• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم جمال نصار

الانقلاب في حقيقته: إزاحة مفاجئة للرئيس أو الحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى مؤسسات الدولة، عادة ما تكون الجيش، ويُعدّ الانقلاب ناجحًا إذا تمكّن الانقلابيون من فرض هيمنتهم وسيطرتهم على الأوضاع، كما حدث في مصر، أو تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم السيطرة على الأمور ومحاسبة كل الذين قاموا، أو ساهموا في وقوع الانقلاب، كما في حالة تركيا التي عانت كثيرًا من الانقلابات العسكرية.

ومنذ أيام في (15 يوليو/ تموز 2018) أحيا ملايين الأتراك، وكل المحبين لتركيا، ذكرى مرور عامين على محاولة الانقلاب الفاشلة في بلادهم، وصدحت مآذن تركيا بالصلوات على النبي الكريم في أكثر من سبعين ألف مسجد بتركيا، في نفس التوقيت الذي قامت فيه مساجد البلاد برفع الآذان والصلوات على النبي ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة قبل عامين.

كما شهد "جسر شهداء 15 تموز" في إسطنبول بدء فعاليات "ملتقى اليوم الوطني للديمقراطية والوحدة الوطنية"، وبدأ الملتقى بدقيقة صمت إجلالًا لأرواح ضحايا المحاولة الانقلابية، تبع ذلك عزف النشيد الوطني.

وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديثه للشعب التركي والعالم أن بلاده طوت صفحة الانقلابات وأثبتت للعالم نضج ديمقراطيتها، وقال: "لن ننسى أبدًا مَن دعا لأجلنا في تلك الليلة، كما لن ننسى أبدًا من يدّعون أنهم أصدقاء تركيا ويقومون بتأمين الانقلابيين وحمايتهم".

وشدد أردوغان على أن "النصر تحقق بفضل صمود شعبنا وشجاعة شهدائنا الذين تحدوا الدبابات والطائرات"، مؤكدًا أن تركيا اتخذت خطوات مهمة ستخلصها من الوصايا بالكامل، وتفسح المجال أمام الديمقراطية.

وبالنظر إلى المؤسسة العسكرية في كل من مصر وتركيا نجد أن لها دور حيوي وبارز في التأثير على الحياة العامة، والسياسية منها بشكل خاص، ففي مصر؛ منذ العام 1881 أثناء الثورة العرابية، وقف الزعيم أحمد عرابي على رأس الجيش المصري مع جميع طوائف الشعب أمام قصر عابدين لعرض مطالبهم على الخديوي توفيق، واستمر هذا الدور لفترات متعاقبة إلى أن جاءت حركة الضباط الأحرار التي بدأت بانقلاب عسكري في العام 1952، وتحولت فيما بعد إلى ثورة سياسية، وظلت هي العلامة الأبرز على طريق الجيش المصرى للعب الدور الأهم فى الحياة السياسية والعامة، واستمرت المؤسسة العسكرية تلعب هذا الدور في مصر في العصور المختلفة، مرورًا بالسادات ومبارك إلى المجلس العسكري بعد تنحي الأخير عن الحكم، ثم انقلاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013، على رئيسه، وأطاح بالمسار الديمقراطي.

أما في تركيا؛ فقد قاد أتاتورك وعدد من قيادات الجيش العثماني حركة المقاومة الوطنية (1920-1922) ضد جيوش الاحتلال، وقد أحدثت حركة المقاومة الوطنية خلال حرب الاستقلال مزجًا قويًا بين الدور السياسي والعسكري في مفهوم الوظيفة العسكرية. وهي الخلفية التي استفاد منها أتاتورك في تولي إدارة البلاد، ومن ثمَّ لم يقتصر دور الجيش آنذاك على نقل الكماليين إلى سدة الحكم، بل تحول الجيش ذاته إلى عضو فاعل في بناء الجمهورية التركية.

 وتجلى تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وتوجيه أو تغيير دفتها، في عدة صور مختلفة، من أبرزها الانقلابات العسكرية، واستمد جنرالات تركيا الشرعية القانونية للانقلابات العسكرية من المادة 35 من قانون الخدمة العسكرية التي تُخوّل المؤسسة العسكرية حق التدخل لحماية مبادئ الجمهورية التركية الستة عند شعورها بتعرضها للانتهاك.

