• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

فإذا فجأة تطلب القاهرة وساطة الجانب الألماني في «أزمة سد النهضة»، فيطلق وزير الخارجية الألماني تصريحات تحتفي بها الصحافة المصرية، وتعتبرها «بُشرة خير»، فيكفي أن يعلن الوزير الألماني أن «بلاده تدرك أهمية نهر النيل وكونه شريان الحياة وقلب مصر»، حتى يصبح مطلوباً منك أن تعود للنوم من جديد، مطمئناً لهذا الموقف، لاسيما وقد سبق هذا الإعلان، بيان للخارجية المصرية، يزف خبراً سعيداً للمصريين يتمثل في إعلان ألمانيا عن استعدادها للوساطة بين دول حوض النيل!
 
ولأن القوم بدوا كغريق «يتعلق في قشاية»، فقد أعلن وزير الري المصري الأسبق محمود أبو زيد أن وساطة ألمانيا في ملف حوض النيل هي بشرى لحل أزمة سد النهضة، وتعد دعماً للموقف المصري، «خصوصاً أن ألمانيا إحدى الدول التي لديها صوت مسموع في أفريقيا»!
 
ولأهمية الأمر، فقد اهتمت قناة «دي إم سي» التي تدار من مكتب عبد الفتاح السيسي بشكل مباشر، بتصريحات الوزير الألماني، وجاء في خبر رئيس في نشرة الأخبار نقلاً على لسانه: «ندعم موقف مصر في ملف سد النهضة»!
 
مصدر الإزعاج في هذه الوساطة، أنها كشفت عن وجود أزمة مع أثيوبيا، وأن النيل صار في خطر، في حين أن ما كان يتم تصديره لنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أن الأمور تجري على ما يرام، وأن العقبة الوحيدة هي في «المايك» الخاص بقناة «الجزيرة»، فكلما عُقدت لقاءات مع الجانب الأثيوبي، وينعقد مؤتمر صحفي، يفاجأ وزير الخارجية المصري بـ «مايك» الجزيرة، ليركبه العصبي، فينشغل ويشغلنا به، ولا نعرف ما يدور في المباحثات، وليلتها يحتفي الإعلام السيساوي بهذا النصر المؤزر، الذي أحرزته مصر على «مايك» القناة القطرية، ويوصف الوزير المتصدي لـ «المايك» بأنه فارس كعنترة بن شداد، فقد انتصر في موقعة «المايك» وهزم قطر في موقعة عين جالوت!
 
اللافت، أنه لم يكن «أهل الحكم» في مصر، يتحدثون أن هناك أزمة مع أثيوبيا، فقد حلها عبد الفتاح السيسي، وجاء بعد توقيع اتفاق المبادئ، يدعو للاطمئنان، فقد كانت هناك أزمة، وقد تمكن من حلها، وخضع له الأثيوبيون تقديراً لدوره ولمكانته كقائد عسكري، الجبال، والوديان، وساحات الوغى، شاهدة على منازلته للأعداء وهزيمته للأسود في البراري، في طول تاريخه العسكري المديد!
 
لقد أعلن السيسي، وهو يصدر للناس ابتسامته الساخرة، عندما يتحدث عن المرحلة السابقة له، بأن الأخوة في أثيوبيا «كانوا واخدين على خاطرهم»، وانتهى الأمر، وهو يشير إلى إعلان الرئيس محمد مرسي، بأن كل الخيارات مفتوحة لمواجهة أي تهديد يمكن أن يلحق بحصة مصر التاريخية من نهر النيل، وأن دمه ثمناً لأي قطرة مياه تنقص من هذه الحصة!
 
ليلتها سهر الإعلام السيساوي يغني حتى الصباح، لعبد الفتاح السيسي، رجل الدولة، الذي استطاع أن يحل في بضع ساعات أزمة سد النهضة، وأن يزيل التوتر الذي أحدثته تصريحات رئيس يفتقد للخبرة، والحمد لله فقد تخلصت منه مصر قبل أن يورطها في أزمة مياه بسبب هذه التصريحات!
 
كان السيسي يؤكد أن الأزمة انتهت، وأنه يطلب من الجميع أن يسكتوا، وحذر من يتحدث عن المخاطر المحتملة، فهو وحده من يعلم، ومن دونه يجهلون طبيعة الموقف، حتى وإن كانوا متخصصين مثل وزير الري في حكم مبارك، الدكتور نصر الدين علام!
 
