• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كان أبوطالب عم النبى يحمى النبى وإن لم يؤمن برسالته، ويدافع عن المسلمين وإن لم يكن على نفس اعتقادهم، حتى إنه حوصر معهم في الشعب الذى عرف باسمه بعد ذلك شعب أبى طالب، ودفع ضريبة معاداة قريش لدين الإسلام الذى لم يؤمن به شهامة ورجولة، وضحى بأمنه وسلامته مع من ضحوا في الشعب وإن لم يدخل في دينهم مروءة، وعادته قريشا كلها وتحمل عداوتها راضيا إنسانية وأخلاقا، حتى وإن كانت عقيدته تخالف عقيدة من يدافع عنهم.

وحين عاد النبى صلى الله عليه وسلم مطرودا من الطائف وقد أراد دخول مكة، ظهر رجل آخر على مسرح الأحداث من أحرار قريش ليستبين الناس مواقف الرجال، وليتعلم المسلمون التفرقة بين المعادى والمسالم في مسيرة الدعوة.

تروى كتب السيرة أن زيدا بن حارثة قال لرسول الله: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ يعني قريشا، فقال: ((يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه)).

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من مكة مكث بحراء، وبعث إلى المطعم بن عدي لإجارته، فأجابه المطعم: نعم، ثم تسلح ودعا بنيه وقومه فقال: البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، ثم بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أن ادخل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا فلا يهجُه أحد منكم، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته.

ولما اشتد البلاء بأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم في مكة قال: ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه)).

ولما يكن النجاشى وقتها قد دخل في الإسلام، وقد كان موقفه في غاية الحزم مع رسولى قريش اللذين أرسلتهما إلى النجاشى ليسلمهم إليهما حيث قال لهما: "انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا".

ولا تعدم الأزمان أمثال أبى طالب والمطعم بن عدى والنجاشى من الأحرار الذين تجذرت فيهم الإنسانية على مر العصور، واليوم تتكرر مواقف الأحرار على مسرح الأحداث الدولية؛ فبعد يوم واحد من إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يحظر دخول اللاجئين من 7 دول إسلامية إلى الولايات المتحدة لمدة 4 شهور، ظهر أبوطالب والمطعم بن عدى والنجاشى في القرن الحادى والعشرين في كندا، حيث جاء رد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وكتب على صفحته على "تويتر" قائلا: "إلى أولئك الفارين من الاضطهاد والإرهاب والحرب.. الكنديون يرحبون بكم، بغض النظر عن عقيدتكم، قوتنا في تنوعنا، مرحبا بكم في كندا".

وقد كان لهذا الموقف انعكاساته الإيجابية على مسرح الأحداث في كندا، وقد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى مشهد مؤثر لوقوف الكنديين من غير المسلمين أمام أحد المساجد لحمايته، وهو أكبر دليل على هذا الانعكاس الإيجابى، وهذا يعد انتصارا كبيرا في ميدان القيم والأخلاق ورسالة الإسلام الحضارية التى أرسى دعائمها هؤلاء الجنود الأخفياء الذين عملوا رسلا للإسلام سنين عديدة في الساحة الكندية خاصة، والساحة الغربية على وجه العموم.

إن ما صنعه رئيس الوزراء الكندى معروف يجب أن يذكر ولا ينسى، ويحمد ولا يجحد، ويشكر ولا يكفر، ولو كانت لنا يد في قادم الأيام لكافأناه على صنيعه، وكرمناه على مواقفه، وإنا لنشكره من الآن شكرا نظريا حتى يكون لنا بإذن الله شكر عملى.

وهذا ما علمنا إياه النبى صلى الله عليه وسلم، حيث حفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم للمطعم بن عدى صنيعه، فقال في أسارى بدر: ((لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)).

ومن ثم لا يجوز شرعا ولا عقلا أن نضع غير المسلمين كلهم في المعاملة في سلة واحدة بحجة أن الكفر كله ملة واحدة، ونسى هؤلاء أن هذا في المعتقد لا في المعاملة، لأن القرآن الكريم أوضح في جلاء، وأرشد في غير لبس إلى المعاملة الحسنة لغير المسلمين الذين لا يعادوننا {لا ينهاكم لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وكان النهى في وضوح عن أولئك الذين يقاتلوننا ويعادوننا {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

وينبغى أن يفهم أبناء الإسلام بعض المقررات الشرعية والسنن الكونية في هذا الصدد منها: أن أساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين السلم لا الحرب، وأن سنة الله في الخلق التعارف (لتعارفوا) وأن اختلاف الدين فقط ليس سببا في

البغض والعداوة والكراهية، ولا يمنع من التعاون والتواصل مع المخالف دينيا، وأن معتقد المخالف لنا ما دام لا يعادينا لا يؤثر على المعاملة الطيبة معه، وأن في الآخرة متسعا ليحاسب رب العباد عباده على معتقداتهم، وليس من شأن العبد أن يحمل الناس على الإسلام، لأنه {لا إكراه في الدين} وأنه {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وأنه {لكم دينكم ولى دين}، وأن (الدين المعاملة) وأن الله تعالى يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، وأن العدل واحترام كرامة الإنسان قيمة إسلامية وإنسانية كبرى كما جاء في قوله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم}، نحترم كل من يعليها حتى وإن كان غير مسلم، ونبغض كل من ينتهكها وإن كان مسلما.

وهل يجوز في أعراف الناس وعقولهم أن نساوى بين أبى طالب وأبى لهب، وكلاهما عم للنبى صلى الله عليه وسلم على غير دينه؟

وهل يجوز أن نساوى بين من يطرد المسلمين من بلده، ومن يرحب بهم على الرغم من أن كليهما على غير الإسلام؟ وهل نساوى بين معاد لنا ومسالم، وهما في الدين على غير ملتنا؟ اللهم إنى أشهد أنهم (ليسوا سواء).

أضف تعليقك