• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: سليم عزوز 

 

لا أعرف ما إذا كان التفاخر بالعرق التركي لا يزال شائعاً في مصر، أم أنه توقف بعد الانقلاب العسكري، وبعد إعلان حالة الحرب على الأتراك وتقديمهم على أنهم أعدى أعداء مصر، مثلهم في ذلك مثل قطر والإخوان المسلمين؟!

للتأكيد على سر الجمال، أو لتبريره ولو بالادعاء، تقول المصرية إن جدتها تركية، أو أن فيها هي "عرقا تركيا". والعرق دساس، وكما أن الأمر يحتمل الجانب السلبي بالحذر من خضراء الدمن التي هي المرأة الحسناء في المنبت السوء، فقد يكون إيجابياً، فيكون هذا العرق الدساس هو المسؤول عن جمال المرأة، ولم يكن الوجود التركي في مصر هو الوحيد، ومع ذلك فلا يمكن أن توجد جميلة تنسب جمالها إلى "العرق الشركسي" أو أن جدتها يونانية، أو أنها من ألبانيا، وهؤلاء جاؤوا إلى مصر، كما جاء إليها المماليك ولا يزال لهم امتدادات في المحروسة تعرفهم بسيماهم!

ويلاحظ أن الجينات التركية هي الغالبة في الأنجال، على عكس ما تنتجه العلاقة مع أي جنسية غربية، فليس مضمونا أن يكون ابن المصري من زواج بأجنبية "خواجاية" ويؤدي إلى تحسين السلالة. وكثيرون لا يعرفون أن العائلة الأباظية لا تنتمي إلى الجد "أباظة"، فواقع الأمر أن "أباظة" هو لقب الجدة التركية، بينما الجد هو "سليمان"، والذي كانت له زوجة أخرى مصرية، وكان نسله منها شبيها به، ولا يتمتع بسمات أنجال وأحفاد "أباظة"، وهي سمات في الشكل توارثها الأحفاد عن الأجداد!

ولم يجد القوم حرجاً في أن ينسبوا إلى الجدة، وأن يتفاخروا بالانتساب إلى "الأتراك"، الذين شاهدت عائلة منهم تعيش في "سمالوط" بمحافظة المنيا، وفي بلدة يطلق عليها "الغرباوي"، نسبة إلى "الغريب التركي"، ولا يزال للقوم إحساس بالتفوق لهذا الانتساب التاريخي!

كل هذا كان قبل الانقلاب العسكري، وقبل أن يناصب النظام الحاكم العداء للنظام التركي، فيصبح "أردوغان" في الدعاية السيساوية وكأنه "أبرهة الأشرم"، مع أن النموذج الأردوغاني في الحكم، كان ملهماً لكثير من المصريين، الذين تمنوا أن تشهد البلاد بعد ثورة عظيمة تجربة كتلك التي تشهدها تركيا على يد رجب طيب أردوغان، ولم يكن الرجل احتكاراً إسلامياً، بل إن من أنصار الفريق أحمد شفيق من روجوا له في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في سنة 2012، بأنه أردوغان مصر!

فالإسلاميون وجدوا حرجاً في الترويج لأنفسهم بتجربة الرئيس التركي، لا سيما بعد أن تحدث عن علمانية دولته. فقد استقبل في زيارته للقاهرة من قبل قيادات إخوانية بعد الثورة، لكنه غادرها بدون مودع؛ لأنه صرح بعلمانية دولته عقب وصوله للمحروسة، وهو ما أحرج الإخوان!

لم يطلع المصريون على تجربة صاحبنا بشكل كامل، فما وصلهم هي عناوين تفيد بأنه أخذ ببلاده من الفشل إلى النجاح، ولم يكن الأمر قد توج بقدرته على إنهاء سيطرة الجيش على مقاليد الحكم، فانتهت بذلك مرحلة مظلمة في تاريخ تركيا الحديثة. فالجيش كان يستطيع أن يلغي إرادة الناخبين بجردة بيادة، بيد أن أردوغان اتبع مع المؤسسة العسكرية سياسة الخطوة خطوة، حتى انتهى الأمر بالخروج الجماهيري الواسع في محاولة الانقلاب الأخيرة، فأنهى الشعب على هذه المرحلة، وكان في صمود أردوغان في هذه الليلة رسالة إلهام لهذا الشعب الذي تحرك حتى قبل أن يطلب منه الرئيس ذلك!

