• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانية واحدة

نعيد نشر هذه المقالة البليغة بعد أن نشرت في رابطة أدباء الشام عام 2009

للكاتب: أحمد الجدع

عندما انتصرت الدول الصليبية الحديثة في الحرب العالمية الأولى وظفرت بالدولة العثمانية اقتسمت بلدان المسلمين، وشتّتت شملهم بعد أن كانوا جميعاً، وأنهت الخلافة التي كانت رمزاً لاجتماعهم، وزرعت في بلادهم داءً... اسمه إسرائيل، وأحاطت هذا الكيان بحمايتها ورعايتها.

وما قامت محاولة لرأب الصدع في بلاد الاسلام والعودة بها إلى أمجاد الخلافة إلا أحبطت بقسوة، وما قامت محاولة للتخلص من داء إسرائيل إلا أجهضتها، لا تدخر وسيلة إلى ذلك إلا سلكتها. 

وبعد سقوط الخلافة قامت محاولات كثيرة لإحيائها، وكانت أكبر هذه المحاولات محاولة الإخوان المسلمين، وهي جماعة أنشأها حسن البنا بمصر، وامتد بها إلى دولٍ أخرى.

وعندما أقامت دول الصليب الكيان الإسرائيلي في فلسطين هبت هذه الجماعة محاولة أن تمنع ذلك ، وأرسلت مجاهديها إلى فلسطين ، وأبلوا هناك بلاءً حسنا، وقد فطن الصليبيون واليهود(بعضهم أولياء بعض) إلى هذا الخطر الإخواني، فسلطوا عليه زبانيتهم من صنائعهم ، فاقتادوا المجاهدين من سوح الميادين إلى المعتقلات والسجون.

والتفت الإخوان إلى الإنجليز الذين يحتلون قناة السويس ويتحكمون بمصير مصر، فجندوا جندهم وأخذوا بمقاومة هذا الاحتلال، وقدموا في هذه المقاومة الشهيد تلو الشهيد، فما كان من الصليبيين عندما شعروا بضعف الملكية عن مواجهة المدّ الإسلامي إلا أن جاءوا ببدعة الانقلابات العسكرية، فأزاحوا فاروقاً والملكية معه، وأتوا بهؤلاء الضباط الذين استهدفوا المشروع الإسلامي، فقتلوا علماءه وسجنوا شبابه وشردوا أنصاره.

وتفاعل الشعراء مع هذه الأحداث، وأبدعوا شعراً في قصائد خالدة صوروا فيها أروع صور الأخوة والتلاحم بين أفراد الجماعة الذين زلزلوا في حرب لا هوادة فيها ولا رحمة.

وقد اشتهر من بين هذا الشعر الذي قيل في هذه الحوادث قصيدة الشهيد سيد قطب التي عرفت بقصيدة "أخي" بعد أحداث سجن ليمان طرة وإطلاق الرصاص الحيّ على السجناء العزل من الإخوان، فقتلوا منهم من قتلوا وجرحوا من جرحوا، وأَصابوا بعضهم بالأمراض النفسية التي وصلت ببعضهم إلى حدّ الجنون!

وقبل قصيدة سيد قطب ظهرت قصيدة الشاعر محمد محمد التاجي التي أبدعها عام 1951م تحية لشهداء الإخوان الذين استشهدوا وهم يقاومون الإنجليز في قناة السويس : وكانت بعنوان "أخي" ولعل الشهيد سيد قطب استذكرها وهو يبدع قصيدته، ولعله حين اختار لقصيدته نغم الأخوة استحضرها،وهو الأديب الشاعر المطلع على مسار الشعر الإسلامي الذي كان ينشره في صحيفة "الإخوان المسلمون " التي كان يرأس تحريرها.

