• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

 (1) خطاب الرئيس : حرق المراكب

أن نواجه مشاكل وعقبات وتحديات ، فهذا شيء طبيعي جدا، لكن اللاطبيعي أن ننحط إلى حالة من الانتكاس والإحباط والعودة إلى مربع الصفر.

المصالحة اليوم تعيش حالة من الاحتضار لأسباب عبثية .

الوطن والقضية تضيع لأسباب عبثية غير منطقية.

فجأة يهجم خطاب الرئيس، لا ليقدم حلولا ومخارج من الانتكاسة السياسية والوطنية، بل ليصب النار على الزيت : يشتم ..يوزع الاتهامات ، ويطلق الأحكام دون أدلة ، وأمام جمع كبير من القيادات التي لم يتجرأ أحد منهم أن يقول له (صل على النبي) !!

حتى من يعرف الحقيقة منهم يخشى أن يقول للرئيس (لا).

لقد أحرق الرئيس جميع المراكب وقضى على فرصة المصالحة ، ثم توعد بفرض عقوبات على هذا القطاع المتخم –أصلا- بعقوبات الاحتلال !!

ماذا سيضيف من عقوبات إذا كانت الكهرباء والمياه والمعابر والاقتصاد والبطالة في حالة مزرية ؟؟

أي رئيس يعاقب شعبه في وقت تعقد فيه الاجتماعات الدولية لإنقاذ غزة من الانهيار ؟؟

ثم يقولون لك إنه ليس عقابا لأهل غزة بل هو عقاب لحماس !!

ماذا ارتكبت حماس من (كبائر) تستوجب إقامة (الحدود) السلطوية عليها؟!!

كان الرئيس حادا مع حماس أكثر مما كان حادا مع "إسرائيل" التي سلبت وطنه وقتلت شعبه وأرهقته (ونكدت عيشته) لأكثر من ربع قرن في مفاوضات عبثية أوصلته إلى (صفر كبير).

بل إنه لا يزال يمده للسلام معها ، ولا زال يفني عمره في حل محكوم عليه بالفشل اسمه حل الدولتين ، ولا زال يبحث عن مرجعية (سلام وهمي) بعد عشرين سنة مفاوضات !!

الرئيس كان في فورة غضب ، وخطابه كان (فشة خلق) ، خرج فيها عن كل القواعد الدبلوماسية وحتى المنطق في طرح الأشياء.

هل أصبح المنطق والحساب السياسي:(يا بتشيل يا بنشيل) !!

أهي (بكسة بندورة) حتى نقسمها بيننا يا سيادة الرئيس ؟؟

ولا هي (حاكورة) حتى يتم تسليمها بدون قيد أو شرط !!

أليس هذا (انقلابا) فجا على اتفاق المصالحة الذي وقع بموافقة الرئيس؟

في كل مرة يشهرون سيف (الشرعية)-غير المعرفة سياسيا أو وطنيا-،وأن غزة الهاربة من حظيرتها يجب أن تعود إليها، حتى أضحت محل (مزاودة) ، بل ونكايد بعضنا بعضا بها ،وكأننا نعيش في ترف دولة مستقلة، وليس تحت احتلال لا يبقي من الشرعيات سوى شرعية مقاومته وإنهائه.

(عيب) نضل نحكي في الشرعيات ما دام هناك احتلال .

أرجوكم احذفوها من قاموسكم !!

(2)  المصالحة بين الحقيقة والوهم

سأحكي - ليس من باب التحليل لكن من باب الممارسة والتجربة التي عايشتها بنفسي في مسار المصالحة طوال الأشهر الماضية -، وتتبعت كل تفاصيلها ، وأستطيع استحضار الكثير من الأسماء الكبيرة (وزراء وقيادات) التي رافقتها طوال الأشهر الماضية والتي كانت شاهدا على صدق ما أقول .

منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاق المصالحة عقدت حماس ما يشبه غرفة العمليات اليومية التي سعت بقوة وإخلاص لتنفيذه بحرفية وموضوعية، بل وقدمت مرونة –غير مسبوقة-  تجاوزت حدوده، خاصة في موضوع عودة الموظفين وتمكين الحكومة وتسليم المعابر.

بل أشهد أن السنوار كان يشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة ، وبشكل يومي وعمل مثابر وحاسم كي يتأكد من أن الأمور تسير على ما يرام.

كنا نراه وهو يعقد الاجتماع تلو الاجتماع في ساعات متواصلة تصل إلى حد الثانية والثالثة بعد منتصف الليل . كان لديه طموح قوي أن ينهي هذا الكابوس – الانقسام - ، وندخل مرحلة الشراكة الوطنية. وللشهادة -أمام الله وأمام التاريخ- أن هذا الرجل لم يكن يبحث عن حسابات ضيقة ولا مكاسب حزبية أو حكومية، بقدر ما كان همه الوطن والوطن فقط.

مشهد اندفاعه القوى والعفوي في مسار المصالحة برز في كل لقاءاته التي جمعته مع مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني

الكل شهد له أنه كان صادقا في كل حرف كان يتفوه به.

