• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم القيادي في إخوان الأردن: على العتوم

السيد ياسر البرهامي هو نائب رئيس الحركة السلفية في مصر، وقد أصدر قبل مدةٍ فتوى بتحريم المسلسلات التركية، كما نشرت ذلك جريدةُ السبيل يوم الأحد بتاريخ (22/4/2018م)، وذلك بحُجّة نشر المذهب الصوفي في بلاد العرب التي تنتشر فيها هذه المسلسلات بقوة، كما أنّ فيها خطراً آخر وهو (تعظيم القومية التركية تمهيداً لإظهارها كقيادة للعالم الإسلامي) مع أنّ من محاسنهم الكبيرة كما يقول: (فتح القسطنطينية، غير أنّ البِدَع التي دبَّتْ في جسد الدولة والعصبية التركية في قرونها الأخيرة هو الذي أدى إلى عِظَمِ المصيبة التي شهدتها دول العالم الإسلامي بسقوط الخلافة واحتلال الغرب لبلاد المسلمين، هذا إضافة إلى ما في هذه المسلسلات كما يقول كذلك من موسيقى ونساء وخلط في التاريخ).

ابتداءً، أنا لستُ من هواة المسلسلات أو حضورها، ولستُ عامةً من محبِّي الموسيقى، ولاسيما ما جاء منها في التمثيليات والأغاني وما إلى ذلك، ولستُ مع الاختلاط دونما شروط وضوابط شرعية، ولا مع الغناء كما يشيع اليوم عندنا أو عند غيرنا، كما أنني لستُ مع العصبية القومية، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنها: (دعوها فإنها نتنة)، ولستُ من مُحبِّي أو مؤيِّدي هذه المسلسلات التركية عامة، لأنها في عالمنا الإسلامي لا تقوم ضمن حدود أخلاقية، ولا بُدَّ أنْ يدخلها ما يدخلها من مفاسد.

وأنا مع الشيخ البرهامي في النفور من هذه المسلسلات والكثير مما يُعرَضُ فيها والنفور كذلك – بشكل عام – من الحركات الصوفية وخاصة ما شاع منها في العصر الحديث، وذلك بعد انحرافها عن المسار الأصيل: زهداً في الدنيا ودعوةً لله وجهاداً في سبيله والتزاماً بالسُّنة، وخروجها كذلك على الكثير من المعاني الإسلامية القاصِدة وتركيزها على مواجد وروحانيات وعقائد دخلها حقّاً الكثيرُ من الخرافات والخزعبلات، ولاسيما عدم قيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقع الحياة، وسكوتها عن الظلمة والمستبدين من رعاة المسلمين، بل تأييدهم والترويج لهم. كما أنني معه – وأعُدُّه إيجابية له – أنْ يذكر للعثمانيين فضلهم في فتح القسطنطينية، وإنْ كان هذا شيئاً طبيعياً أن يصدر عن شيخ مسلم، وأن يعدَّ أنّ سقوط الدولة العثمانية جرَّ ويلات على البلاد العربية كان من أظهرها سيطرة الدول الاستعمارية عليها، إلاّ أنّ ذلك لم يكن بسبب ما انتشر في دار الخلافة من بِدَع صوفية كما يقول، وحسبُ.

غير أنّ النقطة الرئيسة التي سأدير نقاشي عليها مع السيد البرهامي، أنه جعل من أسباب انتقاده للمسلسلات التركية بل تحريمها. أنها تحمل خطر (تعظيم القومية التركية تمهيداً لإظهارها كقيادة للعالم الإسلامي). وأنا هنا لا أتدخل في فتواه من حيث هي فتوى، إلاّ أنْ تكون مبالغاً فيها وفي أمر تعليلها بربطه بنشر القومية التركية، فالتحريم إذا كان حقاً لا يختص بقوم دون قوم، إذ الحرام حرام في أي عصر أو أي مصر. ولكننّي قبل مناقشة هذا القول أود – كما تعاملتُ مع بعض كلامه بإنصاف – أنْ أُبيِّن ما فيه من انحراف، وأنّه يكيل بأكثر من مكيال في النظر إلى الأمور أو الأحداث فأقول: إذا كانت هذه المسلسلات التركية مُنْتَقَدة أو محرَّمة لما فيها مما يخرج على روح الشرع الإسلامي وأخلاقياته من موسيقى وغناء وكلام ومظاهر، فإنّ ما يجري في أقطارنا العربية من مسلسلات يُعَدُّ أسوأَ بكثير من هذه التركية وفي كل شيء، فأين الموقف منها ونحن أولى بأنْ ننقد أنفسنا قبل أن ننقد الآخرين، ولاسيما أننا أصحابُ الرسالة الأُوَل، أم أنه الخوف والنفاق وحُبّ الدنيا والكُره الشخصي لجهة أو جماعة مّا؟!

ثم إذا كانت الصوفية من أسباب سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا بِبِدَعِها، وهو – في رأيي – فيه مجانبة للحق كبيرة، فما قول السيد البرهامي بالجماعات الصوفية في عالمنا العربي وما فيها حقاً من خزعبلات وسكوت عن استبداد الحُكّام، بل مديحهم وتأييدهم المفرط؟! ومن هنا كان الحُكّام في مصر وغيرها من بلاد العرب وما زالوا يفتحون لها كل الأبواب للقيام بأنشطتها بما فيها من بِدَع مكشوفة وفاقعة، في وقت – كما يعلم البرهامي – كان لا يُسمَحُ فيه لأبناء الحركة الإسلامية أنْ يُمارسوا شيئاً من أنشطتهم، إذ كان معظمهم في السجون أو القبور أو تحت أعواد المقاصل!! ومن بعدُ فإنه وللأسف أضحت بعض الجماعات السلفية اليوم ومنذ زمان، سائرة في رِكاب الطواغيت من الحُكّام، تتغزّل بقدودهم وتتمدّح بظلمهم وتُصدر الفتاوى لتأييدهم، والأخرى بتكفير مَنْ يخرج على ولاة الأمور من هؤلاء أصحاب العسف والجور، ومن ثَمَّ حشد أصوات الجماهير لانتخابهم على فسقهم وفسادهم!!

