• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانيتين

ليس مفاجئاً أن يعلن وزير الري المصري فشل مباحثات سد النهضة، بعد ست جولات، فهذا الإعلان كاشف عن المؤامرة، وليس منشئا لها؛ ذلك أن الفشل كان منذ الجلسة الأولى، واستمر دون إعلان. وإن شئت الدقة، فقل إن هذا الفشل كان مقدراً لهذه المباحثات قبل أن تبدأ!

ففي الجلسات السابقة، وجدت السلطة المصرية ما تغطي به على فضيحتها، وتمثل ذلك في "ميكروفون قناة الجزيرة"؛ الذي تحدى به وزيرُ الخارجية المصري الهمامُ المللَ، حتى بدا مراسل قناة الجزيرة وكأنه متواطئ معه. وقد طالبته أكثر من مرة بأن يتوقف عن وضع "الميكروفون"، حتى يتكلم الوزير في الموضوع، لكن الأمر تحول إلى "لعبة" بين المراسل والوزير؛ حيث يضع المراسل "ميكروفونه" فيزيحه الوزير، فيعيده مرة أخرى فيكرر الوزير إزاحته، ويكتفي بهذا القدر. وفي المساء تحتشد برامج "التوك شو" في التلفزيون المصري وضواحيه؛ لتشيد بشجاعة الوزير سامح شكري، الذي أوقع هزيمة نكراء بمايك القناة العميلة، و"لَوْ أنّ كُلّ مَعَدٍّ كانَ شارَكَنَا.. في يومِ ذي قارَ ما أخطاهمُ الشّرفُ"!

المعلومات تؤكد أن المباحثات لم تتقدم خطوة للأمام، ولم يكن مطلوباً منها أن تتقدم حتى نصل إلى اللحظة المواتية لإعلان الفشل

فالنظام العسكري في مصر ينظر إلى وضع "ميكروفون الجزيرة"؛ على أنه رمية من غير رام لستر العورات من أن تتبدى للناظرين. فلا حديث عما جرى في المباحثات مع الجانب الإثيوبي، وكانت المعلومات تؤكد أن المباحثات لم تتقدم خطوة للأمام، وعلى مدى ست جلسات، ولم يكن مطلوباً منها أن تتقدم حتى نصل إلى اللحظة المواتية لإعلان الفشل، ولم يكن هناك أفضل من هذه اللحظة، فالشعب المصري يعيش في دوامة.. أزمة اليونسكو المفتعلة تسلمنا لحادث الواحات الإرهابي، ثم مهرجان الشباب والصخب الذي أنتج خصيصا للفت الانتباه إليه، وجرى في هذه المرة استدعاء الخلايا الأمنية النائمة، لتشيد بالمهرجان وباستدعاء الموضوعية التي تكشف عن عملاء كان النظام الأمني يدخرهم لوقت الحاجة، فماذا جرى في المهرجان ليجعله مختلفاً عن المهرجانات السابقة؟!

وقد تم إطلاق كلب السلطة العقور، لينهش في الشيخ متولي الشعراوي، وفي هذه الأجواء الصاخبة، أعلن وزير الري فشل المباحثات وتوقفها، على أمل أنه عندما ينقشع الغبار يكون خبر الفشل قديماً، وتجاوز لقدمه؛ كونه حدثاً مهماً يستحق الاهتمام!

لقد كانت البداية كاشفة عن أن إعلان الفشل الآن هو تحصيل حاصل، فقد وقع عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ؛ الذي بمقتضاه منح إثيوبيا الموافقة المصرية المكتوبة على بناء سد النهضة، وبدون إلزام الجانب الأثيوبي بأية ضمانات، وبدون أن يتضمن اتفاق المبادئ حق مصر في قطرة مياه واحدة، بالشكل الذي ذكره خبير السدود السوداني مبكراً الدكتور أحمد المفتي، وبدون أن يتضمن الاتفاق سعة التخزين وسنوات الملء، وأيضاً من دون أن يضمن أن تكون مصر حاضرة في مهمة البناء، لتقف على أن السد لن يجور على حقوقها التاريخية من مياه النيل، أو أن يمثل خطراً مستقبلياً عليها!

فالشاهد، أن مصر حرمت من حق زيارة السد، ولو من باب السياحة، وعندما سمحت السلطات الإثيوبية للوفد المصري الرسمي بالزيارة مؤخراً، اعتبرت السلطات المصرية أن هذا إنجاز يضاف إلى جملة إنجازاتها الخارقة للعادة!

السيسي لم يعرض اتفاق المبادئ على الرأي العام وأهل الذكر قبل أن يورط مصر بالتوقيع عليه، بل لم يسمح لأحد بالحديث بعد  توقيعه

واللافت أن عبد الفتاح السيسي لم يعرض اتفاق المبادئ على الرأي العام وأهل الذكر لمناقشته، قبل أن يورط مصر بالتوقيع عليه، بل لم يسمح لأحد بالحديث بعد التوقيع. فقد نهر وزيرَ الري الأسبق، الدكتور نصر الدين علام، لأنه حذر من مغبة اتفاق المبادئ، وقال له في خطاب علني: "اسكت". ومشكلة الوزير علام اعتقاده أنه جرى التغرير بالسيسي من قبل وزير ريه. وقد حذرته من هذا التصور الحالم، ووضعت له النقاط فوق الحروف.. فالسيسي هو المتورط مع سبق الإصرار والترصد، لكنه ذهب ليقدم بلاغاً ضد الوزير الذي هو عبد المأمور، وقد عزل السيسي وزيره، واستمرت نفس السياسات مع الوزير الجديد، ولم يتم التحقيق في البلاغ المقدم للنائب العام الذي فتح محضر تحقيق مع نصر الدين علام متهماً إياه بالفساد، ودخل السجن قبل أن تقرر محكمة الجنايات مؤخراً إعادة محاكمته؛ لأن حكم إدانته مخالف القانون!

