• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: خليل العناني

لا يختلف بؤس قوى المعارضة المصرية وحركاتها عن بؤس النظام الذي تعارضه، أو التي يدّعي رموزها أنهم يعارضونه. فكلاهما وجهان لعملة واحدة، اسمها الاستبداد والسلطوية. قبل أيام قليلة، شكل بعض هذه القوى تكتلا أطلقوا عليها اسم "الحركة المدنية الديمقراطية"، وما هي بحركة، ولا مدنية، ولا ديمقراطية.

أولاً، ليست الحركة المشار إليها سوى تجمع خجول لأحزابٍ وتيارات منتهية الصلاحية بأفكارها وشخوصها. وهي لا تمتلك القدرة على الحركة أو التحرك في الشارع، من أجل تحقيق مطالبها، وإنما اكتفت فقط بعقد مؤتمر صحافي لإعلان موقفها من مهزلة الانتخابات الرئاسية المصرية، من دون الحديث عن أية خطط عملية للتحرك من أجل وقف هذه المهزلة.

ثانياً، لا يمكن بحال وصف هذا التجمع باعتباره حركة "مدنية"، وهي التي مهّد كثيرون من أعضائها، إن لم يكن جميعهم، لانقلاب الثالث من يوليو 2013، من خلال تحالفهم المقيت مع العسكر، وتحريضهم الصريح على قمع خصومهم وقتلهم، خصوصا من الإسلاميين. في حين كان بعضهم أعضاء في وزارة الانقلاب برئاسة حازم الببلاوي، ومنهم أحمد البرعي الذي تولى حقيبة التضامن الاجتماعي.

ثالثاً، هي قطعاً ليست حركة ديمقراطية، ليس فقط لتواطؤ رموزها مع نظام "3 يوليو"، قبل أن يركلهم بعيداً، وإنما أيضا لسلوكها السلطوي والإقصائي تجاه غيرها من القوى والأحزاب السياسية، فقد استبعدت "الحركة" من عضويتها، ومن مؤتمرها الصحافي المذكور، أحزابا وحركاتٍ مثل حزب "مصر القوية" وحركة 6 إبريل وتيار "الاشتراكيين الثوريين"، وكأنما نصّبوا أنفسهم أوصياء على الديمقراطية، يوزعون صكوكها على من يشاؤون، ويرفضون من يشاؤون. "ليست حركة ديمقراطية، ليس فقط لتواطؤ رموزها مع نظام "3 يوليو"، قبل أن يركلهم بعيداً، وإنما أيضا لسلوكها السلطوي والإقصائي تجاه غيرها من القوى"
لا يتوقف مدّعو المدنية والديمقراطية هؤلاء عن ممارسة نرجسية سياسية غارقة في أوهام القدرة على تغيير الواقع المأساوي الذي شاركوا في صناعته قبل أعوام، ليس من خلال عمل جبهوي يجمع شتات قوى المعارضة المشرذمة، وإنما من خلال زيادة مساحات الانقسام والفرقة بين القوى السياسية، وتصنيفها وفق رغباتهم وأهوائهم. وهم لا يختلفون، في سلوكهم هذا، عن النظام الذي يقمعهم ويقصيهم، بعدما استنفد غرضه منهم. ولو أن لدى هؤلاء قدراً من المروءة والشرف السياسي، لدّشنوا مؤتمرهم ذاك باعتذار واضح وصريح لكل ضحايا انقلاب الثالث من يوليو، وما اقترفوه في حقهم من جرائم منذ ذاك الوقت. ولو أن لديهم قدرا من الحياء والخجل، لاعتزلوا العمل العام، ولبكوا على خطيئتهم السياسية، فلعل ضحايا الثورة يغفرون لهم ما اقترفوه بحقها وحقهم. ولتركوا الساحة نهائيا طوعاً لا كرهاً.

يتعاطى هؤلاء معنا وكأننا مجموعة من الحمقى الذين نسوا التاريخ القريب، أو كما لو أننا نسينا تآمرهم وتواطؤهم على الثورة وشبابها ورجالها ونسائها، بعد أن وضعوا أيديهم بأيدي العسكر نكاية في خصومهم. وهم الآن يريدون غسل أيديهم الملوثة بسوءة الانقلاب، من خلال ادّعاءٍ جديد بالمعارضة والرفض للنظام الحالي. ومن بؤسهم اعتقادهم الساذج بأن الجنرال عبد الفتاح السيسي ونظامه سوف يسمحان لهم، ولو بقدر ضئيل من الحركة، ومعارضته بجدّية، ما قد يهدّد عرشه، على غرار ما فعلوا من قبل مع سلفيه، حسني مبارك ومحمد مرسي. لذا لم يمهلهم الجنرال كثيراً، فقد باغتهم بخطابٍ قوي، يتوعدهم ويهددهم فيه بألا يسمح بحدوث انتفاضة جديدة، على غرار ما حدث في يناير/ كانون الثاني 2011، كما انهالت على هؤلاء اتهامات العمالة والخيانة والغدر، لمجرد إعلانهم مقاطعة الانتخابات الرئاسية. بل اعتبر بعضهم أن مجرد إعلان المقاطعة يعد بمثابة جريمة تستوجب العقاب والسجن، على نحو ما صرّح رئيس هيئة الاستعلامات المصرية. بل هدّد أحد ضباط الأمن أحد المتحدثين باسم "الحركة" تليفونياً، وحاول التأثير عليه وثنيه عما تقوم به الحركة، إلى الدرجة التي اضطر فيها الرجل للاستغاثة بمنشور عما حدث معه على "فيسبوك".

الآن فقط اكتشف أعضاء تلك الحركة ما نقوله منذ خمس سنوات عن عملية مأسسة القمع والإقصاء التي تجري على قدم وساق في مصر، وما قلناه عن الفاشية السياسية التي أممّت المجال العام، وكممّت الأفواه، وأنها لن تستثني أحداً بما في ذلك من دعموها ورسخوا أقدامها في السلطة. ولم يدركوا أن الأنظمة السلطوية لا تقبل مجرد النقد، وقطعاً لا تؤمن بالشراكة أو التفاوض.

بدت الصورة، في المؤتمر الصحافي للحركة المذكورة، كأننا أمام أشباح سياسية أو هياكل عظمية لكائناتٍ إيديولوجيةٍ قاربت على الانقراض، لكنها خرجت فجأة في "صحوة ما قبل الموت"، لا لتنتقد إقصائية النظام وسلطويته، وتطالب بإسقاطه، بل لتمارس إقصائيتها وسلطويتها تجاه غيرها من القوى المعارضة، فهل بعد هذا البؤس بؤس؟

أضف تعليقك