لنستيقظ الآن، على أزمة، وطلب الوساطة الألمانية رسميا في أزمة سد النهضة، دون أن نعرف حدود هذه الأزمة وتفاصيلها، فمتى حدث هذا؟، والمعلن سابقاً هو اتفاق يرضي كل الأطراف، ونصر تمكن عبد الفتاح السيسي من إحرازه، ونجاح لم يعكر صفوه إلا «ميكروفون» قناة الجزيرة!
 
الآن تبين أن هناك أزمة، لدرجة طلب الوساطة الألمانية، والاحتفاء بتصريحات الوزير الألماني، لمجرد الإعلان أن بلاده تدعم موقف مصر في ملف سد النهضة. مع أننا لا نعرف ما هو موقف مصر في ملف سد النهضة؟!
 
لقد طلب منا عبد الفتاح السيسي أن نطمئن، وأن «يضع كل مصري في بطنه بطيخة صيفي»، وكنا ندرك أنه يدخل علينا الغش والتدليس، فهو متواطئ في الأزمة، عندما وقع اتفاق المبادئ، فأعطى شرعية مجانية لبناء السد، بدون آية ضمانات، فلم ينص في الاتفاق على حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل، ولم يتم الاتفاق على سعة التخزين وسنوات الملء ومبكراً أعلن خبير السدود السوداني الدكتور «أحمد المفتي» أن اتفاق المبادئ لا يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، ومر السيسي وجماعته على هذا الكلام مرور الكرام!
 
ومؤخراً أعلن زير الإعلام السوداني في السفارة السودانية بالقاهرة، وفي مؤتمر صحفي «لو جرى ملء الخزان في سنة واحدة لن تصل قطرة مياه واحدة لمصر والسودان»!
 
وهو الأمر الذي أكده مبكراً وزير الري الأسبق «نصر الدين علام»، فتم الطلب منه بشكل غير مباشر أن يصمت، وعندما لم ينتبه لرسائل التحذير، تم إدخاله السجن في قضية فساد!
 
وكان واضحاً، أن سلطة الانقلاب العسكري في مصر، مدركة تماماً لحجم الكارثة المتوقعة، فكان الحديث عن مشروعات معالجة مياه المجاري، ليشربها المصريون بالهناء والشفاء، ولـ «تمري حيث تسري»، وهو ما انتبهت له مبكراً وحذرت منه، فما هي حاجة المصريين لشرب المياه المعالجة وحصة نهر النيل تكفي وتزيد، لكن لا حياة لمن تنادي؟!
 
إن المخطط منذ البداية يقوم، على أن تلجأ مصر لوساطة إسرائيل لإنقاذها من الجفاف والعطش، فيكون الثمن هو تحقيق الحلم الإسرائيلي بتوصيل مياه النيل إليها، لكن بعد فضح المخطط، كان اللجوء إلى الألمان كخطوة أولى، على أن تستدعى إسرائيل عند الفشل المزمع للوساطة الألمانية، أو لتساند الألمان في وساطتهم، ساعتها يقرر السيسي على قاعدة المضطر، أنه لا مانع من توصيل المياه إلى الكيان الصهيوني مقابل ألا يموت المصريون من العطش، وقد تصدر الفتاوى الدينية التي تؤكد على صحة هذا التوجه، فلا ضرر ولا ضرار، وقد دخل الجنة رجل في كلب!
 
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يجعل «أهل الحكم» في القاهرة يسارعون في طلب الوساطة الألمانية، وأمامنا بديل معتبر، طرحه الوزير السجين، يتمثل في اعتراض البرلمان على اتفاقية المبادئ، عندئذ يتم وقف بناء السد، إلى حين حسم الخلاف عبر التحكيم الدولي!
 
إنها ألاعيب شيحة، ومما يحزن، أن الاحتلال البريطاني رفض الطلب الصهيوني، حيث رفض اللورد كرومر المندوب السامي الموافقة على مشروع كان «تيودور هرتزل» زعيم الصهيونية العالمية قد عرضه عليه بنقل مياه النيل إلى صحراء النقب، وهو ما رفضه مهندسو الري الإنجليز أيضا!
 
لف ودوران، للوصول إلى هذا الهدف وتلك الغاية، التي رفضها الاحتلال الإنجليزي، ويعمل على إنجازها حكم العسكر، الذي فرط في الأرض، ولم يعد غريباً أن يفرط في مياه النيل!
 
يا لها من مفارقة غريبة.

أضف تعليقك