للأسف، أن فتح قابلت كل هذا بالشك والطعن والانتقاص والتلكؤ واختلاق المعاذير في الوفاء بالتزاماتها.

كانت اللغة الغالبة هي الأخذ فقط : سلمونا معابر ، أعيدوا الموظفين ..أعطونا الجباية ..مكنوا الحكومة ، دون أن يقدموا بارقة أمل – ليس لحماس – وإنما لأهل غزة الذين كانوا يئنون تحت الحصار والمعاناة . استنزفوا ثلاثة أشهر من أجل إعادة 50 ميجا كهرباء ، وماطلوا في تقديم مبالغ زهيدة لمعالجة أزمة الوقود والأدوية في الصحة، ولم يضغطوا ولو لمرة واحدة لفتح معبر رفح بعد أن كانوا يدعون دوما أن وجود حماس هو المعضلة .

ماذا قدمت فتح أو الحكومة شيئا يذكر منذ أن دق ناقوس المصالحة ؟؟

ومع ذلك، قلنا يجب أن نمضي ولا نتوقف، لكن كنا نواجه بالعنت والرفض،  والأغرب من ذلك الاتهام بأن حماس هي التي تعطل المصالحة !!

حينما كنت التقي السنوار في مكتبه كان ينظر إلى مستغربا  ومتسائلا ، كنت أقول له "اصبر" ، هذه مرحلة (بلع الزلط)".

كان لديه إيمان قوي بأن يسير في المصالحة حتى النهاية رغم كل الانتقادات التي انصبت عليه حتى من داخل الصف الحمساوي الذي تولد له إحساس قوي أن فتح لم تقدم في المقابل شيئا .

كانت حماس تتوقع من السلطة / حركة فتح أن ترد بالمثل وتقوم بخطوات إيجابية لضخ وقود أكبر في قطار المصالحة ،غير أن شيئا لم يحدث، وبدأت الشروط والاشتراطات تطل برأسها من جديد.

لا تمكين بدون جباية ،لا تمكين بدون قضاء، لا تمكين بدون أمن !!

وبدأ التركيز على صغائر الأمور هنا وهناك، وكأنها القشة التي تقصم ظهر المصالحة.

خرجت المصالحة من دائرة الحوار إلى دائرة الاشتراطات ، ومن نكهة الثقة إلى "مقصلة" الشكوك .. ومن الاستعجال إلى التباطؤ .. ومن التواصل إلى القطيعة ...بدون أي مبرر !!

ثم بدأت مرحلة التخوفات تطل برأسها : حماس قوية ومسيطرة على قطاع غزة وإنه مهما تمكنت الحكومة ستكون لها اليد الطولى ويمكن في لحظة – كما ادعى الرئيس- أن تنقلب على المصالحة!!.

 وبدأ شيطان الانقسام ينهض من نومه ويستعيد عافيته ودوره من جديد!!

ثم جاءت  مرحلة تلبس السلطة بالكوابيس السياسية : المصالحة ما جاءت إلا كتمهيد لصفقة القرن ، وإن مصر تريد فرض وصايتها على المصالحة ، وإن حماس تريد أن تتخلص من عبء حكم غزة وتلقيه في حضن أبو مازن ، وأنها تريد أن تتحول السلطة إلى صراف آلي لموظفيها ...

سلسلة أوهام عقيمة وترهات فارغة نفثت السم في جسد المصالحة الغض.

وبرغم كل التطمينات التي قدمتها حماس لحركة فتح والسلطة إلا أن (العفاريت) ظلت تأز الحكومة وفتح أزا ، وتذهب بها شياطين الانقسام بعيدا!!

السنوار- في موقف جريء- عرض على كل قوى المجتمع أن تكون شاهدا وحكما للفصل على من يعطل المصالحة ، لكن فتح رفضت وتهربت ، واسألوا الجبهة الشعبية عن ذلك .

أن كل الظنون والشكوك التي تقوم عليها ادعاءات السلطة ليس لها رصيد على الإطلاق.

حتى لو افترضنا أنها ادعاءات صحيحة ،فان الحل لا يكون بالقطيعة والتصريحات الهجومية والأحكام السوداوية ،بل بالمواجهة على طاولة الحوار.

منذ من البدء في تنفيذ الاتفاق  لم يكلف أحد من قادة فتح نفسه زيارة غزة أو حتى التواصل والسؤال عن هذا (الوليد الخداج) الذي (أنجبناه) سويا في القاهرة ، وعما إذا كان يعاني من البرد والجوع والإهمال ويحتاج لمزيد من الرعاية.

حالة غير مفهومة من اللامبالاة

خلال اتصالاتي، نقلت إلى عدد من قيادات فتح  استغرابي من عدم سؤالهم أو متابعتهم لهذا المولود الجديد، وكأنه ليس من صلبهم ،وفضلوا أن يضعوا الحكومة في (بوز المدفع) .،وللأسف أن الحكومة – المفترض بها أن تنفذ ما يتفق عليه الطرفان -وقعت في الفخ واستمرأت الدور، وصارت تطالب بما ليس من حقها أن تطالب فيه، لأنها مطالب تخضع للقرار السياسي بحسب نصوص الاتفاق.

