• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، فإن عبد الفتاح السيسي حرص على ألا يُحيط المصريين علماً، بما جرى في اللقاء الثلاثي الذي جمع مؤخراً بينه وبين الرئيسين السوداني والإثيوبي في أديس أبابا!.

رسمياً لم يتم الإعلان عما تم الاتفاق عليه في هذا اللقاء، وما أذيع كان على لسان أحد الأشخاص من غير أصحاب الصفة الرسمية، وهو السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، في تصريحات لموقع «البوّابة»، فكل ما فعله السيسي عقب خروجه من اللقاء، هو التأكيد على أن الأمور على ما يرام؛ فمصر والسودان وإثيوبيا بلد واحد، ولا توجد مشكلة من الأساس بسبب سد النهضة، ثم انتهى الأمر عند هذا الحد. كما لم يصرّح وزير الري المختص بشيء، وبشكل يوحي بأن ما قاله السفير حليمة، هو اجتهاد شخصي، لا يمكن أن نمسك السيسي منه، أو نحاسبه عليه!.

وإذا قدّمنا حُسن النيّة، فإن الأمر لا يبعث على الطمأنينة لمجرد أن السيسي أخبرنا بأنه لا مشكلة من الأساس في سد النهضة، لأنه يفتقد القدرة على تقدير الأمور التقدير الصحيح، فعقب توقيعه على اتفاق المبادئ، جاء من إثيوبيا وبشّرنا بنجاحه وباقتناص حقوق مصر التاريخية في نهر النيل من «فم الأسد»، وأقيمت الأفراح والليالي الملاح، وتحدّثت أذرعه الإعلامية عن نصر الله والفتح، وكيف أن الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، كان سيدمّر البلد بتصريحاته العنترية، لكن الله قيّد لمصر «رجل دولة»، نجح في المهمة بسهولة، قبل علمنا أنه ظل نصف قرن يدرس ما معنى الدولة!.

لقد ثبت باليقين، مع تقديم حُسن النية، أن المذكور منح الجانب الإثيوبي موافقة مصر كتابة على بناء السد، بدون قيد أو شرط، فالاتفاق لا يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، ودخلنا في «دوّامة» من نوع آخر، فكل العروض التي قدّمتها القاهرة على تواضعها رفضتها إثيوبيا، ومنها ما انتهى إليه المكتب الاستشاري الفرنسي، أو اقتراح مصر بتولي البنك الدولي الوساطة، مع أن من الخبراء من قالوا بانحياز المكتب لأديس أبابا، كما أن البنك هو صاحب سياسة في مياه الأنهار تنطلق من أن دول المنبع من حقها التصرف في المياه تصرف المالك فيما يملك، وأن تبيعها، أو تمنح ما تجود به، منحة صاحب الثروة!.

لم نكن نحن من قال بفشل المفاوضات، فمن قال هذا هو وزير الري المصري، ولم نكن نحن من قال إننا نشعر بالقلق من تجميد المفاوضات، فهذا تصريح منسوب للسيسي نفسه!

وهذا الفشل للمفاوضات، إنما يؤكد خطأ التوقيع على اتفاق المبادئ بدون النص على حقوق مصر التاريخية وسنوات الملء، وقد كشف تجميد المفاوضات، على هشاشة الموقف المصري، بسبب هذا التوقيع غير المسؤول، مع تقديم حُسن النية!.

ولعل سؤالاً يطرح نفسه: ما هي الضمانات التي حصل عليها عبد الفتاح السيسي في اجتماعه الأخير، الذي خرج منه ليطلب منا أن نطمئن؟، على أساس أنه لا مُشكلة أساساً في سد النهضة، بعد أن كان من قبل رأس كل خطيئة، واستحقت قطر هجوماً كاسحاً ضدها من قبل الأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري، لأنها تموّل بناء هذا السد، ضمن مخططها لتعطيش مصر. أو كما قالوا!.