يقول محمد محمد التاجي في مطلع قصيدته "أخي"([1])

أخي في فؤادي وفي مسمعي

ترنمت باسمك في خلوتي

أخي في ظلال المنى أنت لي

 

وفي خاطري أنت والأضلع

رخيم الصدى ساحر الموقع

نديم، وفي العاصف الزعزع

ويمضي في نغم الأخوة الرائع إلى أن يختمها يقوله:

أخي حث ركبك، إن الزمان

أخي مزق الليل إن الصباح

أخي خذ مكانك فوق النجو

 

عدو البطيء، أخو المسرع

إذا أنت أشفقت لم يطلع

م، وقف أنت والشمس في موضع

وعندما أبيد شباب الأخوة في سجن ليمان طرة أشفق سيد قطب، وهو السجين آنذاك، على شباب الدعوة أن يتمزق، وأن تضعف عزيمته، فخاطبه بقصيدته الرائعة "أخي" وسربها من سجنه إلى صديقه وتلميذه  يوسف العظم الذي كان يرأس تحرير جريدة "الكفاح الإسلامي" في المملكة الأردنية الهاشمية".

ونشر يوسف العظم في جريدته قصيدة سيد قطب في العدد 29 الصادر يوم الجمعة بتاريخ 28/12/1376هـ 26/7/1957م وقد نشرها تحت هذا العنوان:"قصيدة من وراء القضبان: من بواكير الكفاح" ثم اشتهرت بعدُ بعنوان "أخي" وذلك لتكرار كلمة أخي في مقاطعها، ولأن مطلعها:

أخي أنت حرٌّ وراء السدود

إذا كنت بالله مستعصماً

 

أخي أنت حرٌّ بتلك القيود

فماذا يضيرك كيدُ العبيد

وختمها بقوله:

سأثار ، لكن لرب ودين

فإما إلى النصر فوق الأنام

 

وأمضي على سنتي في يقين

وإما إلى الله في الخالدين

ليس الهدف من هذا المقال دراسة القصيدة وتحليلها، ولكن الهدف منه بيان تأثير هذه القصيدة على الشعر الإسلامي المعاصر، وذلك بالإشارة إلى القصائد التي قيلت متأثرة بها، وهي كثيرة، وأكتفي هنا بذكر ما وصل إلى علمي منها.

كانت أولى القصائد التي نشرت متأثرة بقصيدة سيد قطب القصيدة التي أبدعها ناشر قصيدة سيد، يوسف العظم، نشر قصيدته بعنوان "إلى أخي من وراء القضبان، الرسالة الأولى" ويوحي عنوان القصيدة "الرسالة الأولى" أن الشاعر كان ينوي أن يتبع القصيدة بقصائد أخرى في موضوع الأخوة، أو برسالة أخرى على الأقل، وقد صدرت الأعمال الشعرية الكاملة ليوسف العظم ولم نجد فيها غير هذه القصيدة، ويبدو أن الشاعر اكتفى بها.

وقد كانت قصيدة يوسف العظم طويلة، بلغت أبياتها واحداً وسبعين بيتاً نشرها في جريدة الكفاح الإسلامي في العدد (30) الصادر يوم الجمعة 5 محرم 1377هـ موافق 2 آب 1957م ، ثم نشرها في المجموعة الشعرية الكاملة الصادر عن دار الضياء للنشر والتوزيع في الأردن وذلك في الصفحة (423) من الكتاب.       

وومطلع قصيدة العظم:

أخي؛ من ربى الأردن الصابر

أبثك شوقاً وبشرى غدٍ

 

ومن حرم المقدس الطاهر

كريم من الخالق القادر

وختمها بقوله:

ستبقى أخي شعلة من ضياء

وعندئذ يسقط الظالمون

"إذا الشعب يوماً أراد الحياة

ونسعى لرفع "عُقاب" الرسول

 

تبصر شعبك بالمنحدر

ويهتف شعبك فوق الحفر

فلا بد أن يستجيب القدر"

وعدل التقي النقي عمر

ودعا يوسف العظم شعراء الدعوة الإسلامية للتفاعل مع قصيدة سيد قطب، فاستجاب له عدد من الشعراء ، منهم شاعر العراق وليد الأعظمي ، ونشر قصيدته بعنوان"صدى الكفاح" وذلك في العدد 39من جريدة الكفاح الإسلامي الأردنية الصادر بتاريخ 8 ربيع الأول عام 1377هـ الموافق 4 تشرين أول عام 1957م ، وكان مطلع قصيدة الأعظمي:

أخي يا مقيماً وراء السدود

فمهما أعدالعدى من قيود

 

تلوح بوجهك سيما السجود

فلن نستكين لحكم العبيد

وختمها بقوله:

قريباً  قريباً يشع الأمل

ويمضي الشباب من المعتقل

 

ونخزي دعاة الهوى والكسل

ليتلو مع المنشدين النشيد

ثم كرر بيتي المطلع.

