتين لما حدث بعد ذلك. فقد قال ضابط في التحقيقات إنه عندما فتح الباب قام السجناء بجلب الملازم يحيى إلى الداخل واحتجازه كرهينة. وقد أدت الفوضى التي حدثت بعد ذلك إلى مجيء الكثير من الضباط الآخرين المسئولين عن سيارات أخرى إلى المكان، ويدعي الضابط أن عبد العزيز وزميله قد أصيبا في هذه الاشتباكات عندما حاولا إنقاذ يحيى.

وفيغضون ذلك قام أحد العساكر بإطلاق غاز مسيل للدموع داخل العربة من خلال أحد النوافذ. وبحسب هذه الرواية فقد أصيب يحيى واثنان آخران بسبب التعرض للغاز، في حين تعرض عبد العزيز لبعض الجروح نقل على إثرها إلى المستشفى.

ولكن وفقا لرواية الناجين ورواية عبد العزيز نفسه فإن هذه الرواية الأولى مفبركة ولم تحدث على هذا النحو. ففي شهادته أمام النيابة قال عبد العزيز إن أحد الضباط قام بضربه على وجهه كي يثبت روايته بأنه تعرض لجروح.

ويقول عبد المعبود في حديثه للجارديان: "لنكن منطقيين في تحليلنا للواقعة، كنا جميعا مرهقين للغاية ولم نستطع حتى المشي وسقط أغلبنا مغشيا عليه داخل الحافلة. وقد تمكن 5 أو 6 أشخاص فقط من الوقوف. فكيف يمكننا ضرب ضابط شرطة ونحن في هذه الحالة؟".

وقال د. هشام فراج المتحدث باسم مشرحة زينهم التي استقبلت الجثث إن الضحايا كانوا على قيد الحياة عندما تم إطلاق الغاز وإنه تم العثور على آثار الغاز في جميع الجثث.

وأعرب عن شكه في قدرة عبوة الغاز الواحدة على قتلهم، ولكن ربما كان إطلاق الغاز هو المسمار الأخير في نعش الضحايا الذين عانوا من قلة الأكسجين لمدة طويلة قبل إطلاق الغاز.

وقال فراج في شهادة مكتوبة لصحيفة الجارديان: "قررنا أن الشرطة هي المسئولة عن قتل السجناء لأنهم قاموا بملء الحافلة بـ45 سجينا وهو رقم كبير جدا لأن الحافلة تستوعب 24 فقط. وبالتالي كان هناك نقص في الأكسجين مما سرع من وتيرة القتل عندما تم إطلاق الغاز".

وبسبب تكدس السجناء كان من الصعب فتح باب العربة مما اضطر الضباط إلى استخدام منشار آلي لفتحه، وفي النهاية استطاعوا فتح جزء صغير خرج منه 8 فقط أحياء وكانت بشرتهم مليئة بالخدوش.

ويقول سيد جبل إنه عندما استنشق الهواء بالخارج لم يشعر بأي شيء وسقط على الأرض، وعندها قام الضباط بضربه.

أما باقي السجناء فكانوا مغشيا عليهم داخل السيارة ومكدسين فوق بعضهم البعض، ويقول الضابط عبد العزيز أنه في هذه اللحظة أدرك أنهم جميعا قد فارقوا الحياة.

أضف تعليقك