لم يكن المستهدف هو المرحوم المستشار وائل شلبي فقط.. ولكن مجلس الدولة كله أضحى في خطر، والحرب التي يديرها السيسي الآن على هذه المؤسسة العريقة لن تهدأ إلا بهزيمة أحد الطرفين؛ إما مجلس الدولة بكل قضاته، وإما السيسي بقراراته واتفاقياته.
وقبل أن أشرع في سرد بعض التفاصيل حول واقعة مصرع المستشار وائل شلبي الأمين العام السابق لمجلس الدولة يجب أن يعلم القارئ عدة حقائق لا تنفك عن واقعة مصرع المستشار وائل شلبي.
أولًا: أن حربًا في الخفاء كانت قد اشتعلت بين عبدالفتاح السيسي وبين مجلس الدولة منذ أن قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ببطلان توقيع اتفاقية اعادة ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية التي وقعها السيسي؛ حيث قضت المحكمة ببطلان تسليم الجزيرتين تيران وصنافير للسعودية، كما قضت باستمرار تبعية الجزيرتين للسيادة المصرية.
وسبب هذه الحرب أن تأييد هذا الحكم من قبل المحكمة الإدارية العليا فضلاً عن أنه سيضع العلاقات المصرية السعودية في منعطف صعّب على السيسي، إلا أنه أيضًا سيشكل في جوهره ارتكاب السيسي جريمة الخيانة العظمى ثابتة بكل أركانها، بعد أن فرط في تراب الوطن دون سند من القانون، وهذا الأمر قد يواجه بردة فعل لا يتمناها السيسي، خاصةً من داخل المؤسسة العسكرية، وقد ازدادت هذه الحرب اشتعالاً خاصة بعد زيارة الوفد السعودي إلى مصر واضطرار السيسي إلى سرعة تسليم الجزيتين.
ثانيًا: في ظل هذه الحرب المستعرة تحت الرماد بين مجلس الدولة والسيسي شرع برلمان السيسي في منحه السيطرة الكاملة على مجلس الدولة بتعديل قانون المجلس ليختار السيسي رئيس مجلس الدولة القادم بعدما كان شغله لهذا المنصب بالأقدمية المطلقة.. فكان نص التعديل المقترح على المادة 83 من قانون مجلس الدولة؛ أن يتم استبدالها بالنص الآتي (يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة)، وهو أمر قابله جموع القضاة من مجلس الدولة بالرفض القاطع.. مما زاد الأمر تعقيدًا على السيسي.
ثالثًا: تدخل المستشار مجدي العجاتي وزير الدولة للشئون القانونية -في حكومة الانقلاب- محاولاً استغلال تاريخه الممتد لأكثر من 44 عامًا قاضيًا بمجلس الدولة، تارة بالتلويح لقضاة مجلس الدولة بالوعيد حال صدور الحكم في قضية إعادة ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية على عكس رغبة السيسي، وتارة بمحاولة كبح جماح غضبة القضاة وقبولهم برغبة السيسي لتعديل قانون مجلس الدولة حتى يمكنه اختيار رئيس المجلس.. ومن ثم السيطرة الكاملة على مجلس الدولة، وهذا التدخل قد بلغ أشده عندما صرح الوزير العجاتي لوسائل إعلام بأن مجلس الدولة غير مختص بنظر الطعن على قرار تسليم الجزيرتين للملكة العربية السعودية!!!
رابعًا: ينظر مجلس الدولة في الـ17 من يناير -هذا الشهر- الدعوى المرفوعة من المستشار هشام جنينة والتي يطالب فيها الحكم ببطلان القرار الصادر من السيسي بعزله من منصبه كرئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات بإعتبار أن هذا المنصب محصناً بموجب الدستور ولا يجوز عزل رئيس الجهاز تحت أي إدعاء، وعلى الرغم من خلافي الشديد مع المستشار هشام جنينة..
إلا أن الإنصاف يحتم عليّ أن أقول إنه في حال صدور الحكم من مجلس الدولة لصالح المستشار جنينة فإن قضاة مجلس الدولة سيحققون لمصر ولأنفسهم عدة مكتسبات لعل أهمها:
* إعادة الثقة لدى الشعب المصري في نزاهة مجلس الدولة وقضاته بعدما ظن البعض أن مجلس الدولة قد تم تأميمه مثل القضاء العادي والنيابة العامة بسبب الأحكام والقرارات الجائرة التي صدرت ضد خصوم السيسي السياسين.
* سيعيد هذا الحكم مرة أخرى ترتيب البيت المصري من جديد وسيضع مجلس الدولة بهذا الحكم حدوداً هامة وفاصلة لتوغل السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة بعدما ظن الطاغية أن كل القضاء قد خضع له.
* هذا الانتصار الذي قد يحققه مجلس الدولة لمصر يحتم على جنينه أن يعرض على الرأي العام المصري تفاصيل الفساد الذي بلغ 600 مليار جنيه حتى يمكن محاسبة المتهمين أو محاسبة أعضاء النيابة العامة والقضاة الذين عطلوا العدالة ومنحوا الفسدة هذه الحصانة وفي مقدمة هؤلاء المستشار نبيل صادق.
* كسر الحاجز النفسي الذي شيده السيسي في نفوس المصريين بأنه لا أمل في الإصلاح مهما كانت الوسيلة.
خامسًا: هذه النار التي تزداد لهيباً يوماً بعد الأخر دفعت السيسي وعدد من مستشاريه إلى التفكير في إلغاء مجلس الدولة وضم قضاته إلى القضاء العادي والنيابة العامة وبالفعل عقد خلال الأسبوع الماضي عدة لقاءات جمعت بين السيسي وعدد من القضاة الموالين له بحضور المستشار مجدي العجاتي للبحث في أمكانية إصدار هذا القانون إلا أن البعض قد أشار عليه أن هذا الأمر قد يشكل صداماً قوياً مع قضاة مجلس الدولة ،وقد تنتهي الأمور بتراجعه عن هذه الفكرة مما سيضعه في حرج أكبر وموقف أضعف.
ولكن ما هي علاقة هذه الحرب بمصرع المستشار وائل شلبي الأمين العام السابق لمجلس الدولة؟ ومن المستفيد من وفاته؟ ومن هو رئيس المؤسسة التي باشرت الإجراءات ضد هذا الرجل حتى انتهى الأمر بمصرعه؟؟؟!!!
هذا ما أجيب القارئ الكريم عنه في مقالي القادم غداً (نحر القضاة 2).
أضف تعليقك