واستجاب شاعر عراقي آخر هو :ذو النون يونس مصطفى، ونشر قصيدته بعنوان"تحية الكفاح" بتاريخ 8/3/1958، ثم نشرها في صدر ديوانه  "جسر على وادي الرماد" الصادر في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية عن دار المأمون عام 1430هـ 2009م ، ومطلع القصيدة:

أخي سوف تبكي عليك العيون

فإن فرقتنا دروب الحياة

 

وتسأل عنك دموع المئين

فإنا مع الله في موعد

وختمها بقوله:

أخي فانتظر ، ولتعش في غد

وإن فرقتنا دروب الحياة

 

سينبثق الحلم السرمدي

فإنا مع الله في موعد

وتأثر بالقصيدة أيضاً الشاعر الأردني الدكتور إبراهيم محمد الكوفحي، ونشر قصيدته بعنوان "أخي" وذكر أنه أنشأها عام 1989م ونشرها في ديوانه الأول "القرآن والنبدقية أغنيات للإسلام " الصادر عن دار قدسية للنشر والتوزيع عام 1410هـ 1990م، ومطلع قصيدته:

أخي دعوة الله منصورة

ولكنها لحظات ابتلاء

 

وإن عربد الكفر يوماً وتاه

تمرُّ، فكن واثقاً بالإله

وختمها بقوله:

أخي افتقدتك زحوف الشباب

فحتام تبقى حبيس القراب

 

حماة العقيدة جند البلاد

وأنت الذخيرة يوم الجلاد

وممن تأثر بها أيضاً الشاعر محمد فوزي النتشة ابن الخليل الصابرة المجاهدة ، ونشر قصيدته بعنوان "صوت من وراء القضبان" ونشرها في ديوانه "أناشيد الفجر الجديد" الصادر عن دار الضياء للنشر والتوزيع  بالأردن 1428هـ 2007م ، ومطلع قصيدته

أخي إنني سائر في الطريق

سأمضي بعزم إلى غايتي

 

كفاحي شديد وعهدي وثيق

أغيظ العدى وأسرُّ الصديق

وختمها بقوله:

سلوا السجن عنا أيا إخوتي

وأن الجبال تلين ولا

فإما نعيش حياة الكرام

وإنا إذا مادعانا الإله

 

يجبكم بأنا على البيعة

تلين الرجال أولو الدعوة

وإما نموت على العزة

مضينا سراعاً إلى الجنة

وعاد يوسف العظم ونشر قصيدة أخرى في العدد 34 من جريدة الكفاح الإسلامي الصادرة في يوم الجمعة 2 صفر 1377هـ الموافق 30 آب 1957م أي بعد شهر من نشر قصيدة سيد قطب، وكان عنوان القصيدة :"قصيدة أخرى من الليمان: إلى أرواح الشهداء" ولم يشر إلى قائل القصيدة ، وإن كان الإيحاء أنها لسيد قطب وذلك لقوله : قصيدة أخرى من الليمان " وإن كان ذلك لا يقطع أنها له، وربما كانت لشاعر آخر كان أيضاً نزيل الليمان ، وإنما يعني بالليمان ليمان طرة الذي وقعت فيه المذبحة.

وكان مطلع القصيدة:

من هؤلاء الراسخون أمام موج هادر

يطوون بين صدورهم خبر الزمان الغابر

يمضون في لهف المحبّ إلى الحبيب الآسر

يتساقطون مضرجين من الرصاص الغادر

وعيونهم ترنو ملألأة بدمع طاهر

وصدورهم خفاقة بحنين قلب ذاكر

ويختمها بقوله:

قولوا لهم : إنا تركناكم وجيفتكم لرب قاهر

إنا رسمنا للأباة طريق كل مثابر

إما أنوف في السماء برغم كل مكابر

أو فالشهادة ملتقانا في النضير الحاشر

هذا الذي كتبته جزء من التاريخ الأدبي للدعوة الإسلامية المعاصرة، آملاً أن أجد من الباحثين من يساهم في كتابة هذا التاريخ .

 

أضف تعليقك