التجربة الأردوغانية بدأت برئاسة رجب أردوغان لبلدية إسطنبول، وقد ذهب إلى رئيسة الوزراء ليحصل على الميزانية، ولأنها كانت ترأس حزباً خسر البلدية هذه المرة، فقد رفضت أن تخصص له "ليرة" واحدة، لتقضي على تجربته مبكراً، لكنه ابتدع الإعلانات على المواصلات العامة، وتمكن من الحصول على ثمنها لبناء إسطنبول الحديثة، والذين شاهدوها قبله يمكنهم الوقوف على حجم الإنجاز الذي تحقق على يديه، فكانت هذه الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل، وبإنجازاته بعد ذلك لفائدة الشعب التركي كله أصبح رقماً صعباً، فلم تجد القوى الخارجية والإقليمية من سبيل سوى التخطيط لانقلاب عسكري عليه، فالثورة المضادة التي أفشلت الربيع العربي، خططت للانقلاب، وجاء الأسطول الأمريكي ليحمي هذا الخيار، وفي خطته خطف الرئيس، وقامت إمارة الشر بتمويله بثلاثة مليار دولار، لكن المخطط فشل!

وسهرنا ليلة كاملة، شاهدنا فيها من ينسبون أنفسهم لليبرالية، ومن يتم حسابهم على الدولة المدنية، يبشرون بالانقلاب العسكري، ويؤيدونه، ويشمتون في اختيار الشعب التركي ممثلاً في أردوغان، وبفشل المحاولة ذهبوا يتحدثون عن الديمقراطية التي استبيحت على يد الديكتاتور الأكبر!

ليس لهؤلاء أن يتحدثوا عن الحرية أو عن الديمقراطية، وليس لمن أيد محاولة الانقلاب الفاشلة أن يدعي وصلاً بقضية حقوق الإنسان!

واللافت أن من بين من يناصبون أردوغان العداء من هذه الزاوية من ينتمون للتيار الاسلامي؛ لأنهم تقاعدوا بفضل الفشل الذي مني به مشروعهم في القاهرة، فاعتقدوا أنه لتأكيد توجهاتهم الجديدة لا بد أن يشاهدوا الدراما التي قاطعوهم في السابق بحكم تدينهم وانشغالهم بأمر المسلمين! ولأنهم يريدون بهذا العداء أن يؤكدوا انحيازهم للديمقراطية، فقد انتقلوا من فكرة لأخرى دون يتوافر لهم الوعي الكامل بمعنى الديمقراطية، وربما أحرجهم أردوغان لنجاحه في صد عدوان الجيش وفشلهم هم، فقرروا التنفيس عن أنفسهم من منطلقات ديمقراطية، دون أن يدركوا أن إسقاط الانقلابات العسكرية هو الطريق الطبيعي لإقامة الديمقراطية، فليس الديمقراطي هو مسيح هذا العصر الذي يركل بالبيادة في بطنه؛ فيعطي للراكل مؤخرته!

وبحسب معلوماتي أن سلطة الحكم العسكري في مصر، ورعاة الاستبداد في البيت الأبيض وفي السعودية وأبو ظبي، لا يعادون أردوغان لأنه ليس ديمقراطيا، ولكن لأنه رمز من رموز التحرر الوطني في العالم، وقد فشلوا في إسقاطه عبر صناديق الانتخابات؛ لأن الشعب التركي يعرف ما قدمه له، وقد قاد حركة نهوض بتركيا غير مسبوقة، وهو ما يزعج الاستعمار القديم، الذي لم يتخل عن فكرته الاستعمارية، ولكنه فقط قام بتدويرها، كما يتم تدوير القمامة، فتتحول إلى بلاستيك ضار بالبيئة وبصحة الإنسان!

وقد تحولت تركيا، في عهد أردوغان، إلى ملاذ للمستضعفين في الأرض، والذين هربوا من حكم الاستبداد، ليتحول فريق من ضحاياه إلى عدو للرئيس التركي الذي ينتهك الحريات، ربما لأن نجاحه أكد أن فشلهم لم يكن قدراً.

وقد خسر أردوغان بانحيازاته المبدئية فصار الهدف تشويهه بعد أن كان صاحب المشروع النموذج حتى داخل الأنظمة القديمة، وبعد أن كان مشروعه يجذب الجميع صار نجاحه يحسب على تيار بعينه، فتوقف الترويج له، وربما توقف الترويج للجمال بأن أصله تركي!

فهل لا تزال جدتك تركية؟!

أضف تعليقك