لقد قال السفير صلاح حليمة أنه تم الاتفاق على أن سنوات ملء السد هي ثلاث سنوات تتنازل مصر في كل سنة خلالها عن 7.5 مليار متر مكعب، من حصتها السنوية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب، على أن يعوّض البنك الدولي مصر عن هذا النقص، وإذا حدث بعد السنوات الثلاث أو خلالها جور على حصة مصر بما يتناقض مع هذا الاتفاق، وجب على إثيوبيا تعويض مصر، عن هذا الجور!.

ولا نعرف كيف سيعوّض البنك الدولي مصر عن هذا العجز المائي، كما لم يقل لنا السفير حليمة، بماذا ستعوّض إثيوبيا القاهرة إن خالفت بنود هذا الاتفاق، وهل سيكون التعويض بقطعان من الماشية، حيث تتميّز أديس أبابا بأنها من أكثر الدول الإفريقية إنتاجاً للماشية؟!.

وإذا سلّمنا بصحة ما قاله صلاح حليمة، فيصبح من حقنا أن نعرف هل تم الاتفاق على ذلك «شفاهة»، وعلى أساس أن الرجل يُمسك من لسانه، أم يوجد اتفاق مكتوب بين الدول الثلاث؟!.

المؤكد أنه لا يوجد اتفاقاً ينص على أي شيء، وإذا انطلقنا من قاعدة حُسن النية، فإن هذا الاتفاق ينبغي أن يطّلع عليه الشعب المصري، وأن يحصل على الشكل القانوني ليمكن المُجادلة به إذا تم الإخلال ببنوده، سواء في وجود السيسي، أو بعد رحيله، وسواء في وجود الرئيس الإثيوبي أو بعد مغادرته الحكم؛ فالاتفاقات الدولية ينبغي أن تكون مكتوبة، والمادة (151) من الدستور المصري، تنص على ضرورة أن تعرض الاتفاقات الدولية على البرلمان لإقرارها، وفي حال التنازل عن جزء من حصة مصر من مياه النيل، ولو بشكل مؤقت، فإن هذا يندرج تحت بند الأمور الخاصة بالسيادة، فلا يصبح الاتفاق صحيحاً وفق القانون الدولي إلا إذا عرض على الاستفتاء!.

ولا شك أن محاولة السيسي لإفشال المؤتمر الصحفي في أديس أبابا، إنما تؤكد أنه كان هناك لاستكمال مهمّته، فلا نستطيع أن نقدّم حُسن النية، وإلا صرنا مجموعة من البلهاء المغفلين، فلم يكن توقيع السيسي على اتفاق المبادئ، هو لعدم تقديره للأمور التقدير الصحيح، لأنه متواطئ في ذلك، وإذا كان وزير الري قد بادر بإعلان فشل المفاوضات، ومن ثم دفع بالملف للحكومة للتصرّف، فقد ذهب السيسي لتجاوز الخطأ الذي ارتكبه وزير الري بهذا الإعلان، والذي لم يراع أن ما تم الانتهاء منه هو (62) في المئة فقط من بناء السد، وإعلان الفشل يكون بعد الانتهاء التام من عملية البناء، وبداية التخزين، عندئذ يكون اللجوء لوساطة إسرائيل، ويكون الثمن تحقيق حلمها بتوصيل مياه النيل إليها عن يد ونحن صاغرون!.

وقد قال «شيمون بيريز» أن على مصر ألا تحارب إثيوبيا بسبب سد النهضة، وأن إسرائيل ستعوّضها، ولم يقل نوعية التعويض، فربما سيرسل جزّارين من طرفه للتعامل مع قطعان المواشي التي سترسلها إثيوبيا تعويضاً عن نقص المياه ومخالفة اتفاق «قعدة العرب» التي خرجها منها السيسي، ليتكلم بوصفه الرئيس الإثيوبي فيطمئِن المصريين نيابة عنه!.

لا تقلقوا من العطش، فدولة العسكر تعمل على قدم وساق، من أجل مُعالجة مياه الصرف الصحي. بالهناء والشفاء.

أضف تعليقك