ولقد قامت المؤسسة العسكرية خلال عهد الجمهورية بأربعة انقلابات، الثلاثة الأولى منها كانت انقلابات عسكرية مباشرة (مايو 1960- مارس 1971- سبتمبر 1980)، أما الانقلاب الأخير فكان في فبراير 1997 وكان مختلفًا عن سابقيه من حيث النسق الذي تأطّر فيه. و"يعتبر الجيش التركي منذ قيام الجمهورية حامي قيم الجمهورية العلمانية والوصي الأمين على الالتزام بمقتضاها".

وإذا تتبعنا ما حدث في انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر، نجد أن الجيش، أو بالأحرى المجلس العسكري، لم يتحمل استمرار الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي في الحكم حتى انتهاء مدته الأولى، بل وضع له العراقيل، وصدّر له المشاكل، وأمسك بكل مؤسسات الدولة، حتى لا يستطيع الرئيس إدارة الدولة بشكل طبيعي، وكان مجمل القوات المسلحة بكل فروعها وقياداتها مع الانقلاب على الرئيس، بحجة الحفاظ على الدولة، وحمايتها من الحرب الأهلية، وكان هذا سبب رئيس ومُهم في نجاح إنقلاب مصر، بل عملت المخابرات العسكرية منذ اللحظة الأولى على تقليب الرأي العام على الرئيس محمد مرسي، وتشويه صورته وزعزعة الثقة في أدائه وفريق عمله.

أما في الحالة التركية، فبالرغم من الشد والجذب الذي حدث بين الرئيس أردوغان والمؤسسة العسكرية، إلا أنه برع في العشر سنوات الأخيرة إلى تحييد دور الجيش في السياسة، مما ساهم بشكل كبير في عدم تورّط كل المؤسسة العسكرية في الانقلاب الأخير الذي وقع في الخامس عشر من يوليو العام 2016، حيث "أحبطت محاولة الانقلاب التي جاءت من صُلبها بيد من حديد، لأنها تضع مصلحة تركيا وأمنها واستقرارها فوق كل الاعتبارات الأخرى، ولهذا التقت مع الشعب على قلب رجل واحد".

ولم يدم الانقلاب في تركيا سوى ساعات قليلة، وكما كانت بداية الحدث مفاجئة، جاءت النهاية أيضًا كزلزال تم القضاء على توابعه، ومن أهم الأسباب التي أفشلت هذا الانقلاب أن الجيش بكل مكوناته ووحداته لم يؤيد فكرة الانقلاب على السلطة المنتخبة، فقد كان هناك انقسام في الجيش تجاه العملية الديمقراطية التي قلّصت من صلاحياتهم، وهو ما دفع بالانقلابيين إلى احتجاز رئيس الأركان، وقتها، الجنرال "خلوصي أركان" القريب من أردوغان، والعديد من الجنرالات الذين رفضوا الانصياع لمحاولتهم.

ويمكن القول في النهاية: إن طبيعة تركيبة الشعبين المصري والتركي، ساهمت بشكل كبير في إنجاح انقلاب مصر وإفشال انقلاب تركيا، ولعب وعي الناس بما يحدث دورًا مهمًا في هذا السياق، وكان للمؤسسة العسكرية في كلا البلدين دور فاعل في مسار الأحداث، ولعبت الأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية في التهيئة للانقلابيْن، فكانت داعمة للانقلاب في مصر، انتقامًا من الإخوان، ومؤيدة للرئيس المنتخب في حالة تركيا، دعمًا للديمقراطية، ولم يغب الإعلام في الحالتين، فوقف ضد المُنتخَب ومع المنقلِب في مصر، وأيدّ وناصر المسار الديمقراطي في تركيا، وكان له كل التأثير على توجيه حركة الشعبين، واتسمت أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين في كلا البلدين بالتأثير بشكل واضح في وقوع الانقلاب. وقد تأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، بتدبير مخابراتي إقليمي وغربي، ولكن وعي الشعب التركي، وسرعة تصرف القيادة وحكمتها بعد فضل الله ساهما في إحباط هذه المحاولة التي كان يُراد من ورائها تركيع تركيا. 

أضف تعليقك