• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

مرّت في هدوء الذكرى السنويّة الثالثة لوفاة المُؤتمر الاقتصاديّ، الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ في 13 مارس 2015، فلا نيّةَ لدى أهل الحُكم بتجديدِ الأحزان بتذكّره، وقد وُلدَ ميّتاً، رغم الزفّة التي نُصبت له، ودفعت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، إلى أن يُعلن في ليلة انعقاده، أن عبد الفتاح السيسي انتقل به، من «رئيس الضرورة»، إلى «رئيس الاختيار»، مما عُرف عنه من قدرته على نحت الأوصاف، فيكفي أن نعلمَ أنه من خلع على تأميم الصحافة في سنة 1960، وصف «التنظيم»، فصدر قانون «تنظيم الصحافة»، ولأن السادات كان حريصاً على محو أي آثار لهيكل في عهده فعندما وضع قانوناً جديداً، أسماه قانون «سلطة الصحافة»، قبل أن يعود الاسم الجديد للقانون في عهد مبارك: «تنظيم الصحافة»!

كانت العلاقة بين عبد الفتاح السيسي وهيكل قد شهدت فتوراً، بعد تلاعب السيسي بوساطته في أمر اعتقال الشباب، وإذا استجاب فأفرج عن «علاء عبد الفتاح» بعد فترة من الحبس الاحتياطي، فقد صدرت الأحكام ضدّهم بالسجن، وقد وجد على إثر هذا أن السيسي ليس بالشخص الذي يُنزل الناس منازلهم، فسافر إلى الخارج، وعندما عاد كانت «زفّة» المؤتمر الاقتصادي، وتدخّل «أولاد الحلال»، لإذابة الجليد، ليُشارك الكاتب الكبير في «المولد» المنصوب بكل ثقله، فكانت استضافة «لميس الحديدي» له، فقرّر أن المؤتمر قد نجح نجاحاً ساحقاً قبل انعقاده، وهو النجاح الذي كان يعني حل مشاكل مصر، في مؤتمر النهوض الاقتصادي، ولا غرو إن صدرت الصحف بمانشيت واحد هو «مصر تستيقظ»!

كانت الجملة هي جزءاً من خطاب للسيسي، وكانت تعبيراً عن ثقافة «الموالد» والمهرجانات المُعتمدة لدى أهل الحكم، وقد كان التبشير بالمؤتمر الاقتصادي مُبكراً، وبالتأكيد على أنه سيحلّ كل المشاكل الاقتصاديّة ما ظهر منها وما بطن، ليُمثل نقلةً هائلةً على مستوى معيشة المصريين، وكأنه «مغارة علي بابا»؛ حيث الذهب والياقوت والمرجان، فكلما ضاقت أحوال الناس المعيشيّة كان الطلب منهم أن ينتظروا انعقاد المؤتمر الاقتصادي، والذي تأخّر موعد انعقاده لشهرين، إذ كان مُقرراً أن ينعقد في شهر يناير، فتأجّل انعقاده إلى شهر الخيرات، وهو شهر مارس، لكنه كان صرحاً من خيال فهوى!

لقد حضر المُؤتمر قادة مئة دولة، وقال القوم: «العالم كله في شرم الشيخ»، إذ لم يستثنوا من هذا العالم سوى قلة من هذا العالم على اتساعه، وأعلنت وزارة الخارجيّة أنها لم توجّه الدعوة لثلاث دول، هي «تركيا وإسرائيل وإيران»!، مما يعني أنها حُرمت من هذا الشرف التاريخيّ. وكانت كلفة هذا المهرجان هي مئة مليون جنيه في قول، ومئة وعشرين مليون جنيه في قول آخر، وصاحب التصريح هو شخص واحد، اختلفت الوسيلة الإعلاميّة فاختلفت الأرقام، فالتصريح الأول منشور في جريدة «الفجر»، أما الثاني فقد نُشر في موقع قناة «العاصمة»، وكان المُصرِّح هنا وهناك هو رئيس الهيئة العامّة للاستثمار والمناطق الحرّة!

وأعلن رئيس الحكومة «إبراهيم محلب» أن حصيلة المؤتمر الاقتصادي هي 60 مليار دولار أمريكي، في حين أن وزير الاستثمار صرّح لجريدة «الأهرام» أن الحصيلة هي (75.2) مليار دولار!

لا تشغل بالك بالفارق الكبير بين الرقمين، ولكن انظر إلى الدقة في تصريحات وزير الاستثمار لدرجة أنه لم ينسَ أن يذكر فاصل (2)، فمهما يكن الفارق، ففي النهاية أن الحصيلة بالمليارات، وبالعملة الصعبة، فنصف الرقم الأقل يكفي لأن ينتقل بالمصريين من حال إلى حال!

