• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

وكما قال الشاعر: «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، ومن الواضح أنه واحد من شعراء العامية، فقال «صدفة»، ولم يقل «مصادفة»، وهو تنويه لازم حتى لا نثير غضب أهل الفصحى، بعد أن أعلن مفتي عبد الفتاح السيسي، الدكتور خالد الذكر سعد الدين الهلالي سلامة، أن فرعون اسمه «وليد»، وذلك عبر قناة «أون تي في».

ويلاحظ التغيير الذي طرأ على اسم القناة فلم تعد «أون تي في»، بعد أن باعها نجيب ساويرس لعبد الفتاح السيسي من خلال وكيل أعماله أبو هشيمة، وهناك من ذكر أن الهلالي سلامة لم يخطئ، فقد اعتمد على بعض كتب التراث، التي كانت تأخذ بالتعريب، فعربت اسم الفتى إلى «وليد»، ويقال – والحجة على الراوي– أن واحدا من واضعي كتب التراث، لعله الإمام الطبري، عرب اسم فرعون موسى، إلى «قابوس»، ونحمد الله عز وجل أن أياً من مؤلفي هذه الكتب لم يمتد أجله إلى زماننا هذا، فيطلق على ترامب عبد الجبار، وعلى كونداليزا رايس، «الخالة بهانة». بالمناسبة ما هي آخر أخبار كونداليزا رايس؟! وبالمناسبة أيضاً فإن سعد الهلالي سلامة، هو الذي نصب السيسي ووزير داخليته محمد إبراهيم قبل أن تتم اقالته، نبيين، وقال إنهما: موسى وهارون أخي. أنعم وأكرم!

لم يشغلني أن «فرعون» بجلالة قدره، وعظيم شأنه، اسمه «وليد»، بقدر ما شغلني الإعلان عن أنه ليس مصرياً، وكنا دخلنا في معارك كثيرة للتأكيد على أن المصريين ليسوا عرباً ولكنهم فراعنة، وهناك من الكتاب والمفكرين من قضوا حياتهم يطالبون، بأن نتوقف عن فكرة الانتماء للعروبة وللإسلام، وأن نعود إلى جذورنا ونرد الاعتبار للمرحلة الفرعونية، قبل أن نكتشف أن «فرعون» ذات نفسه ليس مصرياً ولكنه من «خراسان»، حسب الهلالي سلامة ليجري تجريدنا من أعز ما نملك.

ما علينا، فالشاعر قال: «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، وبالمناسبة لا يوجد شاعر قال ذلك، ولكنها حكمة شائعة. وأيضا ما علينا، فقد كنت أمشي في مناكبها، ماراً مرور الكرام، على القنوات التلفزيونية، واليوم يوم الخميس، والليلة ليلة الجمعة، حيث تأخذ برامج «التوك شو» راحتها الأسبوعية يومي الخميس والجمعة، وفق قاعدة فاسدة، تقول إن الناس في ليلة الجمعة، ونهاره، ينزلون إلى الشوارع والمنتزهات، أو يتزاورن، ولا وقت عندهم لمشاهدة التلفزيون، وهذا ليس صحيحاً البتة، فممارسة أي أسرة لهذا الطقس المتوارث، يستدعي لجوء الأسرة (الممارسة) إلى نادي باريس لجدولة مديوناتها، ومن جراء غلاء المعيشة في مصر فإن السيسي تمكن من قطع صلة الأرحام، لكي يعيش المصريون مثله، «مقطوعين من شجرة»!

أخيراً… مضاوي الرشيد

وبينما أمشي في مناكبها، رأيت أمامي «مضاوي الرشيد» على شاشة قناة «الجزيرة»، فقلت المقولة التي نسبناها للشاعر، حتى لا تبدو لقيطة: «رب صدفة خير من ألف ميعاد»، أو «مصادفة»، وعلى ذكر التعريب وسنينه، فقد ذكر زميلنا عبد الله الطحاوي، أن صاحب الكتاب العمدة «اللغة العالية»، «عارف الحجاوي»، ذكر أن تعريب «بوست»، «بوسطا»، وعندما جاء من يقول أن من مؤلفي كتب التراث من عربوا اسم فرعون، إلى الأخ «وليد»، أيقنت ساعتها أن الحجاوي هو الامتداد التقليدي لهم، وقد يعرب «ميلانيا ترامب»، إلى «الحاجة نعسة»، زوجة «الحاج عبد الفضيل»!

