• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

ليس كل اليسار «رفعت السعيد»، ولا كل الناصريين «عبد الحليم قنديل»، فمن بين أهل اليسار من لا يزالون يعضون على القيم الإنسانية بالنواجذ لا يضرهم من ضل.

لقد بدأ الدكتور جمال عبد الفتاح نضاله المبدئي قبل أربعين عاماً، منحازاً للفقراء، ومدافعاً عن حقوق الإنسان، ومناهضاً للإمبريالية، والصهيونية، والرجعية العربية، تغيرت الدنيا، ولم يتغير هو، وبدت الأفكار التي يؤمن بها، كما لو أنها من أساطير الأولين، في زمن الميوعة السياسية، فما وهن لما أصابه وما استكان، ولم يكن غريباً وحاله كذلك، أن يكون أحد ضحايا النظام العسكري في مصر، يقوم بعملية قتله بالبطيء، ويمنع عنه الدواء، ويتعمد التنكيل به، وهو المريض، الذي تجاوز الستين من عمره، فيمنع عنه الزيارة، وهي حق كفله الدستور، كما يمنع دخول الملابس والأغطية، وما يلزم لشتاء السجن القارس!

قبل الثورة، كان الدكتور جمال عبد الفتاح من الذين وقفوا ضد تمديد الحكم لمبارك، أو توريثه لنجله، ولأن ما يغيظ أنظمة الاستبداد، أن يكون من يعارضها «مستغن»، فكان تلفيق قضية بيع دواء في صيدليته مدرجاً في «الجدول»، بدون تذكرة طبيب، ولم ينطل الأمر على أحد، ووقفت الجماعة الوطنية ضد هذا التلفيق الذي اشتهرت به أنظمة الاستبداد العسكري، منذ النشأة والتكوين في سنة 1952، كما كان لزملائه من الصيادلة دور في كشف هذا التلفيق، فالمقصود هو جمال عبد الفتاح، الذي أزعج السلطات بنضاله المتواصل، طيلة كل هذه السنوات، في الزمن الذي بدأ فيه كثيرون من أهل اليسار يتقربون للنظام بالنوافل، استفادة من سلوك الحكم العسكري الذي يعادي تياراً ويقرب آخر.

وفي زمن الفتنة، ظل نفر من أهل اليسار متمسكين بمبادئهم وانحيازاتهم، فيرفضون الإمبريالية، ويعلنون تمسكهم بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، لذا فقد كان طبيعياً أن يكون هدفاً لحكم يرى من أهدافه الوظيفية تحقيق الأمن لـ «الجار الإسرائيلي»، وفي سبيل هذا يتنازل عن تيران وصنافير، ويستكمل المهمة بالتبرع بألف كيلو متر للسعودية، ضمن مخططه لتوسيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني من ناحية، وإخراج مصر من مضيق تيران تماما من ناحية أخرى، فلا تهديدات أخرى بإغلاق المضايق، ولم تنته المهمة عند هذا الحد، فقد فرط في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، بتوقيعه على اتفاق المبادئ مع أثيوبيا، حتى يتسنى له توصيل المياه إلى الكيان!

لقد لفق نظام مبارك قضية للدكتور جمال عبد الفتاح، بيد أن نظام السيسي لم يجد نفسه بحاجة للتلفيق، فقام زوار الفجر باعتقاله، لأنه من ناحية في حل من التلفيق، والغرب يتساهل معه في انتهاكات حقوق الإنسان، ثم من في الغرب يمكنه الحديث عن اعتقال رجل لا يزال إلى الآن مؤمناً بأفكار قديمة، مثل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، والخلاص من الإمبريالية (التي يمثلها الغرب) والصهيونية والرجعية العربية، وكل أولئك ينظرون للسيسي على أنه وكيل أعمالهم في القاهرة!

لقد ظل «عبد الفتاح» بعد واقعة اختطافه من منزله، ضمن المختفين قسرياً لأكثر من أسبوع، فقد حفيت أقدام أسرته وأصدقائه بحثاً عنه، وهي جريمة كانت تحدث في مصر ضد الإسلاميين وحدهم، ثم أصبحت سمة لهذه المرحلة، رغم النصوص الدستورية والقانونية، التي تنص على بدأ التحقيق مع من يتم القبض عليه، في حضور محاميه، وباعتباره بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي!

وكان العثور على صاحبنا صدفة، فقد تم الدفع به إلى نيابة أمن الدولة بعد سبعة أيام من اعتقاله، تبين أنه قضاها في الأمن الوطني، والتقاه محام صدفة في النيابة، ولولا ذلك لظلت أسرته تبحث عنه إلى الآن!

لقد وجهت له النيابة الاتهام بالانضمام إلى جماعة إرهابية، وهو اتهام شائع وعلى نحو يكشف أن كل المصريين، أعضاء في جماعات إرهابية، ما عدا أنصار السيسي وهم قلة بكل الحسابات، ممن يحيون مناسباته العامة بالرقص.

ونأتي للاتهام الذي استفز سلطة الانقلاب العسكري، فالدكتور جمال عبد الفتاح دعا إلى مقاطعة ما يسمى بالانتخابات، رغم أنه لا توجد انتخابات فعلا، فالسيسي اختار من ينافسه «على مقاسه»، وسجن اثنين قررا خوضها، هما الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة، وفرض الإقامة الجبرية على ثالث بعد اختطافه وترحيله من الإمارات هو الفريق أحمد شفيق، ومع ذلك يخشى من هذه الانتخابات وتزعجه الدعوة لمقاطعتها.

وقد قامت المعارضة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية في سنة 1990، كما انسحبت عقب الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب سنة 2010، ولم ير النظام الحاكم حينئذ في المقاطعين ومن دعوا للمقاطعة أنهم خرجوا على القانون، وينبغي اختطافهم وتقديمهم للمحاكمة العاجلة، وقد دعت كذلك جبهة الإنقاذ إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي كانت ستجرى قبل الانقلاب العسكري، وكان الرد هنا في دائرة السياسة، ولم يخرج إلى دائرة التجريم القانوني!

لقد بدا المخطط واضحاً تجاه الدكتور جمال عبد الفتاح، فهو يتعرض لعملية قتل بالبطيء، عندما يتم منع الدواء عنه، وبعضه ضروري لمن هو في حالته الصحية، لتأخذ المسألة بعداً آخر، يتجاوز فكرة مقاطعة الانتخابات، ولكنه الانتقام منه باعتباره أحد الذين شاركوا في ثورة يناير، وعبد الفتاح السيسي يعادي كل من شاركوا فيها ويرى أن من أسقطوا حكم مبارك هم خطر على حكمه، وينبغي التخلص منهم، لا فرق بين إسلامي ويساري، فالمطلوب أن يكون الإسلاميون كياسر برهامي وأصحابه وأن يكون اليساريون كرفعت السعيد وورثته!

بيد أن جمال عبد الفتاح، ليس هو رفعت السعيد، كما أن صديقه الناصري في السجن «حسن حسين» ليس هو عبد الحليم قنديل.

إنها حرب التصفية لكل الأحرار.

 

 

 

 

 

أضف تعليقك