وظهر السيسي، كشاب في يوم فرحه، ومن نوعيّة الشباب الذين يختزلون كل الحياة القادمة في «ليلة الدُخلة»، وقد نجح الفرح، بحضور الأعيان من «المعازيم»، فأعلن أنه يقترح تصدير الفكرة، ونقل المؤتمر في كل عام في نفس التاريخ إلى دولة أخرى، للنهوض باقتصادها كما نهضت مصر، فها هي مصر تستيقظ، وينبغي أن تستيقظ معها الدول الفقيرة، ولو بمعدّل دولة في كل سنة!

كذب القوم حتى صدّقوا أنفسهم، ولم يكن لدى أنصارهم استعداد لأن يتم إفاقتهم من حالة السُكر البيّن، التي جعلتهم يعتقدون أنهم ودّعوا الفقر إلى النهاية، بما يؤكّد صحّة اختيارهم عندما قالوا إنه لا بدّ أن يحكم مصر «دكر»، ولا توجد جهة تلد الذكور في طول الوطن وعرضه إلا الجيش، وقد جاء السيسي على قدر لإنقاذها، ليس فقط من مصير سوريا والعراق، ولكن لأن يرتفع بها لكي تكون من النمور الاقتصاديّة!

لقد بشرهم السيسي بحل كل المشكلات بالمُؤتمر الاقتصاديّ، وها هو المؤتمر الاقتصاديّ ينعقد ويأتيه قادة العالم من كل حدب وصوب، وعلى طريقة «كايدة العزال أنا من يومي»، عاملوا الآخرين، ولم ينتبهوا إلى أنها سياسة الحكم العسكريّ وهي الترويج للأوهام، وهي السياسة المُتبعة الآن، لكن تجربة فشل المؤتمر الاقتصاديّ، علمتهم ألا يُعلنوا عن تفاصيل المشروعات، بحُجّة الخوف من أهل الشّر، وهو أمرٌ لم تعرفه ولو المجتمعات البدائيّة قبل ظهور الدولة، يبدو أن السيسي يعتقد أن فشل المؤتمر الاقتصاديّ إنما يرجع للحسد، وكما قيل فالعين فلقت الحجر!

لقد انفضّ المولد، وكأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس، ولم يسمر بمكة سامر، فلا أحد الآن يُجادل في أن المؤتمر فشل، ولو من باب الجدل العقيم، غاية ما في الأمر أنهم تجاوزوه، ولا يُريدون تذكّره، إلى حد أن الذكرى السنويّة الثالثة للمرحوم حلّت دون تذكّره، وكأن المقصود به منذ البداية، هو فرح لمدّة ليلة، وفق ثقافة الأفراح في المجتمعات القديمة، إنما كان الهدف منها هو «جمع النقوط»، لحل أزمة اقتصاديّة طارئة، و»النقوط» هنا يتمثّل في إدخال الغشّ والتدليس على الناس، فقد حلموا لأكثر من عام، بحل الأزمة الاقتصاديّة، وعاشوا مع الأحلام الورديّة هذه الفترة، ليتم سحبهم إلى أحلام أخرى، فقد أعادوا التبشير بأن الاكتشافات البتروليّة ستُحوّل مصر إلى نمر اقتصاديّ. مرّة أخرى يتحدّثون عن النمر والنمور!، قبل اكتشاف الحقيقة المُرّة، بامتلاك الشركات الأجنبيّة نصيب الأسد فيها، وأن إسرائيل استولت على آبار الغاز المصري، كما تمّ تمكين قبرص من الاستيلاء على ما تبقّى بعد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود معها!

الدلالة المُهمّة لفشل المؤتمر الاقتصاديّ، أن الموقع الإلكتروني للمؤتمر، يقوم الآن بالدعاية لعصير البرسيم، بعد أن تكاسلت الحكومة المصرية عن دفع إيجار السيرفر، فكان من نصيب شركة يابانيّة مُتخصّصة في العصائر، والوصف «تكاسلت» خاص بجريدة «المصريون»، فهل تكاسلت الحكومة فعلاً أم وجدت أنه لا معنى لدفع الإيجار، وقد «انفض السامر وخربت الليلة»؟!

ليس هذا هو الموضوع، فما شغلني حقاً، هو المُنتج، والبرسيم نوع من الحشائش خاص بالماشية؟! فما علاقة من صدّقوا دعاية المؤتمر الاقتصاديّ، ببهيمة الأنعام؟!

هل هي مُجرد مُصادفة؟!

 

أضف تعليقك