• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لم ينس الأخ الأستاذ عبد الفتاح السيسي قائد الثورة الليبية، أن يلتقي بأذرعه الإعلامية في اليوم الأخير، لمهرجانه الفني في شرم الشيخ، الذي حمل عنوان المؤتمر الدولي للشباب، والذي بدا أنه سرق فكرته من «منتدى الشرق»، ولكن شتان بين «الثرى» و«الثريا»، وبين العمل الجاد، والأفراح البلدي، وبين سيدة الغناء العربي أم كلثوم وصاحبة أغنية «أركب الحنطور واتحنطر»!
«منتدى الشرق الشبابي»، انطلق في اسطنبول، في بداية الشهر الماضي، وشارك فيه ألف شخص، من نحو 40 دولة، ومن المؤكد أنه بدأ الاعداد له قبل تاريخ انعقاده بكثير، فقام النظام المفلس في مصر، بتقليده بتصرف، فكان «فرح العمدة»، الذي شاهدنا في شرم الشيخ، وقد تابعنا أعمال «منتدى الشرق» عبر قناة «الجزيرة مباشر»، وكان عملاً جاداً لاستشراف المستقبل، والعمل له، فلما انتقلت فكرته إلى أهل الحكم في مصر، كنا أمام «زفة العوالم»، فالقوم ليسوا مؤهلين لأي عمل جاد، أو أي أفكار هى نتاج عملية عصف ذهني، لأنهم في الأصل «أولاد حظ»، و»ابن الحظ» هذا تعرفه الثقافة المصرية، لا سيما في الريف، وهو ذلك الشخص الذي تجده في الأفراح، وإن لم توجه الدعوة له، وإن لم تربطه بصاحب الفرح صلة!
ما علينا، فقد التقى الأخ الاستاذ القائد بأذرعه الإعلامية على هامش المولد الذي نصبه في شرم الشيخ، وإذا كان محمود عطية، ضيف قناة الجزيرة هو من يحرص على وصفه بالقائد، فمن المؤكد أنه لا قائد إلا إذا كان «قائد الثورة الليبية»، وهناك مشتركات كثيرة بين القائد المصري والقائد الليبي.. أيضاً ما علينا!
فالأخ «القائد» عبد الفتاح السيسي وقد التقى بأذرعه الإعلامية، فقد زف بشرى عظيمة، تتمثل في إطلاق قناة اخبارية كبرى قريباً.. وأكد أن هذه القناة «الاخبارية الكبرى قريباً»، ذات مستوى عالمي، وهو الخبر الذي نشرته المواقع في التو واللحظة، باعتباره انجازاً عبقرياً يضاهي في عبقريته قناة السويس الجديدة، وليس في الخبر أي معلومات إضافية، غير أن السيسي أعلن أن هذه القنوات ذات المستوى العالمي تحتاج إلى تكلفة كبيرة!
لم يسأل أحد من الحاضرين، عن الجهة التي تتبعها هذه «القناة الاخبارية الكبرى قريباً»، ذات المستوى العالمي، وهل هي تابعة للتلفزيون الرسمي؟ ولماذا في بلد توجد فيه ثلاث هيئات إعلامية، عندما يتم الإعلان عن هذه «القناة الإخبارية الكبرى قريباً»، فإن المعلن هو السيسي، وليس رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أو رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، إذا استبعدنا الهيئة الوطنية للصحافة باعتبارها غير ذات اختصاص؟!
وبعيداً عن هذا فإن عبارة «هذه القنوات ذات المستوى العالمي تحتاج إلى تكلفة كبيرة» تبدو مقحمة على السياق، لأنها تجوز في حالة طلبه من المصريين أن يتبرعوا لها، وهو ما لم يفعله على غير عادته، ولا مبرر للطلب والقناة الإخبارية الكبرى ذات المستوى العالمي ستنطلق قريباً، والمعنى أن هذه التكلفة المادية حاضرة، فمن أين له هذا؟ وهل تكون الإجابة على ذلك كإجابتهم على السؤال الاستراتيجي من أين جاء بتكلفة انعقاد مهرجان شرم الشيخ في بلد يُكمل فيه كثيرون عشاءهم نوماً؟ وهو مهرجان لا يقدم ولا يؤخر!