ومع ذلك لم نغلق الباب أمام الحكومة ،وقلنا "دعونا نجرب معها ، ووضعنا أمامها رزمة حلول حول العديد من القضايا مثل الجباية والقضاء والأمن على طاولة الحوار. أحيانا لا يعطون جوابا، وأحيانا أخرى نفاجأ بقولهم" أن القرار سياسي وبيد الرئيس وحده !!

المضحك أن المفاوضات –بعد ذلك- صارت (لاسلكيا) عبر الواي فاي !!

رئيس الحكومة -من رام الله- صار ينادي على حماس (بالميكرفون): سلموا الأمن ... سلموا القضاء .. سلموا الجباية ، وبعد خطاب الرئيس  تشجعوا أكثر: (على حماس أن تسلم القطاع من الباب للمحراب) !!

أي عبث هذا، وأي فوضى هذه ، وأي خرق وحرق لاتفاقات المصالحة؟؟

الخلاصة : في السنوات الماضية لم أكن أتردد في توجيه النقد العلني لحماس على ترددها وتباطؤها في المصالحة، واليوم أقول -بكل ثقة وعن علم- أن كرة المصالحة في ملعب حركة فتح ،وخصوصا الرئيس، وعليها أن تدرك أن (المناورة) لن تكون لصالحها. وإذا كانت تتحدث عن مواجهة لصفقة القرن والضغوط الأمريكية والعربية فإن أول خطوة يجب أن تقررها هي (وضع يدها) بقوة في ملف المصالحة.

(3)  مسرحية التفجير!!

بداية قالوا إنها (محاولة اغتيال قذرة) ..وأنها (حادثة خطيرة)  ومنهم من طالب بلجنة تحقيق دولية وتعذروا بأن حماس تتحمل المسئولية. وحينما انتقلت الأجهزة الأمنية للعمل -وبقدرة قادر- تغيرت اللغة من العربية إلى السنسكريتية ، وانقلب الأمر برمته إلى مسرحية سيئة الإخراج !!

أليس  من سذاجة التفكير والسطحية الموغلة في العبث الادعاء بأن حماس (أخرجت مسرحية مكشوفة) في تفجير موكب رئيس الوزراء، كما ادعت الحكومة وبعض ناطقي حركة فتح ؟؟

الأسئلة البريئة : لماذا تريد حماس تفجير الموكب وهو فشل للأجهزة الأمنية التي نسقت لحماية الموكب بالتنسيق مع أمن الرئيس وأمن رئيس الوزراء ؟ ولماذا تريد هدم الأمن الذي بنته بنفسها ؟ ولماذا تريد استجلاب غضب الناس عليها بلا مبرر ؟؟ ولماذا تضحي باثنين من عناصر الأمن وتعرض الآخرين لخطر الموت ؟

في اليوم الثاني كانت الاتهامات جاهزة، وسيل الهجوم الأرعن لم يتوقف دون أدلة ولا براهين.

حتى الرئيس قال إنه لا يريد تحقيقا !!

الرئيس الذي لم يتهم "إسرائيل" بقتل الشهيد عرفات طوال 14 عاما رغم كل الأدلة الواضحة والفاضحة ، لم يتردد في اتهام حماس بعد خمسة أيام !!

للأسف أن البعض انحدر إلى مستوى غير مسبوق من التحريض وتعزيز الكراهية والانقسام الوطني، في وقت يقولون إنهم يواجهون صلف الإدارة الأمريكية وصفقة القرن !!

كيف يمكن أن يواجهوا سياسات الإدارة الأمريكية المجنونة وهم يذبحون المصالحة ويئدون الوحدة الوطنية،  ويعمقون الانقسام ويخسرون شعبهم ؟!!

كيف يمكن أن ينجح الرئيس في صد الرعونة (الترامبية) وهو يريد أن يصوغ المجلس الوطني والمركزي بحسب مقاساته السياسية ويريد أن يحشر الجميع في مشروعه السياسي المحكوم عليه بالفشل ؟

أما آن للرئيس أن يتخذ قرارا جريئا ، يكسب فيه احترام شعبه – بأن يعطي الأولوية للوحدة الوطنية وتصليب الموقف الوطني بدل هذه الشرذمة والفرقة القاتلة ؟؟

هذه مرحلة تتطلب ذوي العقول والضمائر الوطنية وليس أصحاب الاستعراضات الكلامية ..

لا تزال أمامنا فرصة لإنقاذ الوطن والقضية عبر بوابة المصالحة والوحدة الوطنية ، فلا تغلقوها .

لا تسدوا طريق الوحدة بحواجز الشك ومتاريس الإعلام المترع بالكراهية والتحريض ..

لا تقتلوا الأمل في نفوس شعبكم المتعب بعد مسيرة عذاب امتدت سبعين عاما ..

أضف تعليقك