• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

يعيش مسؤولو دولة الإمارات ما يشبه حالة النشوة، وهم يرون تأثير سياستهم وأموالهم وإعلامهم يتجاوز حدود بلادهم الصغيرة، ويخترق كبرى العواصم العربية والعالمية. يفعلون ذلك بقدرٍ من الفخر والتباهي، وهم يقدّمون أنفسهم للعالم نموذجاً يجب أن يُحتذى في المنطقة العربية التي هي، بحسب منظورهم، تفتقد الآن نموذجاً ملهماً في ظل انشغال أو اشتعال العواصم الكبرى، كالقاهرة ودمشق وبغداد. النموذج الإماراتي الذي يتم تسويقه، بدأ بناؤه والعمل عليه قبل حوالي عقدين مع ظهور إمارة دبي علي الخريطة السياحية والاقتصادية العالمية. وبدأ ترويج دبي باعتبارها "جنة الأحلام" في منطقةٍ تضربها الفوضى وطابعها عدم الاستقرار. لذا، عندما اهتزّت صورة الإمارة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، سارعت أبوظبي لنجدتها بحزمة مساعدات، وفي إطار مساومة سياسية لم يُعرف عنها الكثير حتى الآن. وبعد وفاة الشيخ زايد، رحمه الله، وتحولات مراكز السلطة داخل بيت الحكم، بدأ حكام أبوظبي الجدد، وخصوصاً محمد بن زايد، في إعادة ترتيب أوضاع بلاده، لا سيما إمارة أبوظبي، لتصبح القاطرة السياسية للنموذج الإماراتي الموعود، وذلك باستخدام كل أنواع التأثير السياسي والمالي والمخابراتي. ولكن، لسوء حظهم، ما إن بدأ ترويج هذا النموذج إقليمياً وعالمياً، حتى اندلع الربيع العربي، فحوّل أحلام الإمارة الصغيرة أشلاء ممزقة، خصوصاً مع سقوط أهم حلفائها في المنطقة، في مصر. 

لذا، بدأ العمل على قدم وساق من أجل الانتقام من الربيع العربي، والإجهاز على ثوراته وقواه وحركاته الفاعلة. وكانت القاهرة الهدف الأكثر أهمية من بقية العواصم العربية الثائرة، فإسقاط التجربة الديمقراطية في مصر كفيل بأن ينهي كل طموحات الشعوب العربية في الحرية والعدل. فبدأ العمل والتخطيط والتمويل لإسقاط أول تجربةٍ ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ في أكبر دول المنطقة، مستفيدةً في ذلك من أخطاء جماعة الإخوان المسلمين في السلطة، والقيام بحملة "يتصرّف يوسف العتيبة في واشنطن كأنه سفير لدولةٍ كبرى تهيمن على الساحة الدولية، وليست إمارة صغيرة ناشئة" تخويف وترهيب منهم في العواصم الغربية، خصوصاً واشنطن. وفي بقية بلدان الربيع العربي، تم استخدام سياسة العصا والجزرة، على طريقة "من ليس معنا فهو ضدنا". فبدأت حكومة أبوظبي في شراء كل من وما هو قابل للشراء، من أجل تخريب الربيع العربي، وسحق رموزه. وقامت بترويج خطاب الفوضى وعدم الاستقرار على لسان إعلاميين ومثقفين عرب، تحالفوا مع الاستبداد على حساب شعوبهم. بل ودعمت أطروحة المستشرقين بشأن عدم ملاءمة الديمقراطية للشعوب والثقافة العربية. ولا يمكن للمرء أن يفهم التورّط الإماراتي في ملفات المنطقة، من كردستان شرقاً وحتى المغرب، سوى الرعب من موجة التغيير التي تضرب المنطقة، فكان لا بد من العمل على وقفها بأي ثمن. 
وبعد نجاح الإمارات في تخريب الثورات العربية، بدأت العمل على ضمان عدم قيامها مرة أخرى، وذلك في محورين: شراء ما تستطيع شراءه من النخب الحاكمة في بلدان الربيع العربي وضمان سلطويتهم، وذلك كما الحال في مصر وليبيا واليمن والبحرين. وضمان الصمت الغربي على جرائم الأنظمة السلطوية تحت ادعاء مكافحة التطرّف والإرهاب. 

لذا تعيش الإمارات الآن حالةً من النشوة، بعد أن نجحت في السيطرة، أو هكذا يظن حكامها ومسؤولوها، على مراكز صنع القرار في أكبر دولتين عربيتين، السعودية ومصر. ويظهر هؤلاء نوعاً من التفاخر والتباهي بقدرتهم على اختراق مراكز التأثير في المنطقة وخارجها، في ما يمكن أن نسميه حقبة "الربيع الإماراتي". ولكن، يجب التأكيد على أن هذا الربيع لم يكن ليحدث، من دون التحولات العميقة التي تجري في الرياض والقاهرة، وحاجة كليهما للدعم الإماراتي. الأولى بالدعم السياسي، خصوصاً لدى واشنطن، والثانية بالدعم المادي والاقتصادي المشروط ولكن غير المحدود. 

ومن يتابع الرسائل المسرّبة للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، يكتشف مدى الغرور والشعور بالقوة والنفوذ الذي يحظى به الرجل، فهو يتصرّف وكأنه سفير لدولةٍ كبرى تهيمن على الساحة الدولية، وليست إمارة صغيرة ناشئة ليست معروفة لكثيرين، وهو يتحدث مع السياسيين والباحثين والإعلاميين الأميركيين، كما لو كان يأمرهم بماذا يقولون ويفعلون. وقد لعب دوراً كبيراً في دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر عام 2013، وبالطريقة نفسها لعب، ولا يزال، دوراً مهماً في الترويج لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الدوائر الأميركية، وتشويه سلفه محمد بن نايف، كما دلت على ذلك الرسائل المسرّبة أخيراً. 
لكل دولة ربيعها، والربيع الإماراتي الآن في المنطقة يوازي الخراب والدمار الذي يقع بحق دول وشعوب أخرى. ولكنّ لكل ربيع خريفاً مهما طال الزمن.

أضف تعليقك