وأقول للسيد البرهامي: إنه لا يكفي أبداً أنْ تمرَّ على قضية فتح القسطنطينية هكذا مروراً عابراً، بل يجبُ أنْ تجلعها من مفاخر أولئك القوم الأتراك، لأنها كانت تصديقاً لنبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من تسعة قرون، ومدحاً لهم أميراً وجيشاً بقوله: (فنِعْمَ الجيشُ جيشُها ونِعْمَ الأميرُ أميرُها)!! وخاصة أن فتحها سيكون تمهيداً لفتح روما كما هو في الحديث ذاته، وفاتحة للعبور إلى كثير من أقطار أوروبا لنشر الإسلام فيها، في حين أنه مرّ على العرب أصحاب الرسالة وقت طويل لم يُقدِّر الله لهم فيه فتحها، مما يدلُّ على عِظَمِ الأمة التركية وما فيها من خير وبركة.

أما قوله – وهذا مربط الفرس في المقال – بتحريم المسلسلات التركية لأنها تروِّج للقومية التركية تمهيداً لإظهارها كقيادة للعالم الإسلامي – فأقول له: وما الضير، أن يعمل الأتراك أو أية أمة أخرى عملاً تظهر من خلاله أنها قادرة على التصدر وقيادة الأمم بحقٍّ وجدارة، كما هو شأن الأتراك اليوم الذين سبق أجدادهم أنْ حملوا عبء الرسالة في الأوساط الإسلامية، فحموا البلاد العربية من الضياع والتشرذم وسيطرة الدول الاستعمارية عليها، كما حموها من المدِّ الصفوي الزاحف والمتعاون مع الغرب الكافر ضدّ الخلافة وحموا فلسطين من سيطرة اليهود وتكوين دولة قومية لهم فيها؟!

لقد كان العثمانيون أهل سُنّة وجماعة، حكموا بلادنا أربعة قرون كانت فيها بأمنٍ وسلام حتى جاء عصر الاتحاد والترقّي وحزب تركيا الفتاة القوميّين فاستولوا على الحكم بعد إزاحة السلطان عبد الحميد، فحاربوا العرب وحاربهم العرب إنجاحاً للمؤامرة التي حاكها لهم الصليبيون واليهود معاً وقبلها الطرفان، لانخداعهم بالأفكار القومية الملموسة باللمسة الشيطانية للقومية الغربية، فراحوا تحت سياسات الخداع والأضاليل يوسِّدون لكل شيء يُبعد عن الإسلام. من دعاوى باطلة ليست من الحق في شيء، كما قال سبحانه: (إنْ هي إلاّ أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزلَ اللهُ بِها من سُلْطانٍ).

وأقول للسيد البرهامي: إذا كان الأتراك اليوم يُقدِّمون أنفسهم قوماً حَمَلَةً للإسلام والعودة به إلى سابق عهوده المشرقة، سواءٌ زمان حكم الخلافة العربية أو زمان خلافة بني عثمان، فما الخطأ في ذلك أو الخطيئة، ونحن مأمورون أنْ لا نُسِيء الظن بالناس ابتداءً وأنْ لا نُنقّر عن ضمائرهم أو نشكِّك في نيّاتهم ونكِلُها إلى الله؟! وماذا يقول السيد البرهامي لنفسه وللعرب منذ الثورة على الخلافة ومناداة قادة الأمة بالقومية العربية قصدَ التصدّر بالقوة والبطش بعيداً عن الإسلام، بل حرباً شعواءَ عليه وعلى أهله مما أوصلنا إلى دار البوار، وقد كان هؤلاء معظمهم إنْ لم يكن كلهم عملاء للغرب والشرق وأعداءً لدين الله بأشد من عداء اليهود والصليبيين الذين قادوا مع الأتراك باسم القومية والماسونية الحرب على الخلافة؟!
وأقول أخيراً للسيد الفاضل: أيها السيد الكريم ما موقفك أنت ومن معك فيما يحصل في بلادنا العربية وفي مصر بالذات من محاربة دعاة الإسلام من الحركة الإسلامية، ووقوفك مؤيِّداً لهؤلاء القوميين والقادة الذين يحملون السيف مشحوذاً، بل مسموماً على الإسلام ودُعاته، ورسولك يقول – عليه الصلاة والسلام -: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) ويقول: (إذا هابت أُمّتي أنْ تقولَ للظالم يا ظالم فقد تودِّعَ منها)، ويقول: (مَنْ عادى لي وليّاً فقد آذنتُه بالحرب) وقد جاء في الأثر: (مَنْ دعا لفاسق بطول البقاء فقد أحبَّ أنْ يُعصَى الله)!! ألا فليتَّقِ اللهَ حَمَلَةُ هذا الدين في كلامهم ومواقفهم وفتاواهم، وأن لا يكونوا أحلاساً للطغاة ولا دعاةً على أبواب جهنّم، وإلاّ فإنّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة…

أضف تعليقك