كنت كتبت قديماً في هذه الزاوية، أن مضاوي الرشيد، مما يشد إليهم الرحال، كاتبة ومتحدثة، فهي أفضل من يكتب في الشأن السعودي، وهي من القلائل الذين يتحدثون كما يكتبون، من حيث السيولة والتدفق، وقد وجدتها «صدفة» على شاشة «الجزيرة» فقلت: «أخيراً»!

لا أعرف إن كانت هذه المرة الأولى لمضاوي الرشيد على «الجزيرة»، أم سبق استضافتها قبل ذلك، لكنها كانت هى المرة الأولى التي أشاهدها، في حلقة ضمت عميد دولة التحليل السياسي عبد الوهاب الأفندي، وثالثا كان غاضباً من شيء ما، وفي حضرة عمدة المذيعين «محمد كريشان»، فمن غيره يستوعب حالة مضاوي في تدفقها، واحتشاد الكلمات وتدافعها، وكأنها تقرأ من ورق مكتوب. وفي مرحلة شعار المذيعين فيها: «أنا أقاطع إذاً أنا مذيع»، وبعض المذيعين يهتم بأسئلته ولا تعنيه الإجابات، فيطرح السؤال وقبل أن يقل ضيفه جملة مكتملة، يعاجله بسؤال جديد، وهكذا!

ما يجري في السعودية

مضاوي لا بد أن تُقاطع، لأنها لو تركت لواصلت الحديث حتى الصباح، لكن «كريشان» كان يتدخل في الوقت المناسب، وبعد أن تكون «الرؤية» اتضحت والفكرة اكتملت.

وقد كان موضوع الحلقة هو ما يجري في المملكة العربية السعودية، بعد قرار السماح للنساء بقيادة السيارات، وهو قرار على أهميته، يمثل التغيير الزائف، فالسعودية لن تتحول إلى دولة مدنية، لمجرد أن تقود النساء السيارات، إنما التحول الحقيقي، يكون بكفالة حرية الرأى والتعبير، وحرية اصدار الصحف، وحق المرأة والرجل معاً في التظاهر ليس سعادة بقرار للحاكم، وإنما كذلك بالاحتجاج على اوضاع سياسية شديدة البؤس، والسعودية لن تكون الدولة النموذج لأنها سجنت رجال دين، هم الأكثر استنارة بالمقارنة بعناصر المؤسسة الدينية التابعة للسلطة، والتي تعد نموذجاً مسيئاً للإسلام وصارت أداة في يد السلطة،وتابعاً ذليلاً لها.

ذكرت «مضاوي»، أن العلماينة إذا كانت تعني عند القوم إبعاد المؤسسة الدينية عن الحكم، فقد بدأت مبكراً في السعودية، وأرجعت هذا إلى سنة 1969، لكنها أيضاً ترى أن العلمانية لا تلغي الدين، وأنها عندما وصلت إلى العالم العربي تم تشويهها، فالدولة لم تحافظ على الدين من أن يكون مجالاً للاستغلال السياسي، ولكنها قامت بالسيطرة عليه، وأصبح ذراعاً من أذرعة السلطة. كما قالت إن التلاعب بالإسلام سلاح ذو حدين، فالمؤسسة الدينية وقد كانت تستخدم لصالح الحكم، فإن قرار اسقاطها، سينتج عنه، ترقب المواطنون لما هو آت، فإذا لم تحدث الثورة الاقتصادية، فسيكون للشعب ردة فعل مختلفة، أو كما قالت.

لقد لاحظت تقديم مضاوي الرشيد، على أنها استاذة لعلم الاجتماع، مع أنها استاذة لعلم الأنثروبولوجيا، ليضيع هذا التقديم، ما أرهق به «أهل الأنثروبولوجيا» أنفسهم من التمييز بين علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا، وكيف أنه علم مستقل بذاته عن علم الاجتماع، وتبدو محاولة التمييز في جانب منها تعسفية، وكأنها لاستحداث وظيفة جامعية لأستاذ بعينه، بعد أن تجاوزت الأنثروبولوجيا مرحلة النشأة التي كانت تحصر مجالها في المجتمعات التقليدية. ومع ذلك بدا المشهور أولى بالتعامل من المجهول، وقديما قيل خطأ شائع خير من صواب مهجور، فيتم إلحاق مضاوي بعلم الاجتماع، وهو علم قريب من تخصصها، وهي مع ذلك أحسن حظاً من أسعد هيكل الذي يجري تقديمه بـ «الباحث السياسي»، ولم نعرف مجال بحثه، وما أنتجه من أبحاث!

