منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 يقبع آلاف المعتقلين في سجون العسكر، في أوضاع تصفها المنظمات الحقوقية بـ"الصعبة للغاية وغير الإنسانية"، وهو ما أدى إلى وفاة المئات منهم نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي.
وتتوالى الشهادات المروعة من المعتقلين أنفسهم ومن أهاليهم - فضلا عن المنظمات الحقوقية - عما يلاقيه هؤلاء في سجونهم من التعذيب، والزج بهم في معتقلات لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة، أو حرمانهم من الدواء والغذاء لأيام طويلة، علمًا بأن آلافًا منهم صدرت بحقهم أحكام، وآخرون لا يزالون قيد الحبس الاحتياطي ولم يقدموا إلى محاكمة.
وبينما تواصل منظمات حقوقية مصرية ودولية توجيه انتقادات لسلطات الانقلاب، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين أو توفير الحد الأدنى من ظروف الاحتجاز الإنسانية لهم، لا تكاد تتوقف الاعتقالات، وأحكام القضاء لا تزال تنهمر إعدامًا وحبسًا، في وقت يعيش هؤلاء على أمل تنفس نسيم الحرية.
انتهاكات بـ"الأبعادية"
تم إنشاء سجن دمنهور العمومى عام 1908 على مساحة 10 أفدنة، وهو محاط بأسوار عالية ومكهربة، ويعتبر أحد السجون شديدة الحراسة سيئة السمعة، ويطلق عليه "جوانتانامو البحيرة"؛ فمنذ تأسيسه، اشتهر بأنه قامع للسياسيين والمعارضين، وشهد فى مايو 2013 وفاة سجينة نتيجة للتعذيب الشديد وعقب مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة تحول لمعتقل سياسى لمناهضى الانقلاب العسكري.
وتتواصل معاناة المعتقلين داخل جوانتانامو البحيرة مع قطع الكهرباء والمياه بشكل ممنهج، فضلًا عن سوء التهوية؛ ما يفاقم من انتشار الأمراض بينهم مع انعدام أى عوامل للرعاية الصحية وسلامة المعتقلين وهو ما تسبب فى وفاة عدد من المعتقلين نتيجة للإهمال الطبى وتعنت إدارة السجن فى توفير الدواء اللازم.
ويقع سجن دمنهور العمومي في منطقة الأبعادية بمحافظة البحيرة ويبعد عن القاهرة بحوالي 165 كم على الطريق الزراعي، وعن الإسكندرية بـ45 كم، ويضم هذا السجن "12 عنبرا، 5 منها للمعتقلين السياسيين، 3 للسجناء الجنائيين، عنبر للتأديب، 3 عنابر للنساء".
وتستمر عصابة العسكر فى التنكيل بالمعتقلين القابعين بسجن دمنهور العمومى، حيث أودعت إدارة السجن 11 من المعتقلين على ذمة قضايا سياسية غرف الانفرادي الشهيرة بـ"التأديب" ضمن مسلسل التنكيل المتواصل بهم.
ووجهت أسر معتقلي "الأبعادية" استغاثة لكافة المعنيين بحقوق الإنسان للتحرك لرفع الظلم الواقع على ذويهم وتوفير ظروف احتجاز تتوافر فيها معايير سلامة وصحة الإنسان ووقف نزيف الانتهاكات الممنهج بحقهم.
والمعتقلون هم : هادي عودة – أحمد الرويني – أحمد بحبح – وائل بكري – أحمد أبو الريش – أحمد مزيد – صبحي عبد الشافي – أيمن مالك – عبد اللطيف الديب – محمد الوالي – أحمد عناني.
يشار إلى أن غرف التأديب في السجن تبلغ مساحة الواحدة منها 2 متر مربع دون أية مقومات للحياه أو أغطية في ظل درجات الحرارة المنخفضة، أو وسائل لقضاء الحاجة فضلًا عن الإهانات اليومية والمعاملة السيئة من قبل إدارة السجن.
ورغم التقارير والإدانات الصادرة من قبل المنظمات الحقوقية التى توثق الانتهاكات والجرائم بسجن دمنهور العمومى بالبحيرة، وتطالب بوقفها وتوفير الرعاية الصحية وظروف احتجاز تحفظ للإنسان كرامته وحياته، إلا أن سلطات الانقلاب وإدارة السجن تصعّد من هذه الانتهاكات والجرائم التى لا تسقط بالتقادم.
انتهاكات لا تتوقف
في بداية شهر يناير الجاري، بثت قناة مكملين تقريرًا معلوماتيًا حول أبرز انتهاكات سلطات الانقلاب العسكري بحق المعتقلين خلال الأسبوع الأول من العام الجديد.