لقد احتفل السيسي بتوقيع اتفاق المبادئ، وظهر مع الرئيسين الإثيوبي والسوداني؛ وهم يرفعون أيديهم المتشابكة في حالة نشوة. وعاد من هناك ليعلن النصر في خطاب عام، وكيف أن الإثيوبيين كانوا "واخدين على خاطرهم" من خطاب الدكتور محمد مرسي الذي قال فيه إن كل الاحتمالات مفتوحة في الحفاظ على حقوق مصر التاريخية من نهر النيل، وبدا في المشهد كما لو كان استطاع بحكنته السياسية أن يمتص الغضب الإثيوبي، وأن يحرز نصراً لصالح المصريين!

اتفاق المبادئ تسرب، وتبين أنه اتفاق جنائي يعمل على تعطيش الشعب المصري

بيد أن اتفاق المبادئ تسرب، وتبين أنه اتفاق جنائي يعمل على تعطيش الشعب المصري، فعاد مع ذلك ليطلب من المصريين بأن يسلموا له مصيرهم وألا يتكلموا، فهو لم يُضع المصريين من قبل ليضيعهم الآن.. أو هكذا قال!

ولا شك أن الطلب بالصمت وتسليم الأمر إليه، وغضبه من كل رأي مخالف، يكشف وعيه بأنه جزء في مؤامرة. فما توصل إليه الآن، وبعد ثلاث سنوات من توقيع اتفاق المبادئ، وبعد ست جلسات من المباحثات، كان معلوما للكافة ممن أمرهم بأن يصمتوا!

مبكراً؛ كتبت أن الهدف مما جرى أن يحقق لإسرائيل حلمها التاريخي بوصول مياه النيل إليها، حتى إذا ضرب الجفاف مصر، كان اللجوء إليها لتقوم بوساطة مع الجانب الإثيوبي، فيصل لمصر جزء من حصتها، ويكون ثمن الوساطة أن تسمح مصر بمرور ماء النيل عبرها إلى الأرض المحتلة. وكان مقدراً لهذا ان يبدأ في السنة الماضية، عندما بدأ الجفاف يضرب الأراضي الزراعية المصرية، لكن فيضاناً جاء فأخر تنفيذ المخطط، ولأنه يبدو أن مصر مع وجود الفيضان لن تتأثر إلا بعد الانتهاء من بناء السد، والقوم في تل أبيب يخشون من نهاية عهد السيسي، فكان الإعلان الآن عن فشل المباحثات، وكان واضحاً للعيان أنها فشلت منذ اليوم الأول، وغطى على فشلها "ميكرفون الجزيرة"!

 

أتهم عبد الفتاح السيسي بالتفريط في حقوق مصر التاريخية من مياه النيل

بدون لف أو دوران، فإني أتهم عبد الفتاح السيسي بالتفريط في حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، على نحو يجعله يقع تحت طائلة الفقرة (هـ) من المادة (77) من قانون العقوبات التي تنص على: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل شخص كلف بمفاوضة مع حكومة أجنبية في شأن من شؤون الدولة فتعمد إجراءاها ضد مصلحتها"!

وقد أساير من يقدمون حسن النية في هذه الأمور، وأعلن أن السيسي ضحية تصوره أنه "أذكى إخوته"، وأزمته أن لا يستمع لأحد، وظن - باعتباره طبيب الفلاسفة وفيلسوف الأطباء - أنه جاء بالذئب من ذيله، وقرر أن يكسب الإثيوبيين بلغة العواطف التي يجيدها!

لا بأس، فالآن وقد تم الإعلان رسمياً عن فشل المباحثات، لا يجوز له أن يضع يديه في الماء البارد، فأمامه طريق آخر يتمثل في أن ينظر برلمانه في اتفاق المبادئ، ويرفضه، فيتم بذلك سحب موافقة مصر على بناء السد، ويكون اللجوء بالتالي للتحكيم الدولي!

فشل المباحثات هو إعلان حرب يستدعي، إن فشلت البدائل السياسية، أن تكون الدعوة للنفير العام، وإعلان التعبئة العامة

ألا وأن عبد الفتاح السيسي يتمسك بتوقيعه على الاتفاق الجريمة، في وقت يعلن فيه فشل المباحثات، فإننا نكون أمام واحدة من عمليات التفريط، ومن تيران وصنافير إلى نهر النيل!

إن فشل المباحثات هو إعلان حرب يستدعي، إن فشلت البدائل السياسية، أن تكون الدعوة للنفير العام، وإعلان التعبئة العامة! فالجيوش هى أداة حرب، ووسيلة ردع، وليست للوجاهة الاجتماعية.

أضف تعليقك