تمويل المؤتمر

في البث المشترك للقنوات التلفزيونية، توجه أحد المذيعين بسؤال عن التكلفة المادية لمؤتمر الشباب إلى هناء السمري، التي عاد لها نفوذها من جديد، فإذا كان من الطبيعي أن تتخلص منها قناة «المحور»، لأنها كانت بدفاعها عن نظام مبارك قبل الثورة نموذجاً فجاً للنظام البائد، فقد أعادها نظام السيسي بعد انقلابه للحياة مرة أخرى، ضمن إعلاميين كثيرين طردتهم الثورة، وأعادهم عبد الفتاح السيسي لتصدر المشهد من جديد، في رسالة لا تخطئ العين دلالتها بأن ما قام به انقلاباً على ثورة يناير، وليس ثورة مكملة لها كما يقول بلهاء السياسة، وغلمان المرحلة!
ومع أننا لا نعرف الصفة الدستورية للمذكورة، فقد تم طرح السؤال عليها، والذي من المفترض أن يطرح على السيسي أو كليمه وسكرتيره الخاص عباس كامل وهو من كان يتصرف على أنه «أم العروسة»، فيستقبل الحضور، ويدير المشهد، وهو دور غير مسبوق في سلطات سكرتير الرئيس، لم يقم به سامي شرف في عهد عبد الناصر، أو فوزي عبد الحافظ في عهد السادات، أو جمال عبد العزيز في عهد مبارك. وقد ظهر الوزراء ورئيس الحكومة مجرد ضيوف على الحفل الساهر.

المهم، فقد تم طرح السؤال على خالدة الذكرة وسيدة مصر الأولى هناء السمري العابرة لكل الأنظمة العسكرية، وقد تفضلت سيادتها بالإجابة، وقالت إنهم رجال أعمال، وتدخل أحدهم وقال إنه شاهد حضور أصحاب الفنادق بأنفسهم، مما يعني أنهم شاركوا في النفقات، وهو ارتجال، وارتباك، أكد أن القوم يتحسسون رؤوسهم المبطوحة، فأي صاحب فندق عنده نزلاء بدعوة من الرئاسة سيحضر حتماً ليتابع الأمر بنفسه، دون أن تكون هذه الحفاوة بتمويل من صاحب المحل أو لوجه الله والوطن، فسوق السياحة يحتضر منذ أربع سنوات، فمن أين لهم بالأموال ليستقبلوا ضيوفاً على نفقتهم الخاصة، ثم لماذا لم يتم الإعلان عن الرعاة للمؤتمر من رجال الأعمال، أم أنها «الصدقة المخفية»، حيث لا تعلم الشمال ما أنفقت اليمين؟!
المقطوع به أن المال الذي تبدد على حفل أضواء المدينة في شرم الشيخ، هو مال الشعب المصري، الذي قال عبد الفتاح السيسي أنه لا يوجد لديه علاج جيد، أو تعليم جيد، أو توظيف جيد، عند سؤاله في فرنسا عن حقوق الإنسان، والمعنى، الذي هو في بطن الشاعر في هذه الإجابة المدهشة، هو اعطونا لكي نهتم بالتعليم، وبالعلاج، وبالتوظيف!
وكما بدد المال المصري، ومعظمه قروض ومساعدات، في مشروعات وهمية ومن تفريعة قناة السويس، إلى العاصمة الجديدة، إلى المؤتمر الاقتصادي، فانه يواصل عملية التبديد، وكلف هناء السمري ومن معها بالإجابة على السؤال الصعب: من أين كل هذه الأموال التي تم تبديدها على مؤتمر بلا أي مردود على أي مستوى، تماما مثل التكلفة التي وصفها بالكبيرة لإطلاق قناة اخبارية كبرى قريباً ذات مستوى عالمي!