وحسب التقرير البداية كانت في سجن الزقازيق العمومي حيث تقوم إدارة السجن بتجويع المعتقلين من خلال السماح بإدخال كميات ضئيلة من الأكل ومنع التريض وإجبارهم على حلق الشعر واللحية، ومنع دخول الأدوية والكتب الدراسية للمعتقلين، ومنع دخول الملابس الشتوية والبطاطين بجانب معاملة الأهالي بشكل سيء خلال الزيارة.
وفي سجن طنطا العمومي يتعرض المعتقلون للضرب والسحل اليومي داخل الزنازين، والمنع من دخول دورات المياه والتريض والتفتيش الذاتي لأهالي المعتقلين أثناء الزيارات لدرجة تصل إلى التحرش، كما تقوم إدارة السجن بتجريد المعتقلين من جميع المتعلقات الشخصية وملىء الزنازين بالمياه وإجبارهم على النوم بداخلها.
وفيما يتعلق بالمعتقلين أصيب رفعت إبراهيم السيد شردي بورم في المخ وشلل نصفي نتيجة التعذيب بالإهمال الطبي، وهو متواجد الآن بسجن جمصة، ولم يتوافر له أي رعاية صحية، وأكدت زوجته أنه تم القبض عليه ظلمًا في عام 2015 وهو معافى صحيًا.
193 حالة انتهاك لحقوق الانسان ارتكبتها عصابة العسكر على مدار 3 أسابيع مضت من شهر يناير الجاري 2018، تنوعت بين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون وإهمال طبي وانتهاكات بسجون العسكر.
ورصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات خلال حصادها في عددها "11" خلال الأسبوع الماضي من 13 يناير حتى 19 يناير 2018، 65 حالة انتهاك لحقوق الإنسان في مصر شملت 62 حالة اعتقال تعسفي وإخفاء قسري وحالة قتل خارج إطار القانون وأخرى إهمال طبي، وحالة انتهاكات بالسجون.
كانت المنظمة رصدت فى عددها العاشر 59 حالة انتهاك لحقوق الانسان ارتكبتها عصابة العسكر خلال الفترة من 6 يناير حتى 12 يناير 2018 استمرارًا لنهجها المتصاعد منذ الانقلاب العسكري الدموي الغاشم دون أي اكتراث بالتحذيرات الحقوقية المحلية والدولية المطالبه باحترام القانون وحقوق الإنسان.
كما رصدت في حصادها للأسبوع التاسع، الممتد من 30 ديسمبر الماضي حتى 5 يناير الجاري 69 حالة انتهاك لحقوق الإنسان في مصر، تنوعت بين 58 حالة اعتقال تعسفي واختفاء قسري، و3 حالات قتل خارج إطار القانون و2 قتل بالإهمال الطبي داخل السجون و4 حالات تنفيذ أحكام بالإعدام فضلاً عن حالتي انتهاكات بالسجون.
يشار إلى أن شهر ديسمبر الماضي من عام 2017 وثقت المنظمة خلاله ما يزيد عن 300 انتهاك تنوعت بين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والإهمال الطبي داخل السجون والقتل خارج إطار القانون.
مقاولات بناء السجون
منذ الانقلاب العسكري، أصبحت مقاولات بناء السجون أحد المحركات القليلة للاقتصاد المصري المتهاوي، باعتبارها مشروعات بنية تحتية للسلطة العسكرية القمعية المنقلبة علي العملية الديمقراطية، بعدما ضجت السجون الحالية بعشرات الآلاف من الشباب والمعارضين لها، ناهيك عن التعذيب المفضي إلى الموت بها ومئات الحالات الأخرى للقتل البطيء داخل أماكن الاحتجاز والتصفية الجسدية للمعارضين السياسيين بمنازلهم.
وتروي المنظمات الحقوقية وأسر المعتقلين، كل يوم قصصًا لا تصدق عما يتعرض له المعتقلون في سجون السيسي من مظالم وانتهاكات، ربما لا تحدث في سجون إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
ووثًقت كل المنظمات انتهاج زبانية السيسي التعذيب المبرح في السجون ومراكز الشرطة والمعتقلات؛ منذ بدء حملات الاعتقال في صفوف المعارضين للانقلاب في يوليو 2013، وحملت تلك المنظمات السيسي نفسه المسؤولية المباشرة عما يحدث من تعذيب وانتهاك للقانون والدستور في السجون ومراكز الاحتجاز في عموم محافظات مصر المختلفة.
ويستخدم زبانية السيسي وسائل وحشية في التحقيق مع آلاف المعتقلين بشكل ممنهج؛ وهو ما خلصت له لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة التي أكدت أن "التعذيب ممارسة منهجية في مصر"، لكن شيئا أساسيًا يبقى مصدر الأمل هو أن لكل ظالم نهاية حتى وإن طال أجله وطغى ظلمه وسينصر الله كل مظلوم حتى ولو بعد حين.
أضف تعليقك