تقول صحيفة "إندبندنت" البريطانية: إن عدد المليونيرات يزداد في وقت لا يمتلك فيه نصف سكان الكوكب؛ أي نحو 3.5 مليارات شخص إلا نحو 3% من الثروة العالمية، فيما أكدت دراسة جديدة أن 1% من سكان الكرة الأرضية أصبحوا يمتلكون نصف ثروتها.
وتكشف الدراسة التي نقلت عنها الصحيفة أن أصحاب الثروات الطائلة تمكنوا من إضافة أرباح كبيرة بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، ما أدى لزيادة نسبة استحواذهم على إجمالي حجم الثروة في الكوكب من 42.5 في المائة في ذلك التوقيت إلى 50.1 في المائة حاليا.
وتضيف الدراسة أن 10 في المائة من سكان العالم “الأغنياء” يمتلكون 87.8 في المائة من حجم الثروة العالمية، ما يعني أن 90 في المائة من السكان لا يمتلكون سوى نحو 12 في المائة من حجم الثروة.
أما الجانب الآخر الذي لا يقل إثارة، فيتمثل في أن نصف سكان العالم الأكثر فقرا لا يمتلكون سوى 2.7 في المائة من حجم الثروة العالمية التي نمت بشكل مضطرد منذ 2010 حتى أصبح حجمها حاليا يقدر بنحو 280 تريليون دولار.
هذه هي الرأسمالية أو العولمة بطبيعتها المتوحشة، ومعها آليات الفساد التي تعني أن يملك أقل من 200 ألف شخص ما يملكه حوالي 60 في المئة من البشر الواقعين في السلم الأدنى، وأن يعيش 2.6 مليار من البشر على أقل من دولارين في اليوم، فكيف تم ذلك، وإلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الظاهرة، وما هو رد الفقراء عليها؟!
أسئلة بالغة الخطورة والتعقيد، إذ إن هذا التراكم الهائل في الثروات لم يُعرف سوى في الربع الأخير من القرن الماضي والقرن الحالي، ولا علاقة لمعظمه بما يمكن وصفه بالرزق الحلال والإنتاج الحقيقي، بقدر صلته بوسائل غير مشروعة أنتجتها العولمة المتوحشة وظواهر أخرى نمت معها، إلى جانب فساد منقطع النظير في عدد لابأس به من الدول، مع أن عالم التكنولوجيا الحديثة (كمبيوتر واتصالات) قد أنتج عددا لا بأس به من الأثرياء بطريقة شبه مشروعة. ونقول شبه مشروعة لأن بعض تلك الثروات كان نتاج الاحتكار والفساد أيضا.
في النادي الأكثر ثراءً سنعثر على عدد هائل من رموز السلطة الفاسدين ومن يدورون في فلكهم بعد تحالف السلطة والثروة في عدد كبير من دول العالم الثالث، وربما بعض الثاني أيضا، وهؤلاء لا تعدو أموالهم أن تكون نتاج سرقة أموال شعوبهم ومقدراتها ونتاج الفساد والإفساد. كما سنعثر على عدد كبير من تجار المخدرات والمهربات بشتى أنواعها، ومن ضمنها غسيل الأموال.
لكن جزءا كبيرا من تلك الثروات هي نتاج هذه المرحلة من الرأسمالية القائمة على نشاطات لا علاقة لها بالإنتاج الزراعي والصناعي (بما في ذلك الخدمات) الذي يصب في خدمة البشر بشكل حقيقي، ويكفي أن نرى أناسا لا يفعلون شيئا سوى الجلوس خلف شاشات الكمبيوتر يبيعون ويشترون بينما تتضخم ثرواتهم بشكل مذهل، حتى ندرك هذه الحقيقة.
إنهم يبيعون ويشترون البضائع نفسها عشرات ومئات، وربما آلاف المرات، ويرفعون البورصات ثم يهبطون بها، بما في ذلك بورصات الأسهم والعملات والذهب والنفط وسائر الأشياء الأخرى المهمة، والنتيجة أن كل شيء يبقى على حاله، وربما تراجع، بينما تتضخم ثروات هؤلاء، لكن الأوضاع تزداد سوءا بالنسبة للطبقات الفقيرة التي تدفع مضطرة ثمن ثروات هؤلاء وما تنتجه من تضخم يطارد خبزها وماءها ودواءها.
في الإسلام لا يجوز بيع السلعة قبل امتلاكها، فضلا عن تحويلها إلى أوراق، بل مجرد كبسة على زر الكمبيوتر (الهاتف المحمول). وتدخل في هذا الإطار تجارة الأسهم والعملات والنفط وسواها. وفي الإسلام تحذير شديد من أن يكون المال “دولة بين الأغنياء”، أي محتكر بين أيدي فئة قليلة، وحثٌ واضح على أن يُؤخذ من أموال الأغنياء لمصلحة الفقراء. أما في العولمة المتوحشة فيحدث العكس تماما.
هي مأساة لن توقفها سوى ثورات الفقراء، والتي بدأت ملامحها من خلال الاحتجاجات ضد العولمة المتوحشة التي يشارك فيها أناس من الدول المتقدمة، بينما تغيب فعالياتها في الدول الفقيرة التي يموت أبناؤها في عرض البحر وهم يغامرون بحثا عن حياة أفضل.
احتجاج الفقراء ضد هذا الشكل من الثراء الفاحش ينبغي أن يتصاعد بمرور الوقت، وتتبناه القوى السياسية الحية؛ لأن هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، ويجب أن يُعاد النظر في منظومة الاقتصاد العالمي بحيث تتوقف هذه المتوالية من نهب قوت الفقراء لصالح قلة من البشر.
هي مأساة هذا الزمان. أناس يموتون من الجوع، وآخرون لا يعرفون كيف يبذرون الأموال، وفيما نعثر على كثير من التبرع لأعمال الخير لدى أثرياء الغرب، فإن مشهد أثرياء العرب مؤسف إلى حد كبير، من دون أن نعدم قلة قليلة منهم يبسطون أيديهم بالخير والعطاء.
أضف تعليقك