تبعية القناة الجديدة

من المستبعد أن تكون هذه القناة الاخبارية الكبرى ذات المستوى العالمي تابعة للتلفزيون الحكومي الغارق في الديون، والذي صار النظام الحالي ينظر إليه على أنه عبء كبير، والنية تتجه إلى إغلاقه وتسريح العاملين فيه ضمن سياسة الحكم لتخفيض عدد الموظفين في الدولة، فضلاً عن أن مبنى التلفزيون (ماسبيرو) الذي يتحمل هذا العدد الضخم من العمالة الذي يقترب من أربعين ألف نسمة، يقع في نطاق مثلث ماسبيرو، الذي بدأت ازالته لتسليمه للمشتري وهو دولة أبو ظبي الشقيقة الكبرى!
والمعنى، أن القناة الإخبارية الكبرى ذات المستوى العالمي، ستكون ضمن القنوات الخاصة، ليقودنا هذا إلى المالك الحقيقي لهذه القنوات، وهو الذي يتحدث عن القناة الاخبارية الكبرى!
نعلم أن عملية الشراء والاستحواذ للصحف والقنوات التلفزيونية هو لصالح هذا المالك الحقيقي، وإن ظهر في الصورة مالك من رجال الأعمال كأحمد أبو هشيمة، أو ملكية شركة أمن مثل «فالكون»، لكن الناس في بلدي يعلمون أنها ملكية صورية للمالك عبد الفتاح السيسي، ولم يكن غريباً أن يطلق الناس في بلدي على قنوات «دي.أم.سي» أنها تلفزيون المخابرات، حتى العاملين فيها صار هذا الاسم، هو اسمها الحقيقي المتداول على ألسنتهم، فلا أحد يقول إنها قناة «دي. أم. سي»!
في تقديري أن القناة الاخبارية الكبرى ذات المستوى العالمي، التي بشر بها السيسي ستنطلق من قناة المخابرات هذه، وينبغي الإشارة إلى أن شبكة «دي. أم. سي» أطلقت قناتين أو ثلاثاً، وقد أنفق عليها مال قارون، وتملك استوديوهات هى أفضل من المملوكة لـ«الجزيرة»، و«بي. بي. سي»، و«فرانس 24»، ومع ذلك فقد فشلت تماماً، وصارت برامجها كـ «الطبيخ البايت»، أو الأكل منزوع الدسم بشكل عام، والذي يشبه أكل المستشفيات، ولولا قسم «السيوشيال ميديا» الذي يطلق بعض الفيديوهات في العالم الافتراضي لبعض البرامج، لما سمع بها إنس ولا جان!
فإذا كان إعلام الفقر، قد ولى زمانه، وصار الإعلام الآن صناعة ثقيلة، تحتاج إلى المال الوفير، فإنه ليس بالمال وحده يبني الناس إعلامهم، وحتما فإن القناة الاخبارية الكبرى ستكون صفراً بجانب هذه الأصفار، فإن كان السيسي قال إنها قناة كبرى، فلم يقل إن كانت في حجم البحر، أم في وزن «البطخية»، والتي هي بختك يا أبو بخيت، فقد تكون حمراء فاقع لونها، وقد تكون بيضاء، فالسيسي يبيع سمكا في ماء، ويظن أنه ما دامت توافر لها المال الوفير فإنها ستكون قناة كبرى على مستوى عالمي!
فاته أن الحرية هى جزء أصيل من نجاح الإعلام، وفي غيابها فلن يغني عنه ماله وما كسب، وإذا كان الإعلام المصري قد لفت الانتباه إليه في فترة بعد الانقلاب للحرية غير المسبوقة والتي جرى تحويلها إلى فوضى، فإن الاستبداد في مرحلة ما بعد الانقلاب، جعل هذا الزحام لا أحد، ودفع بقناة تبث من استوديو متواضع، هى قناة «الجزيرة مباشر مصر» لأن تكون القناة الأولى في مصر من حيث المشاهدة، والتي لم تقتصر مشاهدتها على رافضي الانقلاب فقط، وإنما كانت مفتوحة في كل بيت، مما جعل من إغلاقها مسألة حياة أو موت، وتصبح هذه رغبة الملك عبد الله الوحيدة قبل الغرغرة، كما تدخل هيكل بكل علاقته من أجل هذا الهدف الكبير.

مشكلة السيسي أنه يعتقد أنه بصدد افتتاح مطعم كباب، وليس قناة تلفزيونية.

أضف تعليقك