المكانة الدينية

ما علينا، فقد تصرف القوم في المملكة العربية السعودية في يوم صدور القرار التاريخي بالسماح للسيدات بقيادة السيارات، على انه انتصار كبير، فالليلة عيد، ومن يقل كلاماً آخراً فيتم تصنيفه على أنه حاقد عليهم، ولا يريد لهم أن يحتفلوا بهذا الانتصار العظيم، وكأن من حرم نسائهم من قيادة السيارات، هو الاحتلال الأجنبي، وليس السلطة الحالية ذاتها، ومؤسستها الدينية، وما بينهما من «زواج متعة» أسس للنفوذ السعودي في المنطقة، ونفوذ السعودية لم يستمد من كونها واحة الحرية، أو أنها نموذج الحكم الرشيد، أو أنها الرائدة في التصنيع، فقيمتها مستمدة من مكانتها الدينية، وإن كانت المؤسسة الدينية المتحالفة معها، الدليل الناطق على معنى الرجعية، وليست المكانة مستمدة من وجود المقدسات بها، فالمقدسات سابقة في وجودها على تأسيس الدولة السعودية، ولم تمثل اعتباراً للدول السابقة، في معركتها مع آل سعود ومعهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب!

لقد استمدت السلطة السعودية نفوذها من علاقتها بالمؤسسة، والآن نشاهد تلاعباً بهذه المؤسسة وتدميرها، وتحويلها إلى تابع ذليل، تبعث بأدائها على السخرية منها، بعد أن افتقدت بفعل أهل الحكم في السعودية، الثقة والاعتبار، فتبادر بتحليل ما حرمته، وتعلن على الفور موافقتها على قرار «ولي الأمر»، الذي اتخذ دون أن تحط به علماً، وكما قال محمد كريشان، أن فتوى الاباحة كانت على موقع المؤسسة مع وجود فتوى التحريم!

وقد لفتت «مضاوي الرشيد» الانتباه إلى أن الفتوى السريعة بالإشادة بقرار الملك بالسماح للنساء بقيادة السيارة، لم تذكر «الله» أو «الرسول»، فقد دارت حول قال «الملك»، وقرار «ولي الأمر».

ولا شك أن ما جرى ينهي «زواج المتعة»، بين المؤسسة الدينية ومؤسسة الحكم، وقرار السماح للنساء بقيادة السيارات لم يتخذ لأنه حاجة داخلية ملحة، فقد كان الإلحاح على صدور هذا القرار قديما ولم يأخذ في الاعتبار، ولكنه صدر «عربون محبة» للغرب، وإكراماً لتشريف «صبحة» أو ايفانكا ترامب، وزوجة أبيها «الحاج عبد الفضيل» السيدة «أم السعد ميلانيا»، لبلاد الحرمين، ليذكرنا بقرار السادات عندما أراد أن يلحق مصر بالولايات المتحدة الأمريكية، فأقر نظام تعدد الأحزاب، بولادة قيصرية، وبشكل مقيد، وفي ظل دستور كان ينص على رفض التعددية، فكانت تجربة شائهة، ولا مشكلة في هذا كله، فالمشكلة في السؤال الآن عن قيمة السعودية، ولم تعد لها المكانة الدينية التقليدية، وقد فكت ارتباطها بالمؤسسة الدينية، فمن أين تستمد مكانتها؟ هل من حيث كونها البلد الذي يسمح بقيادة النساء للسيارات؟ وهو أمر قائم في كل الدول الخليجية، بل وكل دول المنطقة قاطبة.

السعودية إذن تحتاج إلى شرعية جديدة، والولاء للسلطة المفروض بالتراث الديني سقط، والمدنية لا تقتصر على قرار ملكي بتمكين النساء من قيادة السيارات، ولكن بحكم مدني يحكم بتعدد الأحزاب، وبحكومة منتخبة، وببرلمان تنتخبه المرأة والرجل، و»الغاوي»، كما قالت «الشحرورة»، «ينقط بطاقيته»!

ومهما يكن، فنحن نشكر الظروف، فلولاها لما شاهدنا مضاوي الرشيد على شاشة قناة «الجزيرة»، ولا أعرف إن كان مضاوي اسما عربياً، أم يحتاج إلى تعريب، بواسطة مفتي السيسي .

أضف تعليقك